الأديب السوداني يرى أن الأنظمة العربية عمدت إلى خلق منتجين للأفكار والفنون الخالية من المضامين والقضايا العامة، وهو ما يفسر لنا حالة التردي في الإنتاج المعرفي والثقافي.العرب [نُشر في 2018/01/04، العدد: 10859، ص(14)]إنتاج غزير لعيسى الحلو الخرطوم ـ حذّر الأديب والناقد السوداني، عيسى الحلو، من أن المثقف العربي يعيش “حالة من الإحباط، جعلته يشعر بأن كل الآفاق مسدودة أمامه، بسبب فشل ثورات الربيع العربي”. وقال الحلو، في مقابلة صحفية بالخرطوم، إن فشل القادة السياسيين، وعدم وجود مفكرين، فاقم من حالة الإحباط في الوطن العربي. ويتكئ الحلو على إنتاج أدبي، يبلغ خمس مجموعات قصصية، وست روايات، وعددا من الدراسات النقدية الأدبية، إلى جانب رصيد من العمل في الصحافة الثقافية يتجاوز 60 عامًا. واتهم الحلو النظام العربي بـ”احتكار الأفكار والمعرفة”، قائلًا: “نحن لا نعمل على الفكر، لأن أنظمة الدول العربية، لا تعطي ذلك الحق للمواطن”. وأضاف: “الأنظمة تمنع ذلك، لأنه يخلق حالة وعي عامة لدى الشعب، تقود في النهاية إلى ثورة تطالب بكل الحقوق التي تم تغييبها عنه أو حرمانه منها”. وأشار إلى أن الأنظمة عمدت إلى خلق “منتجين للأفكار والفنون الخالية من المضامين والقضايا العامة، وهو ما يفسر لنا حالة التردي في الإنتاج المعرفي والثقافي، التي نشهدها الآن في كل بلداننا العربية”. ورأى الحلو أن الساحة العربية الآن “خالية من مفكر قادر على خلق حراك، مثل الحالة التي أحدثتها كتابات المفكر الأميركي من أصل فلسطيني إدوارد سعيد”. وأسقط ذلك على كُتّاب الأدب بصفة عامة والرواية بصفة خاصة، وضرب مثلًا بكتابات الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ، والسوداني الطيب صالح، التي لم تشهد الساحة الأدبية عقب رحيلهما كتابًا بذات مكانة وحجم مؤلفاتهما. وتابع: “نعم توجد استثناءات لكنها لم تستطع الصمود، ويتضح لك ذلك جليًا أمثال الكاتب السوداني حمور زيادة، وعلاء الأسواني من مصر، فالأول قدم عملًا جيدًا في رواية (شوق الدرويش) الصادرة عام 2014، والثاني قدم رواية (عمارة يعقوبيان) في 2007، لكن أين هما الآن؟”. وزاد: “الفراغ المحيط وغياب مثقفيه وكتابه، دفع القارئ والمتلقي العربي إلى الأدب العابر للقارات والمنقول لهم عبر المترجمين”. الملفات الثقافية بختام العام الجاري يكمل عيسى الحلو ستة عقود من العمل الصحفي الثقافي المتواصل، أشرف خلالها على عدد من الملفات الثقافية؛ حيث ترأس القسم الثقافي بصحيفة “الأيام” السودانية ثم صحيفة “السياسة والصحافة”، قبل أن يترأس تحرير مجلة “الخرطوم” التي يصدرها المجلس القومي للثقافة والفنون بالسودان (حكومي)، وأخيرًا رئاسته للقسم الثقافي بصحيفة “الرأي العام”، التي يعمل بها حتى الآن. ولفت الحلو، إلى أن “فكرة الملفات الثقافية حديثة في الوطن العربي، ويعود الفضل في ريادتها إلى مصر، فقد بدأت مع مجلتي القاهرة والرسالة، مطلع القرن الماضي”. أما في السودان “فقد بدأت أواخر ثلاثينات القرن الماضي، مع مجلتي الفجر التي كان يحرر ملفها الثقافي الصحفي عرفات محمد عبد الله، ومجلة النهضة التي كان يحررها الصحفي محمد عباس أبو الريش”. وعزا الحلو ازدهار الملفات الثقافية في تلك الحقبة في السودان، إلى منع المستعمر البريطاني (1899 – 1956) الكتابة في الشأن السياسي، بصورة مباشرة. ونوه إلى أن هذا “هو ما دفع عددًا من الكتاب السياسيين والمثقفين، إلى تناول القضايا العامة بطرق رمزية أدبية لتفادي الرقيب الإنجليزي”. وساهم ذلك، بحسب الحلو، في “إخراج عدد من الكتاب المتميزين، مثل الشاعر السوداني التيجاني يوسف بشير، والكاتب معاوية محمد نور”. إطار ضيق وأعرب الحلو عن اعتقاده بأن “الظروف التي نشأت فيها الملفات الثقافية في السودان خلال فترة الاستعمار، جعلت الصورة في أذهان الكثيرين أن الثقافة هي الشعر والقصة فقط”. وأردف: “انحصرت الفكرة في هذا الإطار الضيق، حتى عند انتشار الصحافة السياسية الحديثة عقب الاستقلال في منتصف خمسينيات القرن الماضي، واستمرت حتى يومنا هذا”. وحكى الحلو عن معاناة الثقافة السياسية، قائلًا: “رؤساء التحرير لم يكونوا حريصين على تنمية الملفات الثقافية، لأنهم مثل المواطنين العاديين يرون فكرة الملف الثقافي غير واضحة المعالم النسبة لهم”. واستدرك بالقول: “لذلك خلقوا صفحات أدبية فقط، لا تحوي المفهوم الشامل للثقافة، وعمدوا إلى الاستعانة في الغالب بالأدباء لتحريرها، وليس على الصحفي القادر على إنتاج المواد الصحفية الثقافية، بمختلف القوالب التحريرية المعروفة”. وتابع: “كل ذلك أدى إلى أن يكون طابع الملف الثقافي أدبي، والسبب في أن الوعي العام يعتقد أن الأدب هو الثقافة”. ومضى بالقول: “أسهم تفشي الأمية بصورة عامة، والأمية الجمالية عند المتعلمين في ضعف المنتج، ولا يوجد حتى الآن في السودان من نطلق عليه كاتب محترف، بمعنى الكاتب الذي يتقاضى مقابلًا ماديًا، ويدفع الضرائب من عائدات كتاباته”. وحسب الحلو، فإن “أوضاع الصحافة الثقافية دفعت المشرفين على تلك الملفات، لأن يكونوا غير جادين يروّجون لأن يصبحوا رواة أو شعراء”. وضرب مثلًا بنفسه، قائلًا: “لو لم أكن صحفيًا محترفًا أتقاضي أجرًا على عملي، لما صبرت على تحرير الملفات الثقافية طول الستة عقود الماضية”. صناعة الثقافة وأوضح الحلو أن الدولة في الوطن العربي لا تصنع ثقافة على الإطلاق، ولعبور هذه العقبة، دعا إلى أن يلعب رأس المال ومؤسساته دورًا في تطوير الثقافة، مثل الدور الذي لعبته هوليوود أميركا، والصناعة السينمائية في تركيا. وأتبع: “بذلك سنخلق حراكًا ثقافيًا كبيرًا؛ فإنتاج مائة فيلم سينمائي توفر فرصًا لمائة مصمم رقصة، ومثلهم من مؤلفي القصص، وكتاب السيناريو وشعراء الأغاني”. ورسم الحلو “صورة متفائلة بمستقبل ثقافي جيد”، بالقول: “الدول العربية بدأت تهتم بمعارض الكتاب، وبعضها تقدم جوائز محفزة على الإبداع، مثل جائزة كتارا التي تقدمها الحكومة القطرية، وجائزة الطيب صالح في السودان، والبوكر العربية التي تنظمها الامارات”. ولفت إلى أن “هذا لم يكن موجودًا قبل نحو عشرين عامًا، إضافة إلى أن نسبة الأمية آخذة في الانحسار”. واعتبر أن الأمية الجمالية التي تهتم بالفن والفكر والمعرفة عمومًا، بحاجة لبعض الوقت، وعددًا من النقاد والكتاب المتميزين غير الموجودين حاليًا في المشهد العربي. وعن أعماله، يقول الحلو، إنه يعمل على رواية “نسيان ما لم يحدث”، ويتوقع صدورها مطلع العام المقبل. وصدرت للحلو “حمّى الفوضى والتماسك” 1972، و”صباح الخير أيها الوجه اللا مرئي الجميل” 1997، و”عجوز فوق الأرجوحة” 2010، “الورد وكوابيس الليل” 2013، إلى جانب روايات ثلاث نشرها في صحيفتين سودانيتين: “البرتقالة” صحيفة “الصحافة” 1971، “مداخل العصافير إلى الحدائق” صحيفة “الأيام” 1976، و”الجنة بأعلى التل”، صحيفة “الأيام” 1978.
مشاركة :