جاءت الانفجارات الاحتجاجية وشرارتها يوم الخميس بتاريخ 28 ديسمبر 2017 في بعض المدن مثل مشهد وشاهرود وكشمر ونيشابور انفجارات اعتيادية نتيجة الاحتقان العميق والمستمر بين النظام والقطاعات الواسعة من السكان، والتردي السيْ للوضع المعيشي في البلاد، مما خلق حالة استياء وبؤس لا تطاق، فالغلاء الفاحش في الاسعار ولعبة المضاربين بها في ظل اجهزة فاسدة تعمق وتوسع من الوضع الحياتي المزري لملايين الناس في ايران، في وقت تشهد مدى الانفاق الفاحش الذي تضخه حكومة الملالي على المليشيات في الخارج. من هنا نفهم لماذا المنتفضين يرددون «لا غزة ولا لبنان روحي فداء ايران» هتافات واضحة ازاء هذا الموقف المشين ألا وهو إفقار الشعب في الداخل على حساب حروب مجنونة بالوكالة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان. ذلك «البذخ الثوري!» للخارج محروم منه الشعب في الداخل، لذا تراكم الاحتقان والتردي وظل يتواصل طوال تلك الشهور، حيث كانت تتم سرقة صناديق واموال المتقاعدين، ونهب الاراضي الزراعية والاستيلاء عليها من قبل الحكومة ورجالاتها بحجج واهية والاستمرار بمحاولة التغيير في التركيبات الطبقية والاجتماعية والديموغرافية في مناطق من اهمها الاحواز. تلك البؤرة النفطية الحيوية للاقتصاد الايراني، الذي وضع النظام يده على غالبية مرافقه الاقتصادية من خلال «عسكرة الاقتصاد» وترك هيمنة الحرس الثوري على ادارتها. كان نبض الشارع الايراني المتوثب يتوقع في اية لحظة اندلاع الحراك الشعبي في شوارع المدن الايرانية، ولكن احتجاجات يوم الخميس حملت في داخلها دلالات جديدة مختلفة عن تلك الاحتجاجات السابقة الجزئية المبعثرة المتباعدة بين المدن ومركز العاصمة. من أشعلوا الشرارة يوم الخميس تمازجت بينهم الهتافات والشعارات السياسية والاقتصادية، وتداخلت الاهداف بالمطالب الشعبية في مواجهة الغلاء، وفي مواجهة «الدكتاتور» والنظام السياسي بزعامة روحاني وخامنئي. وتسارعت الاحتجاجات الفرعية يوم الجمعة في المدن المتفرقة لتتحول الى انتفاضة عارمة اتسعت كالنار في الهشيم وشملت مدن جديدة مثل قم وكرمنشاه وشيراز والاهواز ولارستان. وخلال الاربع والعشرين ساعة ازدحمت شوارع تلك المدن منددة بالنظام وبضرورة رحيله، بل وسمع المتظاهرين اصوات تحمل من الحنين لنظام الشاه البائد مقارنة بالوضع المتردي في زمن الملالي. وكلما وجدنا حالة نوستالجيا شعبية وبين النخب للنظام السابق لمسنا مدى حالة اليأس الاجتماعي والسياسي وسط الطبقات الوسطى والنخب المثقفة وذوي الدخل المحدود، التي تجد نفسها محرومة من أبسط الحقوق والامتيازات والمكتسبات التي كانت تعيشها في النظام السابق، فيما اصيبت قطاعات فقيرة في الريف والاطراف بالفقر المدقع والكفاف حتى وجد الاعلام العالمي في تلك الانتفاضات تعبيرا عن «ثورة الجياع!». كل تلك التعبيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تجوز على الحالة الايرانية، مما دفع بالالاف الخروج من منازلهم وجامعاتهم لينخرطوا في مواجهة شجاعة مع رجال الامن، بل ووجدنا في بعض المشاهد والمناطق بروز ظاهرة «كسر حالة الخوف!» إذ تواجه المنتفضين بشجاعة مع رجالات الامنمما ودفع برجال الدين والامن الدعوة بالضرب بقوة على مثيري الشغب. هذا الفزع المستشري في داخل مؤسسات السلطة ورجالاتها سيكشف عن انيابه في الايام القادمة ويظهر مدى قسوته في تعامله مع المتظاهرين كلما اتسعت تلك الاحتجاجات وكبرت كرة الثلج الايرانية، وبلغت قوتها وعنفوانها العاصمة طهران، وبات من الصعب السيطرة الممكنة على الحريق العاصف في كل المدن الايرانية، مما سيدفع بالنظام بزج المزيد من قواته الغليظة من قوة الباسيج والحرس الثوري وتلك الاجهزة الامنية التي تتحكم في مفاصل طهران والمدن الكبرى. مازالت المرحلة مبكرة لتجاذب الصراع والقوى بين الشعب من جهة والنظام من جهة اخرى، فنحن نرى في تاريخ النظام خلال اربعة عقود مدى شراسته في قمع الحريات ومستعد في سبيل الحفاظ على السلطة والثروة ان يحرق البلاد كلها وتتحول الطرقات والسجون والمدن والارياف الى حمامات دم. الاحتجاجات في مرحلتها وساعاتها الاولى وبحاجة الى تحولها الى انتفاضة شعبية واسعة تغطى جغرافيا كل اجزاء ايران، من الريف العميق بالفلاحين الى مدن الصناعات الكبرى المتمركزة فيها الطبقة العاملة الى حيث جحافل الحركة الطلابية في كل جامعات ايران، بدون تلك المشاركة الواسعة والتنظيم وقيادة وطنية موحدة وبرنامج، لا يمكن لاي انتفاضة ان تتحول الى ثورة قابلة لانهاك النظام واسقاطه، بل ونرى ان وقوف الجيش في لحظة تاريخية مع الثورة مسألة مهمة او وقوفه على الحياد لتغيير موازين القوى في وجه ما يمتلكه النظام من ادوات قمعية قادرة على المقاومة الى فترة محتملة. الاعتقالات في اولها والعنف في حده الادنى والارتباك والفوضى في جنينه، والجميع يقف في منتصف الطريق وايران ترتعش وتهتز في منعطفها التاريخي... نحن بانتظار ان يتحق الشعار المرفوع «الموت أو الحرية».
مشاركة :