السوريون ينافسون المصريين في تركيب العطورلجأ السوريون إلى دول عديدة هربا من العنف الدائر في بلادهم الذي تواصل سنوات عديدة، أغلب اللاجئين حاولوا الاندماج في المجتمعات التي تواجدوا فيها وعملوا على تنظيم حيواتهم بالدخول في الدورة الاقتصادية. وقد نجحوا في ذلك، خاصة في مجال إعداد المرطبات والأطعمة وصنع المجوهرات وصناعة الآلات الموسيقية، وهي اختصاصات اشتهر بها السوريون في بلادهم، واستغلوا هذه الشهرة في البلدان التي استضافتهم، منها مصر التي استقبلت العديد منهم فأقاموا مشاريع في مجال الطبخ وإعداد الحلويات، ونافسوا المصريين في صناعة العطور المحلية وصار لهم زبائنهم في مختلف أرجاء مصر. العرب نجوى درديري [نُشر في 2018/01/06، العدد: 10861، ص(17)]أناقة البائع وعذوبة اللسان تجذبان الزبائن (تصوير: محمد حسنين) القاهرة - لم تكن الملكة “كليوباترا” -آخر ملوك العصر البطلمي في مصر- تتخيل أن قوارير العطر التي حرّمتها على عامة الشعب واستخلصتها من أجود أنواع النباتات العطرية، سوف تصبح في متناول الجميع. ولم يدرك ملوك صناعة العطور في باريس أن في مصر أشخاصا نجحوا في تقليد أفخم الماركات العالمية بأرخص الأثمان، ثم فوجئ هؤلاء المقلدون الجدد بمن ينافسهم في هذه الحرفة. انتشرت في الآونة الأخيرة داخل المراكز التجارية الكبرى في مصر محلات وأكشاك بيع العطور، وكلّها تتبنى نهجا واحدا في الترويج. يقف شاب أنيق يحمل في يديه شرائح ورقية تفوح منها رائحة زكية، ويعرضها على المارة مجّانا تحفيزا لهم على الشراء. يعرف هواة شراء العطور من النساء والرجال أن سعر القارورة الواحدة من الأنواع الجيدة قد يتخطى المئتي دولار. في مصر يمكنك اقتناء نفس الأنواع بأقل من 10 دولارات، فقط عليك التوجه إلى بائعي العطور بخلطات محلية، وهذه المهنة لها شيوخها المعروفون في منطقة الحسين وسط القاهرة.القارورة أصلية والعطر مصنع في مصر منذ نحو 15 عاما أقام بعض الشباب في مصر مشروع العطور لمواجهة البطالة، لأنها لا تحتاج إلى رأس مال كبير، إلى درجة أن بعضهم أقام مشروعه على منضدة صغيرة بجوار أحد المحال. بعد سنوات قليلة قدم السوريون إلى القاهرة هربا من الحرب المستعرة في بلادهم ونجحوا في مجال صناعة العطور كما نجحوا في مجالات أخرى، وسجلوا باسمهم واحدة من أشهر شركات تركيب العطور التي تحمل اسم “ماء الذهب”، وتنتشر فروعها في أماكن متفرقة من القاهرة وبعض المحافظات. تمتلك هذه الشركة نحو 64 فرعا بمحافظات مصر، وفقا لما أكده أحد مسؤوليها لـ”العرب”، وقال إن الشركة تعمل في مصر منذ 5 سنوات، ولفت إلى أنه يحرص على بيع العطور الأصلية، ويتم استيراد مكونها الأصلي “الأسانس” من فرنسا. ويعتمد هؤلاء على أناقة المظهر وعذوبة اللسان في جذب انتباه المارة، وهو ما بدا واضحا على الشاب باسل مصعب، بائع في أحد المراكز التجارية الكبرى في منطقة 6 أكتوبر غرب القاهرة عاصمة مصر. كشف مصعب لـ”العرب” أن مهنته الأصلية هي صناعة العطور التي امتهنها منذ كان في دمشق ويعرف أسرارها جيدا، وعندما جاء إلى القاهرة مع عائلته قرر إقامة مشروع في مجال صناعة العطور. ولفت إلى أنه يشتري المواد الخام من تاجر يستوردها من الخارج، وأكد أنه لا ينافس محلات العطور المصرية، لأن له زبائنه الأوفياء، وهناك زبائن آخرون يفضلون شراء العطور من محلات الحسين وخان الخليلي لأن أسعارها زهيدة. رغم انتشار المنتجات السورية هناك زبائن ما زالوا يفضلون شراء العطور من منطقة خان الخليلي بالقاهرة. أمام محل الكرامة -أحد أقدم محلات صناعة العطور- طلبت الحاجة هنية عمران (60 عاما) قارورة عطرها المفضل (المسك)، في حين وقف البائع وسط القوارير الزجاجية يجهز لها ما أرادت. بدأت الحاجة هنية حديثها مع “العرب” بلهجة عفوية، وقالت “إن النساء يردن أن يتعطرن للرجال”، وابتسمت في خجل، وأضافت أنها لا تشتري المسك للتعطر فقط، بل تضع أحجاره المربعة الصغيرة في خزانة ملابسها للحفاظ عليها معطرة.وتحرص هنية وغيرها من النساء على شراء ما يلزمهن من هذا المحل تحديدا، لأنه متخصص في صناعة العطر منذ الأربعينات من القرن الماضي.يتعطرون بأسعار معقولة (تصوير: محمد حسنين) وأوضح مؤمن شعبان المسؤول عن المحل، لـ”العرب”، أن الزبائن يقبلون على شراء العطور المصنعة لانخفاض أسعارها مقارنة بأسعار العطور الأصلية، ويصل سعر القارورة حجم مئة ميلليغرام إلى نحو 120 جنيها (نحو 6 دولارات)، ويرتفع السعر حسب نوع العطر وكمية المادة الخام التي يتم استيرادها من فرنسا وإنكلترا وإسبانيا. ووصف شعبان مهنته بأنها من مهن “السهل الممتنع”، فالمعايير قد تبدو سهلة وتركيبها غير معقد، لكن ما يميز عطرا عن آخر هو جودة المادة الخام، لافتا إلى أن اعتقاد البعض بأن زيادة وزن المادة الخام تزيد من جودة المنتج أمر غير صحيح. هناك لن يعود الزبون دون الحصول على عطره المفضل الذي يكون في القارورة الأصلية، فهذا النوع من القوارير يحرص بعض المحلات على شرائه وتنظيفه وإعادة تعبئته بالعطر المقلّد وفقا لرغبة الزبون، وتباع القوارير الأصلية الفارغة بسعر آخر غير سعر العطر. مع ذلك أكد وليد وردة صاحب محل “وردة”، أن الإقبال على شراء العطور انخفض بسبب ارتفاع الأسعار، فضلا عن تراجع حركة السياحة في هذه المنطقة التاريخية.
مشاركة :