العجوز ذو الرداء الأحمر شابين شقيقين بفكرة تجارية جديدة، درت عليهما الربح وأتاحت فرصة الكسب لرفاقهم في المشروع. واحتاجت هذه المجموعة الدؤوبة إلى عام واحد فقط تخللته محاولات عديدة، حتى خرج أول “بابا نويل” بصناعة مصرية مئة بالمئة. البداية جاءت في نهاية العام الماضي، بلافتة علقها الشاب مازن المنصوري، للإعلان عن طلب وظائف خالية لخياطين مهرة، للانضمام إلى ورشة يديرها هو وشقيقه متخصصة في صناعة لعب الأطفال، وقرر أن يضم دمية بابا نويل إلى جملة صناعاته، ويدخل للمرة الأولى في منافسة مع المنتجات الصينية التي غزت أسواق مصر. استغل مازن وشقيقه قرار منع استيراد السلع غير الأساسية، في محاولة لقطع الطريق على البضاعة الأجنبية المهربة بعيدا عن الأجهزة الرقابية، وتطوير مشروع ورثه هو وشقيقه عن والدهما، كما يمتلكان عددا من المحال التجارية لبيع ألعاب الأطفال وكل ما يلزم “حفلات سبوع المولود”، وهي طقوس للاحتفال بالمولود الجديد بعد مرور أسبوع على مولده، إضافة إلى كل ما يلزم الاحتفال بالمناسبات الدينية والشعبية الموسمية. تعتبر ورشة المنصوري بوسط القاهرة، الوحيدة في مصر المتخصصة في صناعة دمية بابا نويل ولعب الأطفال المحلية، وقال مازن لـ”العرب” إنهم ورثوا تلك التجارة عن والدهم الذي أسس هذا المشروع منذ الثمانينات من القرن الماضي، ويروي أن والده كان يسافر إلى الصين لاستيراد البضائع، لذا كان الاعتماد من بعده على المنتجات الصينية، حتى قفزت إلى ذهنه فكرة تصنيع بابا نويل يدويا في مصر.الدقة في التفاصيل تأكد مازن هو وشقيقه بعد زيارتهما للصين أكثر من مرة، أن العامل المصري لا يقل مهارة عن نظيره الصيني، وينقصه فقط عنصر الخبرة، مشيرا إلى أن وجود خبرات مناسبة كان سببا في مواجهة العديد من العقبات، خصوصا وأن مثل هذه الحرفة تحتاج إلى مهارات دقيقة، لخروج المنتج بشكل نهائي ومُرض ينافس المنتج المستورد. بحث المنصوري عن خياطين متخصصين في صناعة ملابس الأطفال، ومع بداية مشروعه استعان بمجموعة منهم لم تكن على درجة عالية من الكفاءة، وظهرت عيوب كثيرة في المنتج الذي لم يكن مرضيا لتجار الجملة الذين يتعاملون مع المنصوري وجماعته، ولا حتى للزبائن العاديين، وهو ما تسبب في تحقيق نسبة مبيعات منخفضة وكانت أقل من التكلفة. دمية بابا نويل بلونها الأحمر والمزينة بشرائط بيضاء، تحتاج في صناعتها إلى دقة شديدة، سواء الأمر بالدمى ذات الأحجام الكبيرة أم تعلق بنظيرتها ذات الأحجام الصغيرة، لأن فيها العديد من التفاصيل، خصوصا على مستوى وجه الدمية والإكسسوارات التي تحاك على ملابسها، وأيضا الذقون البيضاء التي تقص وتلصق على الوجوه بنسب محددة. تطوير المشروع لم تكن فكرة تصنيع هذه الدمية ناجحة من وجهة نظر مازن، وأرجع ذلك إلى عدم إتقان مرحلة التصنيع النهائية، ويقول إن الدمية بعد تصنيعها في البداية لم تكن تستجيب للمواصفات المطلوبة، وهو ما دفع الزبائن إلى شراء المنتج الصيني، رغم أن سعره يفوق سعر منتجه بأكثر من الضعف، كما أن بعض المتاجر تغالي في تحديد الأسعار. وأصر على استمراره في البحث عن عمال أكثر مهارة ودقة، وقرر مع شقيقه أن ينتجا دمية بابا نويل هذا العام بجودة عالية، فسعيا إلى جلب خياطين أكثر خبرة وهو ما تم بالفعل، وقال “إنه بمجرد انضمام العاملين الجدد عملنا على تطوير المشروع، وأصبحنا نمتلك أكثر من ورشة للتصنيع، بدل ورشتنا الصغيرة في الطابق العلوي بالمحل الذي نمتلكه في شارع قصر النيل وسط القاهرة”. وبعد عدة أشهر من العمل أصبح المنتج يرضي تجار الجملة، وأكد الشاب المصري أنهم يصنعون دُمى بابا نويل بكميات كبيرة ويعرضونها بمحلاتهم التجارية، كما لفت إلى أن الزبون المصري يفضل حاليا شراء المنتج المحلي، وهو لا يختلف عن المنتج المستورد بل سعره أقل بكثير من سعر المنتج الصيني. ويبلغ سعر الدمية الصغيرة (بارتفاع عشرة سنتيمترات) نحو دولار ونصف الدولار، في حين يبلغ سعر المنتج الصيني منها نحو ثلاثة أضعاف. أما الدمية الكبيرة (بارتفاع أربعين سنتيمترا) فيصل سعر المستورد منها إلى 17 دولارا.دمية عيد الميلاد تجد لها ورشة في القاهرة ويلفت إلى أن ما ينقصه في صناعته هو الإكسسوارات التي تضاف إلى الدمية، مثل الإضاءة، وحتى الآن لم يستعن بالمتخصصين في هذا المجال بمصر، وقد يتغلب على هذه المشكلة باللجوء إلى أحد الشبان المخترعين، للتعاون من أجل تطوير المنتج. حقق آل المنصوري الهدف بالوصول إلى منتج نهائي جيد وإن كان منقوصا من بعض اللمسات البسيطة، لكنهما أعدا عملا متفردا في هذه الصناعة التي لم يشاركهما فيها أحد، وكبر المشروع وأصبح ورشة ذات مساحة متسعة، تتراص فيها ماكينات الحياكة جنبا إلى جنب، وتتواجد بين جنباتها الأقمشة بألوانها الحمراء والبيضاء، وداخل هذه الورشة ينهمك الرجال والنساء في العمل معا من أجل عيون بابا نويل. في جولة لـ”العرب” بصحبة مازن المنصوري داخل الورشة، كان العمل يسير بانتظام في شكل مجموعات عمل، تعتني كل مجموعة منها بصناعة جزء محدد من الدمية، فمن المجموعة من هو المنهمك في قص “الباترون” (نموذج أولي للدمية يصمم على الورق المقوى) وهو دليل يستعان به في قص القماش الخاص ببقية الكمية المصنعة. في جانب آخر تتواجد فتاة وقد انصب تركيزها على حياكة أجزاء دقيقة كالذراعين والقدمين، وأخرى حريصة على تزيين قبعة بابا نويل بشكل جمالي ملفت، وهناك من يعمل على حشو جسد الدمية بمادة “الفايبر”، وهي مادة صناعية تشبه القطن قليلا. يصف المنصوري مراحل تصنيع دمية بابا نويل بالصعبة والدقيقة، وأشار إلى أنها تحتوى على تفاصيل كثيرة، خصوصا الدمية ذات الأحجام الصغيرة، فهي تحتاج إلى دقة وتركيز شديدين. وكشف مراحل التصنيع التي تبدأ بحياكة وجه الدمية، ثم تركيب العينين ثم الأنف والفم ولصقهما في الوجه، وبعد ذلك تأتي مرحلة توصيل الرأس بالجسد، ثم حشو الدمية بمادة الفايبر وإلباسها السترة الخارجية، ثم تأتي مرحلة تصميم قدمي الدمية وإكسائهما بالقماش الجلد لتصيرا في شكل الحذاء، أما المرحلة الأخيرة فهي إلباس بابا نويل قبعة الرأس المميزة “الطرطور”. وسط العاملين، التقت “العرب” حنان الشابة العشرينية، التي تحدثت عن طبيعة عملها داخل الورشة وقالت إنها متخصصة في حياكة سترة دمية بابا نويل، لأنها كانت تعمل في مصنع لحياكة ملابس الأطفال، لكن بعائد شهري لم يكن كافيا لسد احتياجاتها اليومية، وعندما لمحت إعلانا لطلب خياطين لحياكة دُمى بابا نويل، شدتها الفكرة وقررت خوض التجربة. وتعمل حنان نحو ست ساعات يوميا وبأجر شهري يرضيها، وانضمت إلى فريق العمل بالورشة منذ شهر يونيو الماضي، وهو بداية الموسم للاستعداد لبيع دمية بابا نويل والذي ينتهي في نهاية ديسمبر من كل عام، وهو بالنسبة لجميع العاملين مهنة موسمية يحاولون خلالها جمع أموال تعوضهم أيام الركود. ولم تجد حنان صعوبة في تنفيذ مراحل حياكة سترة بابا نويل، وتعتبر أنها قريبة الشبه بحياكة ملابس الأطفال، سواء في قصها أو حياكتها على الماكينة. منتجات مستوردة قال العم أحمد المتخصص في حياكة كعب الدُمية وإكسائها بالجلد، لـ”العرب” إنه يعمل في المصنع منذ بدايته، وأن الفكرة تم تطويرها حتى صار المنتج المصري الذي احترفوا صناعته يتفوق على المنتج المستورد، وأنه عثر على فرصة عمل في هذا المصنع، بعد أن أصيبت سوق الملابس الجاهزة بالركود بسبب ارتفاع الأسعار، وقلة إقبال الزبائن على الشراء.نويل المصري يفرض نفسه في الأسواق ورغم قرار منع استيراد المنتجات غير الأساسية، إلا أنه في جولة لـ”العرب” داخل الأسواق الشهيرة والمتخصصة في بيع الدمى ولعب الأطفال، بمنطقتي درب البرابرة وحارة اليهود في وسط القاهرة، لا يزال المنتج الصيني يملأ الأسواق، وقد امتلأت المحال عن آخرها بدُمى بابا نويل وشجرة عيد الميلاد وأشرطة الزينة، والأجراس، وهناك إقبال شديد على هذه المنتجات المستوردة. ورغم انخفاض قيمة ما تستورده مصر من لعب الأطفال إلى 20 مليون دولار سنويا، بدلا من 55 مليون دولار، بسبب قرار وزارة التجارة والصناعة المصرية بمنع استيراد السلع غير الأساسية، فإن الأسواق ما زالت غارقة في هذه المنتجات. وأرجع بركات صفا، نائب رئيس الغرف التجارية لشعبة لعب الأطفال، السبب إلى الإجراءات العقيمة التي تفرضها الحكومة المصرية على المصنعين المحليين، وأن أغلب المنتجات المستوردة الموجودة في السوق المصرية مهربة. وقال لـ”العرب” إن قانون تراخيص المصانع الذي أصدره مجلس النواب مؤخرا، بخصوص تسهيل وتيسير تراخيص المصانع، مجرد تصريحات في وسائل الإعلام، ولم يحدث أنه تم إنجاز الإجراءات في 24 ساعة فقط. وأكد أن هناك الكثير من المشكلات التي ما زالت تواجه الصناعة المحلية، وأن التعقيدات تحول دون إقامة المزيد من المصانع التي تقوم بصناعة دُمية بابا نويل وهدايا الكريسماس وغيرهما من لعب الأطفال محليا. وشخصية بابا نويل التي ترتبط بأعياد الميلاد شخصية خرافية لرجل عجوز سمين تعلو الابتسامة وجهه دائما، ويرتدي بدلة حمراء وبأطراف بيضاء وتغطي وجهه لحية ناصعة البياض، وكما هو مشهور في قصص الأطفال فإن بابا نويل يعيش في القطب الشمالي مع زوجته السيدة كلوز، وبعض الأقزام الذين يصنعون له هدايا الميلاد، والأيائل التي تجر له زلاجته السحرية، ومن خلفها الهدايا ليتم توزيعها على الأطفال أثناء هبوطه من مداخن مدافئ المنازل أو دخوله من النوافذ المفتوحة وشقوق الأبواب الصغيرة. وفقا لدراسة أعدها الباحث جوزيف توفيق ونشرت في موقع كنوز قبطية، فإن بابا نويل مسنوحي من شخصية القديس نيقولاس، وهو أسقف ميرا، وظن البعض أن موطنه هو السويد أو فنلندا، خصوصا وأن الأخيرة بها قرية تدعى قرية بابا نويل، يروجون لها سياحيا بأنها مسقط رأس بابا نويل، ويزورها نحو 75 ألف طفل سنويا، ومع اكتشاف الولايات المتحدة حمل المهاجرون معهم قديسيهم ومنهم القديس نيكولاوس أو سانت نيقولا، وتطور الاسم حتى صار “سانتا كلوز″. اشتهر نيكولاس بالأعمال الخيرية، وقرر أن يكرّس ميراث والده للفقراء، وهناك قصة شهيرة لرجل فقد كل أمواله إلى درجة أنه لم يجد ما يقتات به هو وبناته الثلاث، وقرر القديس مساعدته وكان يضع مئة دينار في صرة ويلقي بها أمام شباك منزل الرجل الفقير. في مصر ينتشر بابا نويل في الكنائس القبطية عند احتفالها برأس السنة الميلادية، وصار أيقونة ورمزا للاحتفال بالعام الميلادي الجديد.
مشاركة :