ناشطون من جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر يؤكدون على ضرورة الإقرار بفشل التجربة السياسية ويدعون إلى مراجعة برامج التيار والعودة إلى العمل الخيري.العرب صابر بليدي [نُشر في 2018/01/07، العدد: 10862، ص(2)]تجربة فاشلة الجزائر - غاب صوت إسلاميي الجزائر خلال الأزمات التي تمر بها البلاد بدءا بالاحتقان الاجتماعي الذي أنتجه عدم تعامل السلطة بشكل إيجابي مع تداعيات الأزمة الاقتصادية، مرورا بالجدل المشتعل حول خلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في العام 2019، ووصولا إلى صراع أجنحة السلطة. ويعتبر العام 2017، عام سقوط الإسلام السياسي بامتياز في الجزائر، حيث تراجع رصيدهم في البرلمان والمجالس المحلية إلى أرقام غير مسبوقة، وغاب ممثلو الأحزاب الإسلامية لأول مرة عن محافظات وبلديات كانت إلى زمن قريب تعتبر قواعد خلفية لوعائهم الانتخابي. ولئن رفض الجناح الإخواني، الممثل في حركة مجتمع السلم، الاعتراف بالحقيقة الجديدة، فإن تحالف النهضة والعدالة والبناء أقر على لسان عبدالله جاب الله (رئيس جبهة العدالة والتنمية في الجزائر) لأول مرة بتراجع الإسلاميين في المشهد السياسي. ورفض جاب الله تعليق الهزيمة على مشجب التزوير فقط. وأوعز جاب الله في قراءته لنتائج الإسلاميين، خاصة في الانتخابات المحلية التي جرت في نوفمبر الماضي، إلى أسباب موضوعية وأخرى خارجية. وأشار إلى اهتزاز ثقة الشارع في الأحزاب الإسلامية بسبب عجزها عن تنفيذ برامجها، فضلا على الأوضاع الإقليمية بعد سقوط الإسلاميين في تونس ومصر وحتى الأزمة الخليجية. وذهب ناشطون ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين في الجزائر إلى “ضرورة الإقرار بفشل التجربة السياسية”، ودعوا إلى مراجعة برامج وتصورات التيار و”العودة إلى العمل الجمعوي والخيري الذي أسس للتيار الإسلامي في البلاد، وأن التغيير الذي نشده قادة التيار الأوائل يمكن أن يتحقق عبر العمل الاجتماعي الأفقي بدل الآلية الحزبية التي منيت بالفشل”. وعرفت الجزائر خلال العام الماضي أزمات متعددة تمثلت في الصعوبات الاقتصادية وانسداد الأفق السياسي والتهديدات الأمنية وصراعات أجنحة السلطة. وشهدت البلاد تنصيب ثلاث حكومات في عام واحد، كما تم تنظيم استحقاقين انتخابيين اثنين مما كرس أجندة السلطة ولم يحدث التغيير الذي كان يتطلع له الجزائريون لتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وخيّمت أجواء السباق المحموم على امتيازات المناصب التمثيلية على الجزائر خلال الانتخابات التشريعية والمحلية الأخيرة والتي كان من المفترض أن تكون فرصة لبدء التغيير السياسي الهادئ. وبقيت اللعبة مغلقة بين أحزاب السلطة وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي حيث هيمنا على المقاعد النيابية في انتخابات مايو التشريعية وعلى المقاعد الولائية (المحافظات) والبلدية في انتخابات نوفمبر.التضارب في برامج الحكومات يخفي صراعات خفية تلبس عباءة الرجل (بوتفليقة) وتبحث عن مخارج لطموحاتها السياسية في استحقاق 2019 وبرزت بين قادة حزبي السلطة خلافات حول الشخصية التي ستترأس البلاد بعد بوتفليقة. واستهلكت السلطة ثلاث حكومات خلال عام واحد، وهو ما أسفر عن حراك سياسي، لا سيما بعد انفجار قطب المعارضة المشكل في وقت سابق مما عرف بتنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي وقطب التغيير. وقدمت حكومة عبدالمالك سلال في مايو الماضي استقالتها بعد تنصيب المجلس الشعبي (الغرفة الأولى للبرلمان)، وكلف بوتفليقة في ما بعد عبدالمجيد تبون برئاسة الحكومة الجديدة الذي تم تعويضه في شهر أغسطس بأحمد أويحيى. لكن رغم هذا التغيير، فإن معالم وتداعيات الأزمتين الاقتصادية والسياسية لم تتغير مما فاقم الصعوبات التي تعيشها البلاد. وفي خضم كل هذا بقيت التساؤلات تدور حول الحاكم الفعلي للبلاد، خاصة في ظل الوضع الصحي المتدهور للرئيس بوتفليقة. فرؤساء الوزراء الثلاثة تقلدوا مناصبهم بأمر من رئيس البلاد، كما أنهم يتشاركون مهمة واحدة تتمثل في تنفيذ برنامج الرئيس. لكن الاختلاف بين مخططات رؤساء الوزراء الثلاثة جعل الشارع الجزائري يتساءل عن البرنامج الحقيقي لبوتفليقة. ووعد سلال الجزائريين بـ”النموذج الاقتصادي الجديد”، القائم على تجميد الاستثمارات الحكومية والبحث عن مصادر أخرى لتمويل الاقتصاد المحلي والتحرر التدريجي من تبعية النفط. ودخل تبون منذ تنصيبه بعد الانتخابات التشريعية في مواجهات مع لوبيات رجال الأعمال في إطار ما أسماه بـ”العزل بين السياسة والمال”، وأبان عن نية للجم النفوذ المتنامي للوبيات المال، لكنه خسر منصبه بعد ثمانين يوما من تعيينه. وعاد أويحيى، الذي خلف تبون، إلى حتمية مداخيل النفط وإعادة الثقة بين الحكومة وأرباب العمل ومباشرة خطوات وصفت بـ”الانتحارية” كالتمويل غير التقليدي وخصخصة المؤسسات الحكومية. وإذ أظهرت برامج الحكومات الثلاث تناقضات صريحة وارتباكا واضحا في التعاطي مع الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية، فإن التساؤل المثير هو من يقف وراء تعيين هؤلاء ومن يملي عليهم البرامج وما هي أسباب التضارب ما دام المصدر دائما هو الرئيس بوتفليقة؟ ويرى مراقبون أن التضارب في البرامج يخفي صراعات خفية تلبس عباءة الرجل (بوتفليقة) وتبحث عن مخارج لطموحاتها السياسية في استحقاق 2019. وكرّست نتائج الانتخابات التشريعية والمحلية سطوة حزبي السلطة، ومهما كانت التوازنات الداخلية في معسكرها (معسكر السلطة)، فإنها تمهد لغلق اللعبة بين أجنحتها في الاستحقاق الرئاسي القادم. ولا شيء يوحي بأن الرئيس القادم للبلاد قد يكون من خارج معسكر السلطة، ومن المتوقع أن تكون حظوظ المعارضة منعدمة في إحداث التغيير الذي تنادي به منذ ما قبل بدء الولاية الرئاسية الرابعة لبوتفليقة في 2014. واستمرت القطيعة بين الشعب والمواعيد الانتخابية، إذ أظهرتها نسبة مشاركة ضعيفة تنم عن تذمر شعبي مما يتم تقديمه له من طرف السلطة والمعارضة معا.
مشاركة :