رَوِّق المنقا

  • 1/10/2018
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

حاول أن تبتسم واضحك وعامل الناس بشكل تلقائي فلن ينفعك تخشبك وغضبك واحمرار عينيك، فَأمثال الستينات مثل «رد الصياح بالصياح تسلم» أو «كشِّر نابك الكل يهابك» قد عفى عليها الزمان لا أعلم لماذا تعشق الشعوب العربية الصراخ والنكد، وتعيش الغضب في كل الفصول، ارتبطت شعوب الأرض بطباع وعادات مختلفة، وكان دائماً هناك رابط قوي بين طبيعة المنطقة ونوعية الأكل، وبلا شك الجينات التي تكاثرت منها تلك الشعوب، ويخضع الإنسان لسيطرة البيئة من نبات وطبيعة وحيوانات، وليس العكس كما يشاع وقد تنبه الفلاسفة منذ عصور قديمة لهذه الملاحظات، فها هو ابن خلدون يسهب في وصف هذه الظواهر في مقدمة كتابه الشهير (طبائع الأمم)، وأرسطو في كتاب «السياسة»، وأبقراط في كتاب «القوانين» وكثير من المفكرين كآرثيو الإنجليزي وغيره. وتشير معظم تلك الكتابات إلى ارتباط المناخ بأمزجة البشر وتأثيره المباشر على عضلاتهم وردود فعلهم العصبية، وقد يلاحظ جلياً الفرق بين نشاط أهل المناطق الباردة وكسل شديد عند أهل المناطق الحارة وجلافة وصعوبة بالتعامل عند أهل الصحراء… ولا تفوتنا القصة الشهيرة التي تدل على تأثر الإنسان بالبيئة والمناخ في الطباع والسلوك، وهي قصة الشاعر علي بن الجهم، الذي كان يعيش في الصحراء وسط بيئة شبه قاحلة، وحين قدم على الخليفة العباسي المتوكل أراد أن ينشده أبياتا رغبةً في العطاء الجزيل من قبل الخليفة، ولأنه اعتاد على حياة الصحراء فقد أنشده البيتين التاليين: «أنت كالكلب في حفاظك للود وكالتيس في قِراع الخطوب/‏ أنت كالدلو لا عدمناك دلوا من كبار الدلا كثير الذنوب»، وعندها أدرك المتوكل أن هذه الألفاظ ناتجة من تأثير البيئة القاحلة التي يعيش فيها الشاعر فكافأه بدار على شاطئ دجلة فيها بستان جميل وقريب من الجسر فيستأنس بمشاهدة العابرين عليه كل يوم، وبعد مكوثه في المكان ستة أشهر استدعاه الخليفة مرة أخرى، فأنشد هذه المرة شعرا عذبا رقيقا قال فيه: «عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري/‏ أعدن لي الشوق القديم ولم أكن سلوت ولكن زدن جمرا على جمر». حالياً.. مع احترامي لابن خلدون وأبوقراط (أبوالطب) والأخوان (الخواجات) ميكافيلس الإيطالي ومونتسيكيو الفرنسي إلا أني أرى أنَّ العرب غاضبون حانقون سواءً أكانوا من صحراء الدهناء أو شاطئ طنجة أو جبال السروات. قد يكون أحد أجدادنا كان (زعلاناً) مكفهراً ووسمنا بذلك (الجين) (المبرطم)، وتعد (التكشيرة) من الصفات العربية الأصيلة ومن صفات (البرستيج) العالي، ويتقنها الجميع حتى أصبحت ابتسامة الشيخ لطلابه من النوادر، وضحكة صاحب المعالي أو الباشا (المدير) مع موظفيه من خوارق المروءة، وأصبح الفلاح الذي قضى حياته بين بساتين العنب أو على شواطئ يصطاد الأسماك (شرارةً) قابلة للانفجار كمن قضى عمره في لهيب الصحراء المحرقة. عزيزي المتصنم حاول أن تبتسم واضحك وعامل الناس بشكل تلقائي فلن ينفعك تخشبك وغضبك واحمرار عينيك، فَأمثال الستينات مثل (رد الصياح بالصياح تسلم) أو( كشِّر نابك الكل يهابك) قد عفى عليها الزمان، وعلى قولة الإخوة السودانيين (روّق المنقا) وهدئ من مزاجك وبالأخير (محدش ماخذ منها حاجة).

مشاركة :