في كتابه "سقوط الفرعون.. ثمانية عشر يوما غيرت وجه مصر" يؤكد مؤلفه روبير سوليه أن ثورة 25 يناير2011 التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك قد أدت إلى تغيير مصر، لكن المؤلف يشير إلى أنه في غمار الفرحة التي غمرت البلاد يوم 11 فبراير/شباط سنة 2011 لم تكن هناك أشياء (لم تكن واضحة)، ومن أهم ما كان غائبا عن الثورة هو غياب الأيدلوجية التي تقود الثورة، فلم يكن واضحا خلال الأيام التي فصلت بين انطلاق شرارة ثورة 25 يناير وبين تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير عام 2011 الأيدولوجية التي تقوم عليها الثورة، فانتفاضة المصريين في ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة لم تكن باسم الإسلام ولا باسم الاشتراكية ولا حتى باسم الليبرالية أو معادة الصهيونية، لكنها كانت باسم الحرية والكرامة وضد الفساد والتعذيب. وفي نفس الوقت فإن ما ميز هذه الفترة من عمر الثورة أنها لم تكن تفرق بين أي مصري شارك فيها، فقد شارك الفقراء والأغنياء والشباب والعجائز والرجال والسيدات والمحجبات والسافرات والمسلمات والمسيحيات، الجيمع كان يهتف نفس الهتاف وله نفس المطالب، حيث ربطت روح المواطنة بين الجميع، بل كان أكبر ما ميز هذه الأيام الاستثنائية هو الحفاظ على الممتلكات الخاصة للأشخاص واحترام الأمن الشخصي للجميع بالرغم من اختفاء الشرطة. ويربط المؤلف بمهارة بين مقدمات الثورة التونسية التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، وبين ثورة 25 يناير في التي أطاحت بالرئيس مبارك، ففي تونس قام بائع خضروات فقير بإحراق نفسه عقب مصادرة بضاعته، فحرك هذا الفعل اليائس مشاعر أبناء وطنه بشدة، حيث رأى الكثيرون من أبناء الشعب التونسي إن ما أقدم عليه محمد بوعزيزي من إحراق نفسه بعد صفعة تلقاها من شرطية شعر بعدها بالظلم، فكانت هذه الصفعة الشرارة التي دفعت محمد بوعزيزي لحرق نفسه، لتقوم الثورة التونسية. وفي مصر فإن المؤلف يرصد محاولة صاحب مطعم شعبي في القاهرة إشعال النار في جسده أمام مجلس الشعب، بعد أن عجز عن الحصول على عدد محدود من أرغفة الخبز لمطعمه، وهي نفس المحاولة التي أقدم عليه محام في الأربعين من عمره أمام مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة بعد أن ظل يهتف ضد ارتفاع الأسعار، كما حاول في نفس الأثناء مواطنون مصريون آخرون حرق أنفسهم في محافظات مصرية مختلفة لنفس الأسباب تقريبا، حتى صدرت إحدى الصحف المصرية بعنوان كبير يقول "عدوى الانتحار تنتقل للمصريين". وفي محاولة يائسة من جانب حكومة مبارك لمنع عدوى الثورة التونسية من الوصول لمصر، دفع النظام المتحدث الرسمي باسم الأزهر ليصرح في فتوى بأن "الإسلام يحرم قطعيا على الإنسان أن يتخلص من حياته للتعبير عن السخط أو الغضب أو الاحتجاج"، كما ردد هذه الفتوى أكثر من 50 ألف خطيب بالمساجد خلال صلوات الجمعة، لكن رد فعل الشباب من خلال صفحات التواصل الاجتماعي هو أن "الثورة لا تقوم بإحراق النفس بل بالنزول إلى الشارع". • الثورة وإسقاط النظام كما يرصد المؤلف أسبابا اقتصادية مختلفة دفعت بالمصريين إلى الثورة وإسقاط نظام مبارك، منها أن 40 % من المصريين في ذلك الوقت كانوا يعيشون تحت خط الفقر، كما أن كيلو اللحم مثلا وصل إلى ثمانين جنيها ( الدولار الأميركي في هذا الوقت كان يساوي 7 جنيهات مصرية تقريبا)، وكل هذه العوامل دفعت بالمصريين للنزول للشارع من أجل المطالبة بالتغيير. لكن مع ذلك فإن الأربعة عشر شهرا التي تلت هذه الأيام المجيدة كثيرا ما أعطت انطباعا عسكريا لهذه الفترة، حيث تصدر الإخوان المسلمون والسلفيون المشهد، بالرغم من مناخ حرية التعبير الذي ساد المجتمع في ذلك الوقت، لكن ما يشير له المؤلف من إصرار الأخوان المسلمين والسلفيين على تصدر المشهد وفرض وجهة نظرهم على من سواهم، هذا الإصرار أدى إلى تفتيت وحدة ميدان التحرير الرائعة، وعادت أمراض المجتمع لتطفو مجددا إلى السطح، حيث انهارت الساحة الموحدة للمتظاهرين وتحول ميدان التحرير لساحة مواجهة بدلا من أن يظل ساحة للثورة. وما حدث بعد ذلك هو أن ما أطلق عليه "الربيع العربي" تحول إلى شتاء قارس البرودة، وسيطرت على الأجواء حالة شديدة من عدم وضوح الرؤية، ولم يعد أحد قادرا على أن يتوقع ماذا يحمل الغد، لكن الجميع تأكد أن تاريخا جديدا قد بدأ بالفعل، وذلك بعد أن بدأت المواجهات الدامية وسقط القتلى بأيدي مجهولين، واحترق المجمع العلمي في ديسمبر/كانون الأول عام 2011، وهو الحريق الذي كانه له نتائج كارثية على المعرفة في مصر. إن المؤلف يعتبر أن الثورة حملت في طياتها على الدوام مشاعر الألم والفوضى، وأن كل ثورة عامة تعقبها ثورة مضادة، وهو ما حدث في كل الثورات، وذلك فإن المؤلف قد خلص إلى أن مجرد التطلع للديمقراطية واستبدال نظام شمولي بنظام آخر ديمقراطي لن يكفي أبدا لتحقيق ذلك الحلم، خاصة وأن هناك قوى ظلامية تسعى على الدوام للاستفادة من حالة الاضطراب التي سادت في البلاد خلال فترة الثورة لتحقيق حلم إنشاء دولتها الدينية حتى لو كان الطريق لتحقيق هذا الحلم وإعادة البلاد لقرون للوراء. ويعتبر المؤلف أن الشعب المصري في ظل هذه الأجواء وجد نفسه مضطرا للاختيار بين أمرين اثنين كلاهما مر، الاختيار الأول هو الديكتاتورية البوليسية، والاختيار الثاني هو الديكتاتورية الدينية، حيث أصبح الطريق الثالث نحو الديمقراطية بات حلما بعيد المنال، ولذلك فإن المؤلف يخلص إلى أن الطريق إلى الديمقراطية طويل ومحفوف بالمخاطر، لكن مع ذلك فهو الطريق الوحيد الذي يقود للسلام والرخاء والكرامة. يشار إلى أن كتاب "سقوط الفرعون.. ثمانية يوما غيرت وجه مصر"، تأليف روبير سوليه، ترجمة د. ناهد الطناني، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 232 من الحجم الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية)
مشاركة :