لعبة التصريحات واضحة وتهدف إلى تحقيق غايتين؛ حماية المصالح الفرنسية في الجزائر ومنها المصالح الاقتصادية والنفوذ اللغوي والوصاية السياسية، ونفخ الأوكسجين في شرايين النظام الجزائري ليواصل بقاءه على رأس السلطة في البلاد. العربأزراج عمر [نُشرفي2017/02/23، العدد: 10552، ص(9)] من حيث الجوهر لا يختلف موقف النظام الجزائري السلبي عن الموقف الفرنسي بخصوص تهميش قضية اعتراف فرنسا بجرائمها التي ارتكبتها في المرحلة الكولونيالية في الجزائر، وما ينجر عن ذلك من تعويضات مادية وتبعات أخلاقية. والدليل على ذلك تصريحات الرجل القوي في النظام الجزائري أحمد أويحيى، مدير ديوان الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي أكد هذا الأسبوع، أن “الجريمة الاستعمارية والاعتذار عنها قضية هامة من دون شك ولكنها ليست لبّ العلاقة مع فرنسا”، ما يعني أن هذه القضية في رأيه هي قضية ثانوية ولا يمكن أن تخلَ بالعلاقات الفرنسية الجزائرية حتى لو وضعت بصفة نهائية في أرشيف النسيان. في الوقت نفسه أوضح أحمد أويحيى أنَ “الأولوية هي لبناء بلدنا وتعزيز مكانتنا والابتعاد عن التبعية المالية والتكنولوجية، وكلما يعلو شأنك كلما كبرت في عين الآخرين، وأظن أن تلك هي رسالة الشهداء”، وأنه “ينبغي أن نصون ذاكرتنا أولا قبل أن نطلب من مستعمر الأمس الاعتذار”. من الواضح أن أويحيى يُهمّش ركنا أسياسيا من البناء الوطني وهو الذاكرة التاريخية التي لا يمكن فصلها عن هوية التراث الوطني الجزائري وعن مقومات الثقافة الوطنية واستقلال القرار الجزائري. الأدهى أن أحمد أويحيى يحاكم الشعب الجزائري ويتهمه بصورة غير مباشرة بالتقصير في صيانة ذاكرته التاريخية، وفي الوقت نفسه يعترف في الحوار المذكور آنفا بأن فرنسا لا تزال تمارس شغبها الكولونيالي حتى الآن، على أساس أنها هي من تقف وراء حركة الحكم الذاتي في المنطقة الأمازيغية والجزائرية بما في ذلك منطقة الميزاب، وبالتزامن فقد قال بصريح العبارة إنه يملك الدليل القاطع على التورط الفرنسي، وفي الوقت نفسه زج بالمغرب في هذه المسألة من دون أن يقدم ولو حجة واحدة مقنعة تبرر تهمته له. مع العلم أنه من غير المعقول بأي معيار أن يشجع المغرب انفصال المنطقة الأمازيغية الجزائرية عن الدولة المركزية، في الوقت الذي يعرف فيه القاصي والداني أن تعداد الأمازيغ في المغرب لا يقل عن 15 مليون نسمة ويفوق عدد الأمازيغ الجزائريين الذين يقدرون بعشرة ملايين. كيف يعقل أن يحرّض المغرب أمازيغ الجزائر على الانفصال عن دولتهم في الوقت الذي ستكون لذلك تداعيات على الوحدة المغربية نفسها؟ إن مثل هذه التهمة للمغرب لا تنطلي على أحد لأنها تخلو من أي مصداقية وهي مجرد كلام فضفاض وهنا نتساءل: أين هو مقر حكومة المعارضة الأمازيغية بقيادة المغني القبائلي مهني والتي تدعو إلى انفصال أمازيغ الجزائر؟ أليس مقرها فرنسا؟ والغريب في الأمر هو أن أحمد أويحيى لم يقدم تفاصيل هذا الدليل الذي يتحدث عنه بشأن المغرب للرأي العام الوطني. وهكذا نفهم أن خطاب مدير ديوان الرئيس بوتفليقة، الذي هو تعبير صريح عن سياسة النظام الجزائري العرجاء تجاه المرحلة الاستعمارية وتجاه العلاقات الراهنة مع الحكومة الفرنسية التي تتميز بتبعية الجزائر الشاملة لفرنسا، يتناقض بالكامل مع حقائق التاريخ، ومع دماء الشهداء ومع رغبة الشعب الجزائري الذي ما فتئ يطلب من فرنسا تقديم الاعتذار عن جرائمها التي أسفرت عن مليون ونصف مليون شهيد في ظرف سبع سنوات، فضلا عن مئات الآلاف من المنفيين واليتامى، وكذلك جريمة التجارب النووية التي أجرتها فرنسا على الأراضي الجزائرية مرارا وقتلت البشر ودمّرت الطبيعة. في هذا السياق نجد المرشحين الفرنسيين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، ومنهم إيمانويل ماكرون، ووزير خارجية فرنسا السابق برنار كوشنير، أكثر حماسا من أحمد أويحيى لتصفية ملف الاعتذار عن جرائم الحرب الكولونيالية من المسؤولين الجزائريين داخل نظام الرئيس بوتفليقة. فكيف نفهم ظاهرة تهافت عدد من المرشحين الفرنسيين للرئاسيات الفرنسية على الجزائر مؤخرا، والإدلاء بتصريحات تتضمن تلميحات بخصوص وجود نية لتقديم الاعتذار عن جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الفرنسي؟ وهل تعني هذه التصريحات التي أدلى بها برنار كوشنير وإيمانويل ماكرون بشكل خاص، أن فرنسا ستفتح صفحة جديدة مع الشعب الجزائري، أم أن هذه التصريحات هي مجرد لعبة انتخابية من أجل كسب أصوات الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا والتي يقدر عدد أفرادها بمليونين شخص أو أكثر؟ تصريحات المرشحين للرئاسيات الفرنسية تدخل في إطار لعبة الانتخابات وبعد انتهائها لن تقدم فرنسا الاعتذار عن جرائمها، بل ستبقى السلطات الفرنسية متشبثة بموقفها التقليدي ذي المضمون الثنائي الذي عبر عنه مؤخرا المرشح لمنصب رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون بقوله “نعم في الجزائر حصل تعذيب، وجرى سلب الثروات، وقامت أيضا دولة وطبقات متوسطة، هذه حقيقة الاستعمار، هناك عناصر للحضارة وأخرى للوحشية”. ونفهم من كل هذا أن فرنسا هي التي بنت الدولة الجزائرية، وأنها هي التي أدخلت إليها الحضارة رغم تزامن ذلك مع بعض الممارسات السلبية والوحشية. لا شك أن لعبة هذه التصريحات واضحة وتهدف إلى تحقيق غايتين؛ حماية المصالح الفرنسية في الجزائر ومنها المصالح الاقتصادية والنفوذ اللغوي والوصاية السياسية، ونفخ الأوكسجين في شرايين النظام الجزائري لدعمه ليواصل بقاءه على رأس السلطة في البلاد بواسطة استخدام ورقة رفع شعار التنديد الشكلي بجرائم الحرب الفرنسية من أجل إظهار نفسه أمام الرأي العام الجزائري وكأنه حامي تراث حركة التحرر الوطني. كاتب جزائري أزراج عمر
مشاركة :