باكستان سلة النفايات الأميركية بقلم: فاروق يوسف

  • 1/11/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

المجاهدون سابقا، الإرهابيون حاليا، هم سادة القول والفعل في مناطق عديدة من باكستان. لذلك يمكن أن يكون غضب الولايات المتحدة حقيقيا لولا أنه يخون الحقيقة. فباكستان لم تكن إلا سلّة نفايات أميركية.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2018/01/11، العدد: 10866، ص(8)] الولايات المتحدة غاضبة من باكستان بسبب عدم مكافحة الأخيرة لجماعات إرهابية يسبب وجودها خطرا على الأمن العالمي. يمكن أن يحتل ذلك الخبر مكانا مميزا في صحف الفضائح. باكستان كانت يوما ما مطبخ العمليات القذرة التي أشرف عليها جهاز الاستخبارات الأميركية. ذلك ما لا تنكره الولايات المتحدة نفسها. المخابرات الباكستانية أدّت دورها في حمى الحرب الأفغانية على الروس بطريقة احترافية تميّزت بحلول ما كان في إمكان الأميركان أن يهتدوا إليها من خلال خططهم الورقية. لقد دسّت تلك المخابرات السم في العسل حين استلهمت من الدين الإسلامي عنصره الجهادي وجعلت منه وسيلة ودافعا لقتال الكفار الشيوعيين القادمين من بلاد السوفييت. باكستان علّمت أجهزة الغرب الاستخبارية كيفية طمر الحقائق الواقعية من خلال اللجوء إلى الدين، وهو ما كانت تفكر فيه تلك الأجهزة منذ خمسينات القرن الماضي، من غير أن تهتدي إلى الطرق والوسائل التي تؤدي إليه وتيسره عمليا. لقد فتحت باكستان الطريق للمنظمات الجهادية التي صارت في ما بعد من وجهة نظر الغرب منظمات إرهابية والقاعدة هي أبرز مثال على ذلك. هل كانت باكستان مُذنبة لأنها تبنت الإرهاب والإرهابيين؟ كان لا بدّ للعبة أن تكتمل. كانت باكستان صانعة معجزات يوم كان الأمر يتعلق بإلحاق الهزيمة بالجيش الروسي في أفغانستان، وهو ما شكّل واحدا من أسباب انهيار الاتحاد السوفييتي. يومها أنفقت الولايات المتحدة، وأصدقاؤها، الملايين من أجل أن تستمرّ باكستان في جهدها الخلاق. غير أن الاحتلال الأميركي لأفغانستان أربك المعادلات التي صنعتها باكستان. وهو ما لم تضعه الإدارة الأميركية في حساباتها. وهي كما أرى لن تكون معنيّة به ما دام الأمر يتعلق بالشأن الباكستاني الداخلي. غير أن الباكستانيين كانوا حمقى حين استغرقوا في خطأ حساباتهم. لقد تحوّلت باكستان بسبب ما تدفق إليها من أموال إلى مصنع ومرعى وحاضنة للجهاديين. فإذا كانت حركة طالبان واحدة من اختراعات مخابراتها، فإن هناك الكثير من الجماعات والتنظيمات قد وُلدت لأسباب جهادية منحها الاحتلال الأميركي لأفغانستان الكثير من القوة والثقة بالمبادئ. وهو ما دفع بها إلى نقل البندقية من كتف إلى آخر. أما وقد تحوّلت حركة طالبان التي خطفت بسرعة البرق الحكم من المجاهدين السابقين إلى عدو للولايات المتحدة فهل كان مطلوبا من باكستان أن تقضي على الجماعات الجهادية التي صنعتها من غير أن تتمكن من السيطرة عليها بسبب الطبيعة العقائدية لتلك الجماعات؟ باكستان، وهي دولة نووية، هي واحدة من أكثر بلدان العالم تخلفا على مستوى الأداء الحكومي. هي واحدة من الدول التي يلتهم الفساد ثرواتها، وهي أيضا من الدول التي يمكن أن يكون فيها القتل حلا ديمقراطيا وهو ما أثبته مشهد مقتل بناظير بوتو في مشهد احتفالي. الغضب الأميركي على باكستان يناقض حقيقة الموقف الأميركي السابق الذي دعّم مسعى باكستان حين كانت تضع كل قدراتها في خدمة الجماعات الجهادية التي تحوّلت بعد انهيار دولة طالبان إلى جماعات إرهابية، ينبغي اجتثاثها من وجهة نظر أميركية. مشكلة باكستان أنها لم تكن بريئة مما فعلته ولن تكون بريئة عمّا انتهت إليه، غير أنها لم تكن سوى مطبخ أميركي. وهو ما يمكن أن يشير إلى المسؤول الحقيقي عمّا آلت إليه الأمور في ذلك البلد الذي تتعثر فيه الديمقراطية بألغام العسكر ودسائس السياسيين. باكستان ليست كسواها من البلدان التي موّلت الإرهاب. لقد اشتبك تاريخها عبر الأربعة عقود الماضية بفكر ونشاطات الجماعات الإرهابية التي تمّت صناعتها تحت مظلة الجهاد. وهو ما أهّل تلك المنظمات للتمدّد والهيمنة على مستوى شعبي، بحيث صارت جزءا من النسيج الاجتماعي للبلد. المجاهدون سابقا، الإرهابيون حاليا، هم سادة القول والفعل في مناطق عديدة من باكستان. لذلك يمكن أن يكون غضب الولايات المتحدة حقيقيا لولا أنه يخون الحقيقة. فباكستان لم تكن إلا سلّة نفايات أميركية. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :