حسام محمد (القاهرة) عندما ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، كانت تموج بأصناف من النزاعات القبلية التي نشرت الكراهية في المجتمعات في ذلك الوقت، لهذا كان الإسلام منذ البداية حريصاً على نبذ الكراهية ونشر ثقافة السلام والحب سواء بين المسلمين وبعضهم البعض أو مع غيرهم من الأمم، وقد انعكست ثقافة الحب والتواد في تصرفات المسلمين وفي إقبال غير المسلمين على اعتناق هذا الدين الذي يحث على التراحم حتى مع الأعداء، لكن في الفترة الأخيرة فوجئت المجتمعات المسلمة، بظهور آفة الكراهية من جديد بسبب الجماعات التكفيرية والإرهابية وهو ما جعل الكثير من المجتمعات غير المسلمة ينظر للإسلام على أنه دين الكراهية، وأصبح الشباب المسلم عرضة لانتشار الأفكار المسمومة التي تحض على الكراهية لكل من يخالف تلك الجماعات في الرأي. خطورة الحقد تقول الدكتورة وجيهة مكاوي الأستاذ بجامعة الأزهر: «لقد لخص علماء النفس شعور الكراهية، أنه حالة يشعر معها الإنسان بعدم الحب وتمنى الشر لشخص أخر. وهو شعور يهدد صاحبه بمتاعب عديدة لعل أهمها أنه يثقل كتفه وصدره، ولعل حرص الشريعة الإسلامية على نبذ شعور الكراهية، وتأكيدها على أهمية التسامح والحب تجاه الناس جميعاً، سببه الأساسي تحصين الإنسان من الإصابة بالأمراض النفسية والعضوية الخطير،ة بل وتحصين المجتمع المسلم من الأمراض الاجتماعية، لأن الإنسان إذا ترك نفسه نهباً لشعور الكراهية لكل من يخالفه في الرأي أو الفكر أو التصرفات، سيصل إلى مرحلة يكره فيها زوجته وأولاده وزملاءه وأصدقاءه. ولنتخيل مجتمعاً تسوده الكراهية بهذا الشكل بلا شك سيكون مجتمعا غير سوي فالكراهية لا يتولد عنها سوى المزيد من النفور، ولذلك يدعونا الإسلام إلى المحبة»، وأكدت الدكتورة رأيها مستدلة بآية قرآنية، قال تعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم»، «فصلت: 34». تضيف مكاوي: «لقد جاءت الأديان كلها تنبذ الكراهية وتحث على الود والتراحم، وقد اتفق علماء الأديان على أن الله تعالى عندما خلق الإنسان إنما فطره على حب الناس جميعا، فلا ينبغي أن يكره أي شخص لأن الكراهية من أبواب الحقد، وإذا انتشر الحقد انتشرت العداوة والبغضاء ومن ثم العنف، وهو ما حدث عندما اعتنقت الجماعات التكفيرية شعور وفكر البغضاء للناس، فعاث أفرادها فسادا في المجتمعات، ولقد رفضت الشريعة الإسلامية شعور الكراهية سواء بين المسلم وأخيه أو بين المسلم وغيره وحفل القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة بالعديد من النصوص التي تؤكد ذلك، فيقول تعالى: «وَالَّذِينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ». وعن عبدالله بن عمرٍو بن العاص قال: قيل لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أيُّ الناس أفضل؟ قال: «كلُّ مخموم القلبِ، صَدوقِ اللِّسانِ»، قالوا: صَدوق اللّسان نعرفه، فما مَخموم القلب؟، قال: هو التقيّ النقيّ، لا إثم فيه، ولا بغيَ، ولا غلَّ، ولا حسد«، ولهذا يجب على كل مسلم أن يتوقف عن ذلك الشعور بأي حال من الأحوال». المواجهة بالتراحم من جانبه، يقول الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: «الإسلام في أساسه دين التسامح والإخاء والمساواة، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز:« يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»،الحجرات: 13. ويضيف واصل:«اتفق كل المفكرين المسلمين، وكذلك المستشرقين المحايدين، أن الإسلام انتشر واستمد قوته من تراحمه مع غير المسلمين. ومن مشاهد الإخوة التي سادت علاقات المسلمين ببعضهم بعضاً على اختلاف المشارب والقوميات والألوان، وقد حقق الإسلام انتشاره بالفعل واستمد قوته من تنشئة المسلمين على الرحمة والإخاء والمساواة وحب الآخرين، وعلى أساس من الثقة بالله والنفس ومن الدعوة إلى العمل، وإذا كان الله قد وصفهم بأنهم خير أمة أخرجت للناس فذلك لأنها الأمة التي تدعو إلى الحق وتصدع به، فالإسلام يرفض الحقد حتى نحو الأعداء». ويوضح د. واصل:«لقد أكد الإسلام على كرامة الإنسان، وأن البشر سواسية، وأن كل إنسان فيه نفخ من روح الله، والعلماء أجمعوا على أن الحقد مرفوض، سواء كان في سبيل أغراض خاصة واضحة، أو في سبيل أغراض خاصة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن بث خطاب الكراهية من قبل التكفيريين وما يقابله من بث بعض وسائل الإعلام المتطرفة في الغرب لخطاب كراهية ضد المسلمين، أمر خطير للغاية وترفضه كافة الشرائع والأديان السماوية، ولهذا فقد وضع الإسلام مجموعة من السبل لتطهير النفس من البغضاء والكراهية، من أهمها الدعاء وحسن الظن بالناس فالله تعالى يقول:»يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»،الحجرات: 12، وكذلك عدم الإطالة في الهجر والخصام، لإن الخصام بيئة خصبة لتحول الخلافات لكراهية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تبغاضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانًا، لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»، فلو زاد زمن الخصام عن ثلاثة أيام، يبدأ الإنسان بالتفكير بذكريات سيئة للاستمرار في الكراهية ومن ثم تستولى البغضاء على مشاعر الإنسان، وحتى في حالة تعرضه للظلم يجب ألا تسيطر عليه مشاعر الكراهية للظالم بشكل مبالغ فيه، كما أن سبّه في الدعاء ينمي الروح العدوانية، بل يجب الدعاء لنفسك بالخير والتوفيق فهذا أفضل».
مشاركة :