قال دبلوماسيون مغاربة إن بلدان المغربي العربي يساورها قلق شديد بشأن التداعيات السلبية للأزمة التونسية على المنطقة، وسط مخاوف من أزمة مماثلة في كل من الجزائر وليبيا. وتراقب الدولتان الجارتان تطورات الأوضاع في تونس التي شهدت خلال الايام القليلة الماضية مظاهرات واسعة احتجاجا على اجراءات التقشف التي اتخذتها حكومة يوسف الشاهد لتغطية عجز الموازنة. وأشار الدبلوماسيون إلى أن المخاوف التي تعيشها كل من الجزائر وليبيا ليست بالجديدة لكنها تصاعدت في الآونة الأخيرة على خلفية الاحتجاجات العنيفة في تونس. ويبقى المغرب حالة استثنائية ايجابية في المنطقة لجهة ما يمثله النظام الملكي من عنصر توازن واستقرار يحظى بشرعية سياسية وشعبية واسعة ومتينة. وقال الدبلوماسيون إن المغرب ينتهج سياسات تنموية مدروسة تتفاعل مع مشاغل مواطنيه بناء على آليات تواصل تؤمن الإصغاء لأصواتهم. وأضافوا في حديث لمراسل ميدل ايست اونلاين أن النظام الملكي في المغرب يمثل "المؤسسة الوحيدة التي يدين لها الشعب بالولاء ويرون فيها رمز هويتهم والإطار الانتمائي الوحيد الراعي للأمن وللاستقرار ولحقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية". وفي المقابل تبدو الجزائر أكثر دول الجوار التونسي والليبي قلقا في ظل تعثر اقتصادها وعلى ضوء هشاشة الوضع السياسي فيها وتردي الأوضاع الاجتماعية. وقال الدبلوماسيون إن السلطة في الجزائر تتحسب بالفعل لاندلاع احتجاجات أشد وطأة من تلك التي شهدتها تونس في الآونة الأخيرة على خلفية حالة من الاحتقان اجتماعي تسود الشارع الجزائري. وذكرت المصادر أن الجزائر رفعت من مستوى التنسيق الأمني مع تونس خوفا من استغلال متطرفين الاحتجاجات بعدد من المدن التونسية للتسلل للأراضي الجزائرية خاصة من المحافظات بالمناطق الحدودية. ودفعت السلطات الجزائرية بتعزيزات أمنية كبيرة على طول الشريط الحدودي مع تونس. ويقول دبلوماسيون مغاربة إن "السلطات الجزائرية استنفرت كل جهودها في مسعى لتجنب عاصفة اجتماعية تبدو صامتة إلى حد الآن". وأشاروا إلى أن الجزائر لا ترغب في تفاقم التوترات في تونس حتى لا تحفز الاحتجاجات في الشارع التونسي على تحرك مماثل في الشارع الجزائري. ولم يخف مسؤولون جزائريون قلقهم وانشغالهم بما يحدث في الجارة الشرقية من توترات اجتماعية، مؤكدين في الوقت ذاته أن أمن تونس من أمن الجزائر. وقدمت الجزائر خلال السنوات القليلة الماضية مساعدات مالية لتونس كما عززت من مستوى التنسيق الأمني معها. ولطالما ارتبطت تونس والجزائر باتفاقيات تعاون أمني واقتصادي، إلا أن تكثيف تعاونها في السنوات الماضية يسلط الضوء أيضا على مخاوف جدية من انتقال شظايا التوتر في تونس إلى الأراضي الجزائرية. ومنذ سقوط نظام الرئيس التونسي الاسبق زين العابدين بن علي قدمت الجزائر مساعدات مالية لتونس بـ100 مليون دولار موزعة بين 40 مليون دولار كقروض و50 مليون دولار كوديعة بالبنك المركزي إضافة إلى 250 مليون دولار في العام 2014 غير قابلة للسداد ما يعني أن حجم المساعدات الجملي بلغ 350 مليون دولار. واعتبرت المصادر الدبلوماسية أن المساعدات المالية "تعد مؤشرا قويا على ارتفاع منسوب مخاوف السلطات الجزائرية من أن تقود أزمة تونس إلى تعميق تدهور الأوضاع العامة الهشة لتتفجر انتفاضة جزائرية". وتابعوا "المساعدات ليست من أجل عيون التونسيين وإنما تهدف بالأساس إلى توفير أكثر ما يمكن من الجهود للحفاظ على الاستقرار النسبي في الجزائر واقتناع حكام الجزائر بأن أمن بلادهم من أمن تونس". وقال عبدالستار بن محمود أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة التونسية "إن الجزائر تعتبر نفسها المعنية الأولى بالأوضاع في تونس حتى أنها ترى أن الشأن التونسي يكاد يكون شأنا جزائريا ويجب التعاطي معه بناء على هذا الموقف". وأضاف بن محمود لـ"مراسل ميدل ايست اونلاين" "يجب أن نكون على وعي بأن أوضاع الجزائر هشة على جميع المستويات اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا". وتابع "واجهة أوضاعها استقرار نسبي وهي صورة مغشوشة لأنها تخفي أزمة هيكلية عامة تعد فتيلا لاشتعال شرارة موجة من الاحتجاجات في أي لحظة ". ورغم أن الجزائر دولة نفطية تحوز على احتياطات وثروة طاقة هامة، فإنها لم تستثمر فائض ايرادات النفط في فترة طفرة الأسعار في تنويع مصادر الدخل وتنشيط القطاعات غير النفطية وخلق فرص للتشغيل. كما أنها تشهد ارتفاعا في معدلي الفقر والبطالة واستشراء الفساد. ووفق بيانات رسمية تتصدر ثروات الغاز قائمة الثروات في الجزائر التي تأتي في المرتبة الخامسة عالميا على مستوى الإنتاج والمرتبة الثالثة على مستوى التصدير وتقدر الصادرات باتجاه الأسواق الإقليمية والدولية بنحو 57 مليار متر مكعب سنويا. وتقدر عائدات الثروة النفطية بنحو 60 مليار دولار سنويا لتحتل المرتبة 15 عالميا من حيث احتياط النفط بحجم يقدر بنحو 45 ميون طن والمرتبة 18 من حيث الإنتاج ما جعلها تقفز إلى المرتبة 12 عالميا من حيث التصدير بعائدات تمثل نحو 97 بالمئة. وقالت مريم الجلاصي الخبيرة في علم التنمية "إن سوء التصرف في الثروات الطبيعية والفساد أحدث فجوة اجتماعية وفاقم الأوضاع العامة حتى بات البلد النفطي على حافة انتفاضة اجتماعية". وأضافت لـمراسل "ميدل ايست اونلاين "إن وعي الجزائريين بثروات بلادهم من جهة وسوء التصرف فيها وحجم الفساد من جهة أخرى، قد يدفع الجزائريين لانتفاضة اشد من احتجاجات تونس نظرا لارتفاع منسوب السخط الشعبي". ووفق إحصائيات حديثة للبنك الدولي اتسع نطاق الفقر في الجزائر بشكل خطير حيث أن 5 ملايين جزائري باتوا يصنفون ضمن خانة الفئات الفقيرة إذ يقل دخلهم اليومي عن 1.5 دولار وهو المؤشر الذي يعتمده البنك مقياسا لمستوى الفقر ويتوقع البنك التحاق 4 ملايين جزائري آخرين بالفئات الفقيرة مع نهاية 2018 ليصل عدد الفقراء إلى نحو 9 ملايين وهو ما يمثل تقريبا ربع السكان. ويبدو القلق في ليبيا من تطورات الأوضاع في تونس اقل مما هو عليه في الجزائر لعدة عوامل منها تأمين السلطات التونسية للحدود بين البلدين بجدار عازل وخنادق إلى جانب المراقبة الأمنية المكثفة اضافة إلى تميز طبيعة المجتمع الليبي حيث بنسيج قبلي يشكل حاضنة اجتماعية آمنة. وعلى الرغم من ذلك يتوجس الليبيون من أن تلقي الأزمة التونسية بضلالها السلبية على بلادهم في غياب دولة قوية تبسط سيطرتها على كامل تراب البلاد. ولا تخفي مصادر ليبية تأثر جهود التسوية السياسية الجارية بالمناخ السياسي والاجتماعي المتوتر في تونس.
مشاركة :