لقد طالعنا وزير الاقتصاد في حديث إلى "بلومبرغ" والمؤسسة اللبنانية للإرسال عن الخطة الاقتصادية التي سوف تعدها شركة “مكنزي” الاستشارية للحكومة اللبنانية والتي من المقرر أن تبدأ الأسبوع المقبل. ومع كامل الاحترام للشركات الاستشارية عامةً وهذه الشركة المرموقة خاصةً ولخبراتها العالمية وتجاربها الغنية التي ممكن الاستفادة منها، فإن علامات استفهام كبيرة تطرح حول الجدوى والمعايير الموضوعة من قبل الفريق الحكومي لهذه الدراسة، والتي قد تؤدي إلى فشل هكذا تجربة. أولاً في التكلفة المرتفعة، كان من الممكن استثمار الـ١.٤ مليون دولار أمريكي، وهي الكلفة المصرح عنها والتي ستتقاضاها الشركة، في مراكز الأبحاث والجامعات اللبنانية، أو في دائرة الإحصاءات العامة، أو في المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذي أعيد إنتاجه حديثاً. وكان سيساهم ذلك ليس فقط في دعم البحث العلمي وتنمية القدرات الوطنية بل في خلق مناخ تشاركي يعمق من ملكية هكذا خطة ويوسّع قاعدة التفاهم الوطني حول مقرراتها وتوصياتها. وبالمناسبة، تتمتع جميع هذه المؤسسات الوطنية بالقدرة على إنجاز هكذا مهمة، وبالفعل كان قد شارك العديد منها مراراً في طرح رؤى ودراسات اقتصادية للبنان. أقوال جاهزة شاركغردعلامات استفهام حول الجدوى والمعايير الموضوعة من قبل الفريق الحكومي اللبناني لخطة "ماكينزي" الاقتصادية للبنان ثانياً في الشكل، تكمن الاستفادة المثلى من شركات الاستشارات في عملها المكمل لأجهزة ومؤسسات الدولة. فعادةً ما تنشأ لجان وطنية تكون عمادها الإدارة العامة ويعاونها ممثلين عن القطاع الخاص، والأكاديميين وأصحاب الرأي، والمجتمع المدني، والأحزاب. وتستعين هذه اللجان بخبرات دولية إن دعت الحاجة كشركات الاستشارات وليس العكس كما هو حاصلٌ اليوم في لبنان. فمن يتبنى تنفيذ وتطبيق خطة أعدها استشاري أجنبي دون الإدارة العامة والشريك الوطني؟ لقد أثبتت التجارب العالمية أن نجاح الخطط الاقتصادية مرهون بوجود الإدارة العامة في صلب عملية الإعداد والتخطيط، خصوصاً في بلد كلبنان تتسع الهوة فيه يوماً بعد يوم بين مختلف شرائح المجتمع حول مفاهيم أساسية كالهوية الوطنية والدور الإقليمي، فما بالك بالحيز الاقتصادي؟ ثالثاً في المضمون، لا تدل تصريحات وزير الاقتصاد حول التوجهات العامة عن الخطة على أنها ستدخل في صلب المعوقات الحقيقية للنمو الاقتصادي اللبناني المستدام. كما لا تدخل في جوهر التغيير الهيكلي المطلوب في السياسات العامة المعتمدة حالياً وأهمها:السياسات النقدية التي حدت من القدرات التنافسية للاقتصاد وشجعت على خلق تضخم خطير في القطاعات الريعية على حساب الإنتاج وخلق فرص العمل.السياسات المالية (أو غيابها) والتي حدت من الاستثمار العام لصالح آليات تغذي أرباح المصارف وأصحاب المولدات الخاصة كما تحول القطاع العام إلى مؤسسة توظيف لحساب السياسيين غالباً عبر منح عمل دون أي ضمانات (كحال جيوش المتعاقدين والمياومين).غياب الدور الرقابي والناظم للدولة في كافة القطاعات مما أدى إلى تردي الخدمات الأساسية كالإنترنت والنقل العام وتفشي ظاهرة الاحتكارات الخاصة كالوكالات الحصرية والمقاولات إلخ.أكمل القراءةغياب الاستثمار العام في التنمية البشرية وشبكات الأمان الاجتماعي كالطبابة والتعليم والضمان، ومنحها لجميع اللبنانيين سواسية. المطلوب من الخطة الوطنية أن تحدد السياسات التي تؤمن مبدأ تكافؤ الفرص الاقتصادية بين اللبنانيين وتجهّز الأرضية التنافسية الحقيقية للقطاع الخاص شاركغرد وليس المطلوب من الخطة تحديد قطاعات معينة ودعمها، كما أوضح الوزير، لأن تلك الاستراتيجيات قد جربت في لبنان لمدة عقود ولم تفلح في تطوير القطاعات المدعومة بل زادت من تبعيتها للدعم. كما أنه ليس المطلوب استحضار مفاهيم فضفاضة كالشراكة بين القطاع العام والخاص، وهذه تجارب فشلت أيضاً في لبنان (أين أصبح عمل المجلس الأعلى للخصخصة). المطلوب من الخطة الوطنية أن تحدد السياسات التي تؤمن مبدأ تكافؤ الفرص الاقتصادية بين اللبنانيين وتجهيز الأرضية التنافسية الحقيقية للقطاع الخاص اللبناني لتسمح له بانطلاق نحو العالمية. رابعاً في السياسة والتوقيت، من الملفت أن تأتي هكذا خطة على بعد أشهر قليلة من الانتخابات النيابية، وبالتالي التغيير الحكومي المرتقب، وخصوصاً أن هذه الاستراتيجية - ودائماً بحسب وزير الاقتصاد - ستحدد وجهة الاقتصاد اللبناني. مع العلم أن رسم هكذا خطط يأتي عادةً في ظل حكومات حديثة العهد تكون قد منحت تفويض واضح وصريح من الشعب عبر الانتخابات كي تقوم بالإصلاحات المطلوبة وتحديد توجهات البلد الاقتصادية والاجتماعية. هذا طبعاً في الدول ذات الممارسات الديمقراطية الحقيقية. اللَّهُم إلا إذا كانت تعتقد هذه الطبقة السياسية أنها باقية للأبد، أو أن الانتخابات ستلغى مجدداً ويمدد عمر الحكومة، أو أن الاستراتيجية بيان انتخابي خاص جميل الشكل باهظ الثمن وممول من المال العام! ويبقى الحكم عند القارئ وفي صندوق الاقتراع. صورة المقالة من مقتنيات متحف كابيتولين الإيطالي. اقرأ أيضاًكيف نحافظ على أموالنا ونحمي وضعنا المالي من أزمة مالية مرتقبة؟دول عربية مهدّدة اقتصادياً... ولبنان في الصدارةمشروع نيوم، عملة البيتكوين، قطع العلاقات مع قطر... أبرز الأحداث المؤثّرة في الاقتصاد عام 2017 وائل منصور خبير اقتصادي لبناني، مقيم في عاصمة الولايات المتحدة، واشنطن، ويحمل شهادة دكتوراه من جامعة ساسيكس البريطانية وبكالوريوس من الجامعة الأمريكية في بيروت. له عدة دراسات ومقالات اقتصادية كلمات مفتاحية الاستثمار السياسات المالية النمو الاقتصادي التعليقات الأحدث مدونة العراق 6 د. يوميات الحياة في بغداد خلال غزو الكويت وحرب الخليج الثانية... قرع طبول حرب جديدة (1) مقالة الـ22 5 د. لماذا يعبس الناس وتغيب الابتسامة في الصور القديمة؟ مقالة فلسطين 5 د. "سامح تؤجر"... تجار في غزة يبادرون إلى تمزيق دفاتر الديون لمساعدة جيرانهم مقالة لبنان 8 د. البعلبكية vs الجنوبية... مناكفات تتخطى صحن الفراكة ومرطبان المكدوس مقالة مصر 5 د. الفيوم... كيف تنجح مدينة بلا سينما ولا مسرح ولا راديو في مواجهة التطرف؟ مقالة الـ22 7 د. النبي إبراهيم: "أبو الأنبياء" الذي تواترت أخباره في القصص الديني والشعبي
مشاركة :