في ذروة ما تعانيه المنطقة في الفترة الحالية من تفشٍ خطير للتنظيمات الإرهابية، واتساع رقعة تهديداتها العابرة للحدود، وتبرز أهمية السينما التي سمحت المملكة بعودتها بداية من مطلع 2018 الجاري، في تحدٍ يسهم في اجتثاث المنابع الفكرية والأيديولوجية لظاهرة الإرهاب، وأجندات المتاجرين بالدين، حيث أكد خبراء أن السينما، هي أقصر الطرق للوصول للعقول والوجدان، وتسمو بالفكر والروح، وتكشف أساليب الخداع الإرهابية، وتعزز الوطنية في نفوس النشء. وقال طارق الشناوي، الناقد الفني والسينمائي، إن السينما تكمل دور الأسرة والتعليم والمسجد في محاربة الإرهاب، لاسيما وأن هناك أفلاماً قديمة قدمت معالجة لهذه القضية مثل فيلم "الغرباء" بنهاية السبعينيات، بعدما تنبه المخرج سعد عرفة بموضوع الإرهاب وعالجه، ثم تلى ذلك مرحلة التسعينيات للمخرج شريف عرفة والمؤلف وحيد حامد والنجم عادل إمام والتي نتج عنها أفلام "الإرهاب والكباب وطيور الظلام والمنسي"، وأيضاً فيلم "الإرهابي" للمخرج نادر جلال وكان تعرّضاً جديداً ومباشراً. وأكد الشناوي أن السينما في المملكة ستسهم في إبراز الصورة الحقيقية لكل من المجتمع والمواطن السعودي، وتغلق الباب أمام من يصنعوا صور ذهنية خاطئة عنهما، موضحاً أنها ستحقق انتعاشاً للثقافة السعودية، وتحصن المجتمع السعودي من الأفكار المتطرفة. وأشار إلى أن الفترة الحالية تشهد تطوراً ووحشية لظاهرة الإرهاب تختلف عن الحقبة الماضية، بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي والتطرف المسلح، مؤكداً أن محاولة فيلم "الخلية" للمخرج طارق العريان رغم أنها دارما تقليدية إلا أن الفيلم اقترب من بعيد لبعيد من أجل مناقشة قضية الإرهاب. وحول تقديم شخصيات بطولية، أكد الشناوي أن ذلك يفيد في محاربة الإرهاب شريطة ألا يكون بشكل "بروباغندا" التي تعني الدعاية أحادية المنظور، وأن يكون بشكل متعمق، ويظهر نقاط الضعف. وقال المؤلف د. وليد سيف: إن السينما هي أكثر الفنون شعبية وأسرعها انتشارا،ً وأي عمل سينمائي جيد بما يحمله من مشاعر راقية ومضمون هادف وفكر حضاري وتقدمي، هو في حد ذاته رسالة قوية وبليغة ضد الإرهاب والتطرف والفكر الرجعي. وأضاف وليد أنه ليس من الضرورة أن تقدم السينما أعمالاً مباشرة ضد الإرهاب والتطرف، وإن كان هذا ممكناً عبر أعمال ذات طابع تاريخي أو معاصر عن وقائع فعلية، ولكن المهم هو البعد عن المبالغة والمباشرة والصورة السطحية التي يظهر بها الإرهابي، فلا بد أن نتعرف على دوافعه وظروفه ليس من أجل التعاطف معه، ولكن من أجل الكشف عن البيئة والظروف التي تصنع الإرهاب. وأكد أنه من مجمل الأفلام التي حققت نجاحاً في مجال المعالجة الفكرية للإرهاب، أفلام "ابن رشد، والإرهاب، وحسن ومرقص"، ومجملها أفلام نجوم تجمع بين الرسالة القوية، والأسلوب الفني الممتع. وفيما يخص دور السينما في بناء وجدان الأطفال، أكد الدكتور سيف أن هذا الأمر مفيد وهام جداً لكن من الصعب أن تقدم السينما الروائية أفلاماً لهم حالياً بسبب التكلفة الكبيرة، موضحاً أن إمكانات الفيلم المصري مثلاً لا تتيح له الكثير من وسائل الإبهار الجاذبة للطفل، إضافة إلى ندرة وجود كتاب لديهم خبرة في هذا المجال. وشدد على أن الفن والسينما لهما دور تنويري وتثقيفي على الطفل قياساً بمسلسلات عالمية مدبلجة بإتقان مثل "كونان وماوكلي، وباتمان"، والتي تشكل رسالة قوية وذكية ضد الشر، وتدعو للبناء والمحبة بين البشر، ومقاومة الظلم والإرهاب. وأثنى عماد زيادة، الممثل والمنتج الفني، على اهتمام المملكة بدور السينما وإبراز دورها المهم في مواجهة الإرهاب، وبناء وجدان الأطفال والشباب، مؤكداً أنه شهد خلال مسيرته في العمل الفني على العديد من الأفلام التي قطعت مراحل متقدمة في هذا المجال، واجتازت وصف العمليات الإرهابية لتنتقل إلى التحذير من هذه الممارسات ونقد خبثها، ووضع تصورات لطرق مكافحتها، إضافة إلى تبشيعها في نفوس ووجدان المشاهدين. وأكد زيادة أن السينما تعد من أقصر السبل للوصول إلى عقول المشاهدين وإقناعهم بالأدلة، موضحاً أنها تسمو بالروح، وتخاطب الوجدان، وتقدم القدوة والنماذج الإيجابية، وتعزز الوطنية في المجتمع، وتكشف أساليب الخداع، وطرق الإرهابيين في تجنيد الشباب والسيطرة على عقول النشء بالأفكار المتطرفة. وأضاف زيادة أن السينما تعد قوة ناعمة يجب استغلالها في الفترة الحالية من وسيلة للتسلية والإمتاع إلى أداة لتجفيف المنابع الأيديولوجية والثقافية للتطرف والإرهاب، باعتبارها مؤثراً سريع المفعول في بناء الوجدان، ونشر الحقائق، والتحذير من المخططات العدائية التي تحاك ضد الأوطان. عماد زياده د. وليد سيف طارق الشناوي
مشاركة :