العراق.. التفجير الوطني الديمقراطي بقلم: عبدالجليل معالي

  • 1/18/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تأمل أسماء التشكيلات السياسية والعسكرية العراقية يكفي لتبيين أن الواقع السياسي العراقي مازال مسكونا بالحنين إلى التاريخ الإسلامي الوسيط.العرب عبدالجليل معالي [نُشر في 2018/01/18، العدد: 10873، ص(8)] العراق الحالي، يتوفر على الكثير من عدة الديمقراطية ولوازمها؛ الانتخابات وصناديق الاقتراع وهيئة لتنظيم الانتخاب وهيئة للنزاهة ومكافحة الفساد وأحزاب سياسية والقانون والدستور، وبالضرورة الشعب الذي يحق له التصويت، لكن تلك اللوازم، كلها متضافرة، لم تسفر عن ديمقراطية يمكن أن تمكث في الأرض وتنفع الناس، رغم أنها بلغت سنّ الرشد في عرف التقاليد السياسية. كل تلك المقدمات المؤسسية والحزبية لم تصنع نتائج ديمقراطية، لا لافتقاد العراق لعناصر أخرى تسدد النقص “الديمقراطي”، وإنما لأن المشهد العراقي يتضمن مضافا لا تنجح الديمقراطية في ظل وجوده، وهو أن تدار العملية السياسية بعقلية طائفية موغلة في القدامة، بلغت سنّ الرشد بدورها، وهي عقلية أقل ما توصف به أنها متناقضة مع ما يقتضيه المناخ الديمقراطي. التناقض بين الديمقراطية والطائفية، وعدم انتماء المفردتين إلى القاموس نفسه، هما الثغرة التي تسلل منها الخراب إلى أيام العراقيين. أن تتأسس الأحزاب على منطلقات طائفية، وأن تتخذ لها أسماء مستدعاة من التاريخ، وأن تقتصر برامجها على الثارات القديمة، وأن تعقد التحالفات بناء على ما يسكن الصدور من إيمان ومذاهب، وأن تعاضد بفرق عسكرية تحترف اللطم والتطبير في أيام السلم، وتواظب على القتل والتفجير في زمن الخلاف مع بقية عباد الله من المؤمنين الآخرين، هي كلها مظاهر تسحب من الديمقراطية العراقية جوهرها وتحيلها إلى زمن آخر استعرت فيه الخلافات المذهبية، وفيما ينتظر العراقي أجوبة على أسئلته اليومية المعيشية تصاغ له أجوبة من قبيل أن “المعركة لا زالت مستمرة بين أنصار الحسين وأنصار يزيد”. (على حد تعبير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي). المفارقة أن أغلب الأجسام السياسية العراقية، سواء في الحكم أو خارجه، تواظب على القول بوجوب إرساء زمن الدولة، وبضرورة الابتعاد عن الطائفية، وحصر السلاح بيد الدولة وغيرها من الشعارات التي ظلت حبيسة التصريحات الإعلامية، في حين بقي الواقع العراقي مشدودا إلى آلياته نفسها التي أحكم نسجها منذ الاحتلال الأميركي. تأمُّلُ أسماء التشكيلات السياسية والعسكرية العراقية يكفي لتبيين أن الواقع السياسي العراقي مازال مسكونا بالحنين إلى التاريخ الإسلامي الوسيط. الفتح المبين وعصائب أهـل الحق ومنظمة بدر وكتائب الإمام علي وجيش المهدي وجيش الطائفة المنصورة وجند السماء وحزب الله وحزب الدعوة وغيرها من الأسماء، هي أدلة تناقض الواقع العراقي مع ما يقـال عن الدولة المدنية، وهي أيضا هوة سحيقة تفصل المواطن العراقي عن واقعه وتدعوه إلى أن ينتمي قسرا إلى زمن قديم، وهي كذلك مؤشر خفي على أن الخيوط العراقية ممسوكة باقتدار من خارجه، حقيقة ومجازا. أن يعقد حيدر العبادي، أو نوري المالكي، تحالفاته وفق منطلقات طائفية ومذهبية واضحة ويصر على القول إنه يسعى لإرساء دولة القانون والمؤسسات وأنه لأجل ذلك شكل “تحالفا عابرا للطائفية”، فهذا من قبيل التناقض الذي لا ينتج سوى عملية سياسية “ديمقراطية” تتبادل رسائل التفجير بين مكوناتها. التفجيرات الأخيرة التي حصلت في بغداد أو في بابل، هي تذكير بمآلات عملية سياسية تجتهد عناصرها في إعلاء انتماءاتها الطائفية على انتماءها للوطن، ولئن استسهلت تصريحات الزعماء السيـاسيين تحميل تنظيـم داعـش أو ما تبقى من جيوبه، مسؤولية التفجير، وهو أمر غير مستبعد، إلا أن العراقيين في كل تفاعلاتهم مع المستجدات، يعرفون جيدا أن مشهدا سياسيا بهذه المواصفات الدينية والطائفية المشتقـة من التاريخ، لا يمكنه إلا أن ينتج جدلا سياسيا لغته السلاح والتفجير. كاتب تونسيعبدالجليل معالي

مشاركة :