الصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية، وإن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق، باعتبار أن الصحيفة شكل ورقي، لكنها في واقع الأمر مضمون ومحتوى أولا وقبل كل شيء أقول، إن الرثاء على الصحافة الورقية لن يبقيها على قيد الحياة، ولهذا يتحتم علينا إنعاشها بالأفكار المبتكرة، خاصة أننا نتحدث عن كيانات صحفية تحمل علامة تجارية «BRAND»، ولها ثقل مؤثر في جميع شؤون الوطن، وما تحويه كذلك من قواعد بيانات مؤرشفة، واستثمارات وقوى بشرية. نعم، هذه القوى البشرية هي التي أسهمت في إنجاح الصحافة الورقية في القرن الماضي، عندما تعاملت بمهارة عالية مع وسائل الاتصال الجديدة -حينذاك- مثل: التلغراف والهاتف والراديو والتلفزيون، والتي لم تنجح في زحزحة الصحف الورقية عن قمة هرم وسائل الاتصال الجماهيري. إذن، لا بد أن تمتلك المؤسسات الصحفية قدرا من الذكاء المهني الذي يؤهلها لأن تتكيف وتتعايش بشكل سلمي مع الإعلام الجديد، حتى لا تصبح شيئا من الماضي، وهنا أورد بعض المقترحات: 1 - تنويع النشاطات الإعلامية، وذلك بدخول مجالات الراديو والتليفزيون والمطبوعات المتخصصة، وإعداد المؤتمرات على شبكة الإنترنت، ولعل أبرز مثال على ذلك شركة «تريبون الأميركية» التي تُصدر صحيفة «شيكاغو تريبون»، إذ تملك أيضا محطات تليفزيون وإذاعات ومجلات ومواقع إلكترونية، وحصصا في شركات ترفيه واتصال بالشبكة الإلكترونية. 2 - أسلوب الدمج بين بعض الصحف التي يجمعها خط تحريري متقارب، وتزاوجها مع شركات متخصصة في إدارة المحتوى الرقمي، فأسلوب الدمج والقدرة على خلق تجمعات، لجأت إليه كبريات المؤسسات الإعلامية في بريطانيا وأميركا، فخلقت به تكتلات أسهمت في تقوية هذه المؤسسات وسيطرتها على المشهد الإعلامي، وهذا ما دفع شركة «أميركا أون لاين» التي تدير أنجح بوابة إلكترونية في أميركا إلى الاندماج مع شركة «تايم وورنر»، وهي واحدة من أكبر شركات النشر والاتصال في العالم، خلال صفقة قُدِّرت بـ120 مليار دولار. 3 - تطوير هذه الصحف من كونها نسخا مطبوعة إلى ظهورها كبوابات إخبارية وإعلامية وترفيهية ذات شخصية مستقلة. فمثلا، موقع صحيفة «نيويورك تايمز» على الشبكة يقدم مثلا خدمات لا توفرها، وقد لا تستطيع أن توفرها النسخة الورقية من الصحيفة، مثل: حالة الطقس وأسعار العملات والأسهم وحجوزات الفنادق والطيران والسوق الإلكتروني للتبضع والشراء ومقارنة أسعار السلع…إلخ. وقد أدى نجاح تجربة نيويورك تايمز على الشبكة إلى إطلاقها موقعا شقيقا أسمته: «نيويورك تودي»، وهو أشبه بدليل لعالم مدينة نيويورك يقدم ما يحتاج إليه الزائر أو المقيم في المدينة من معلومات، بدءا من دليل الهاتف وعناوين المطاعم وبرامج التليفزيون وحالة الطرق وخرائط للأحياء والشوارع، وانتهاء بما يحدث في المدينة من نشاطات ثقافية وترفيهية مختلفة. وكذلك فعلت الواشنطن بوست وغيرها من كبريات الصحف في أميركا وبريطانيا وكثير من الصحف في الغرب. هذه المواقع أصبحت شركات متجمعة تدار من طواقم متخصصة لها إداراتها المستقلة من التحرير والإعلان والتسويق، وتدر هذه المواقع أرباحا على مالكيها لا تقل عن أرباح نشاطات النشر التقليدي. أخيرا، أقول: الصحافة الرقمية لا تلغي دور الصحافة الورقية، وإن الصحف الورقية باقية لكن بلا ورق، باعتبار أن الصحيفة شكل ورقي لكنها في واقع الأمر مضمون ومحتوى، أي أنها إنتاج مكتوب سواء كان على ورق أو حتى على جدران، مثلما كان يفعل الصينيون قديما، إذ تعلق ورقة على جدار الحي ليصطف الناس في طابور لقراءتها بسبب نقص الورق وكثافة السكان، أو مثلما تغيّر فعل قراءة الصحف اليوم خلال الصفحات الإلكترونية.
مشاركة :