بين البحر، وما يحتويه من تاريخ طبيعي (ايكولوجي)، و«متحف البحرين الوطني»، بما يتضمنه من تاريخ إنساني (أركيولوجي)، وبجوار «مسرح البحرين الوطني»، بوصفه مسرحًا للفعل الجمالي، اتخذ (21) فنانًا عالميًا، مساحتهم لتنفيذ منحوتاتهم ضمن الدورة السادسة من «سمبوزيوم البحرين»، الذي انطلق في الخامس من (يناير)، مستمرًا على مدى اثني عشر يومًا حتى الـ(16 من نفس الشهر)، إذ جاء هذا الحدث الفني، بتنظيم من «هيئة البحرين للثقافة والآثار»، وبالتزامن مع احتفائها بـ «المحرق عاصمة للثقافة الإسلامية» لعام (2018).اثنا عشر فناناً محترفاً، ينحدرون من ثقافات عالمية مختلفة، تم اختيارهم بالتعاون مع الرئيس الفخري لـ(سمبوزيوم)، الفنان المصري العالمي، آدم حنين، وهم الفنانان البحرينيان علي المحميد، وخليل الهاشمي، والفنانان المصريان ماجد ميخائيل، وهاني فيصل، والفنان السوري أُبي الحاطوم، والإسباني ميغل اسلا، واليابانية هاروكي ياماشيتا، والفرنسي باتريك بيلين، والإيراني مجيد حقيقي، والمغربية أكرام القباج، والصربي جورجي كباجاك، والتركية نسرين كاركان.كل هؤلاء الذين نحتت أناملهم منحوتات بصرية تعرض ضمن الدورة الـ (44)، من «معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية»، استوحوا أعمالهم من مشارب مختلفة، بعضهم زاوج في استيحاء المحلي، الذي يعود لبلدهِ وثقافته بالمحلي البحريني، وآخرون استوحوا البحر، بوصفه كياناً لصيقاً لميدان اشتغالهم، وثالثون، نفذوا أعمالاً تعود لاشتغالات سابقة من اشتغالاتهم الفنية.المحميد: التغذية البصرية الجمالية مسؤولية مجتمعية رئيس «جمعية البحرين للفنون التشكيلية»، الفنان علي المحميد، الذي سبق له الإشراف على عددٍ من الـ(سمبوزيومات) التي نظمتها المملكة، أكد أن «عودة (سمبوزيوم البحرين)، في دورته السادسة، بمثابة أخذ نفس عميق، بعد انقطاع دام سنوات»، مبينًا أن «المملكة كانت تنظم هذا (السمبوزيوم) كل عامين، إلا أن ظروفًا حالت دون الاستمرار بذلك، وتمثل عودته، التي نتمنى لها أن تستمر، سعادةً لكل فنان بحريني، وللحركة الفنية في المملكة».ولفت المحميد إلى أن (السمبوزيوم) جاء متزامناً مع حديثين ثقافين مهمين، تعيشهم المملكة، وهما «تتويج مدينة المحرق بوصفها عاصمة للثقافة الإسلامية، وإقامة النسخة الـ (44) من معرض البحرين السنوي للفنون التشكيلية الذي يرعه ويفتتحه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، رئيس الوزراء، وهذا ما يعطي لهذا الحدث، زخمه البارز».إلى جانب ذلك أكد المحميد بأن إقامة الدورة السادسة، «شكل حدثاً فنياً مميزاً للمملكة، يضعها على خارطة الفن العالمي، ويلفت لها أنظار المشتغلين بهذا الميدان الإنساني، الذي يعد واحداً من أقدم الميادين الإنسانية»، كما أن هذا الحدث، «يشكل إضافة ثمينة للفنانين البحرينيين، ذلك من خلال مخالطتهم لأسماء فنية عالمية، والتعرف على خلفياتها الثقافية والمعرفية، إلى جانب تبادل الخبرات والتقنيات في مجال النحت»، فيما تحقق هذه الفعالية ومثيالاتها «استفادة من خلال تعرف الفنانين العالميين على المملكة، وعلى الحركة الفنية فيها».وأعرب المحميد عن أمانيه بأن تحذوا العديد من المؤسسات الرسمية والخاصة، حذو (هيئة الثقافة) في تنظيم مثل هذه الفعالية، كونها لا تقتصر على الجانب الثقافي فقط، بل تمتد للجانب الجمالي، «وأنا أدعو البلديات والمحافظات والشركات الخاصة، لتنظيم مثل هذه الـ (سمبوزيومات)، للاستفادة من مخرجاتها، وتزيين السواحل والشوارع والساحات والحدائق بها، من أجل خلق متلقي يتغذى بالمخرجات الفنية الجمالية، ويغذي ذاكرته بهذه الأشكال البصرية»، مبيناً أن «هذه الفعاليات مسؤولية مجتمعية، وتنظيمها يعود ولابد على المملكة بعائد جمالي كبير»، مشيراً إلى أن «الشيخة مي آل خليفة، مشكروة، هي الوحيدة التي تنشط في هذا المضمار في الوقت الحالي».وفي ردهِ على السؤال حول عمله الفني، قال المحميد «أنه تجسيد لعملِ صغير، سبق ونفذته، وهو عبارة عن منحوتة لشكل طائر».الهاشمي: «إن لم تبحر، لن تصل»من جهته، أمل الفنان البحريني خليل الهاشمي، قبل كل شيء «أن يستمر تنظيم (سمبوزيــوم) البحرين»، مضيفاً «إن أقامة (السمبوزيومــات) ضـرورة لكــل فنـان، سواء على صعيد ممارسة الاشتغال النحتي، أو خلق المنحوتات الجمالية، إلى جانب تحقيق التعارف والاستفادة من خلال الامتزاج بفنانين من مختلف المشارب التوجهات الفنية، خاصة وإن هذا (السمبوزيوم) ضم أسماء فنية عالمية، محترفة في مجالات النحت وروافدها».وأكد الهاشمي على ما دعا إليه الفنان المحميد، قائلاً «لا نريد لهذه الـ(سمبويومات) أن تقتصر على جهة محددة، بل يتوجب أن تكون بمثابة مسؤولية اجتماعية، تشارك فيها مختلف الجهات، إن كان على الصعيد الرسمي أو الأهلي، كما هو جارٍ في مختلف دول العالم»، مبيناً أن للبحرين تجربة في هذا المجال «وهي تجربة (سمبوزيوم المحرق)، الذي أقيم على حساب القطاع الأهلي».ويقدم الهاشمي في الدورة السادسة، عملاً بعنوان «إن لم تبحر، لن تصل»، موضحاً أن هذا العمل «تم اختياره ليّ لتنفيذهِ، وعلى الرغم من كرهي للوصايا، إلا أن الفنان القدير، آدم حنين، ارتأى أن أمارس اشتغالي على هذا العمل المتمثل بقارب يحمل متاعاً»، مبيناً أن فلسفة العمل الفني «قائمة على أن التواصل الإنساني ضرورة للتعرف على مختلف الثقافات، فالإنسان خلال سفرهِ وأبحاره، يكتشف العادات والتقاليد، لدى مختلف الشعوب. ولكون المتاع أو البضائع جزءاً من الثقافة الإنسانية، فإنها تمثل، هي الأخرى، تواصل إنساني بين الشعوب والأمم».الحاطوم: ذاكرة بصرية تحاكي الضوء والظلالفنان السوري أُبي الحاطوم، لفت إلى أن هذه المشاركة ليست الأولى، إذ سبق له المشاركة في الدورة السابقة من (سمبوزيوم البحرين)، موضحاً أن «مشاركته في هذا المتلقى الفني، أهم كونها جاءت تحت رعاية (هيئة الثقافة)، إلى جانب كون القائم على انتقاء الفنانين، هو الفنان العالمي آدم حنين، وعليه جاء انتقاء الفنانين المشاركين بعناية فائقة، مما انعكس على جودة وتمايز الأعمال الفنية».وأشاد الحاطوم، بتنظيم المملكة لهذا (السمبوزيوم)، موضحاً أنه جاء مميزاً «من حيث التواصل بالفنانين، واختيار مكان العمل، بين (المتحف الوطني) والبحر»، مؤكداً على «ضرورة أن يستمر هذا (السمبوزيوم)، كونه يغذي الذاكرة البصرية لدى الإنسان البحريني والمقيم، ويفيد في خلق ذائقة جمالية لدى مختلف فئات المجتمع، خاصة عندما يتم اختيار الأمكنة العامة، لتشغلها المخرجات التي يخرج بها».ولأن الحاطوم، ابن البحر، كونه ينتمي لقرية سورية ساحلية، ويمارس اشتغاله في (سمبوزيوم البحرين) بجوار البحر، اختار عملاً «يحاكي روح البحرين، التي لا تمتاز ببحرٍ واحد وإنما بحرين»، كما يقول، فجاء عمله «عبارة عن وحدة فنية زخرفية مكررة، تشبه موجات البحر، وهذه الوحدة الزخرفية تتغير، مع تغير ضوء الشمس، مما يعطي للعمل طابعاً متحركاً.. ولهذا كنت معنياً بإحكام الأشكال الزخرفية بشكلٍ صحيح، ووفق متوليات هندسية، لتعطي انطباعاً جمالياً ديناميكياً يحاكي حركة الضوء والظل».القباج: اشتغال يماثل انسيابية حركة الموجالفنانة المغربية، إكرام القباج، وهي منسقة (سمبوزيوم المغرب)، لا تجهل (سمبوزيوم البحرين)، «كونه تناهى إلى مسمعي عن هذا (السمبوزيوم)، من خلال فنانين بحرينيين، كالفنان علي المحميد، الذي التقيته في عدد من اللقاءات، وعزمنا آنذاك على التعاون الفني»، لافتاً إلى أن «أهمية (السمبوزيومات)، تكمن في كونها ملتقى للفنانين من مختلف أنحاء العالم، وها نحن نلتقي في مملكة البحرين مع العديد من الفنانين العرب والعالميين».وتضيف القباج «فوجئت كثيراً بالطابع الهندسي والمعماري لمملكة البحرين، إذ يمثل بناؤها تحفاً فنياً في الهواء الطلق»، متابعاً «هذه هي المرة الأولى التي أعمل فيها في فضاء جمالي يماثل هذا الفضاء الذي اختير ليكون مكاناً لاشتغال الفنانين، بجوار (متحف البحرين)، ومسرحها الوطني، لهذا ستبقى مرسومةً في ذاكرتتي جمالية المكان، والمملكة بصورة عامة».وتعريجاً على عملها، الذي استوحته من جمالية المكان، المجاور للبحر، تقول القباج «استوحيت المنحوتة من حركة موج البحر، كونه لصيق بنا أثناء اشتغالنا، إذ يعكس العمل هذه الحركة الانسيابية، ووظفت لها خامات حجرية متعددة اللون، لتعطي انطباعاً بصرياً، بهذه الحركة».فيصل: بين الوظيفي والفنيالفنان المصري هاني فيصل، هو الآخر ليس جديداً على (سمبوزيوم البحرين)، «إذ شاركت في دورة العام (2005)، والتي اختصت بالنحت على الخشب، وها أنا اليوم أشارك في (سمبوزيوم) آخر في المملكة، متخصصٌ بالنحت على الحجر، وقد جاءت دعوتي من قبل الفنان الكبير آدم حنين».ولفت فيصل إلى أن دورة هذا العام، «امتازت بتنوع الفنانين العالميين المشاركين، إذ شاك فيها العديد من الفنانين والفنانات الذين يمتازون بأسمائهم العالمية في مجال النحت».وتبياناً لعمله أشار فيصل «أن هذا العمل مزيج ثقافي بين بلدين شقيقين، البحرين ومصر، وذلك عبر استحضار الساعة الشمسية، الموجودة في التراث المصري العريق، والاستفادة من جمالية الشمس في المملكة، ولهذا يجيء العمل مزيجاً بين الوظيفي والفني».ولفت فيصل إلى أن الفكرة من العمل هي «دخول الشمس من الفتحات المحددة في المنحوتة، بحيث يدخل الضوء من مكان محدد، مشيراً إلى وقتٍ ما، وبناءً على حركة الضوء، يتخذ العمل الفني، طابعاً ديناميكياً، إلى جانب وظيفة جمالية تتمثل في التركيز على الشكل، الذي يخلق هذا المزيج الوظيفي والفني في العمل».
مشاركة :