الشارقة: علاء الدين محمود ينطلق وليم د. هارت في كتابه «إدوارد سعيد والمؤثرات الدينية»، الصادر عن مشروع «كلمة»، بترجمة الدكتور قصي أنور الذبيان، من نقطة عميقة في أعمال إدوارد سعيد، وهي تقاطع كتاباته مع الدين، حيث تظهر في مؤلفاته الكثير من الإشارات التي تؤكد اهتمام نصوص سعيد بالدين، رغم نفيه لذلك، ويشير المؤلف إلى وجود هذه اللحظة الدينية تتجول خفية داخل هذه النصوص، وما يساعد على فهم هذه القضية في مؤلفات سعيد، أن مؤلف الكتاب متخصص في هذا الشأن، فهو مهتم بمجال التقاطع بين الفكر الديني والنقديّ، والدراسات التراثية، والطبيعيّة.يغوص الكتاب عميقاً في منتج إدوارد سعيد، خاصة فيما يتعلق بنقده للثقافة الحديثة، مسلطاً الضوء على التمايز القائم بين الديني والدنيوي، وهي المحورية التي تدور حولها فكرةُ الكتاب، ويُعالَجُ هذا التمايز على نحوٍ حرفي ومجازيّ في آن واحد، إذ يُشير المؤلف إلى التقاليد الدينيّة، من جهة، وتلك الدنيوية، من جهة أخرى، وإلى المجازات التي تُوسع معنى الدين والعلمانيّة ومرجعيّتهما، فعلى الرغم من أن سعيد ليس مفكرا دينياً، بيد أن هذا لا يعني أنه لا يأبه بالدين، على العكس، فالدين بالنسبة لسعيد لا يمكن تجاوزه عند دراسة المسائل الثقافية المختلفة.ويتوقف الكتاب كذلك عند نقطة مخفية أخرى عند سعيد وهي: تلك النزعة الماركسية في كتابته، وهي مسألة لا يقر بها سعيد، لكن الكاتب يمسك بها في نصوصه، ثم يجري مقارنة حول مكانة الدين عند ماركس وسعيد، فلئن بدأت واضحة ومحسومة عند الأول فهي ملتبسة جداً عند الأخير وتبدو غامضة، غير أن أثرها يجول في جميع مؤلفاته، وخلال ستة فصول يتناول المؤلف: الثقافة كتحول للفكر الديني، والمؤثرات الدينية للثقافة، متناولاً قضايا الاستشراق والقومية والإمبريالية، ومسؤوليات الناقد العلماني، وماركس وسعيد والمسألة اليهودية، ويشير الكتاب إلى أن سعيد هو الأكثر تأثيراً بين النقاد الأمريكيين، ولا يخفي دهشته إزاء إشارة سعيد الخفية، الهائمة، ولكن المستمرة، إلى المقدس والديني واللاهوتي، ليتعمق أكثر مستكشفاً المدى الذي يحتله الدين من أهمية في نقد سعيد للثقافة والإمبريالية.ويصف الكتاب سعيد بالرجل المتعدد الأبعاد، متناولاً جوانب مهمة منها، مثل نزعته الماركسية، حيث تحل الأفكار الماركسية مكانة كبيرة عند سعيد، ولها تأثير عميق في تفكيره، ثم يطوف على كثير من الفلاسفة الذين يلتقون نقدياً مع سعيد، ويستظلون بفكر ماركس، لذلك فالمؤلف يطوف داخل قضايا كثيرة داخل الحقل الثقافي والنقدي فيما يتعلق بعوالم سعيد والنقد الذي قدمه لكثير من المفكرين والفلاسفة.ولئن كان الكتاب قد قدم قراءة ذات خصوصية لفكر سعيد، فإنه قد سعى كذلك للتعرف إلى الكيفية التي قرأ بها الآخرون فكر الرجل، ويرى أن لسعيد،عموماً، قراءات ما بعد بنيوية وماركسية، وقراءات في مجال الدراسات الإقليمية «شرق أوسطية وآسيوية»، وكلها تتمحور إلى حد بعيد، حول الاستشراق، والتوجه الرئيسي لسعيد فيها هو: أن الفكر الغربي يتأسس على مجموعة متحيزة من الفروقات بين شرق متدهور وغرب مستنير، ويؤمن ذلك سيطرة الغرب الأيديولوجية والعسكرية على الشرق، ويشير المؤلف إلى أن القراءات ما بعد البنيوية لكتاب سعيد «الاستشراق»، غالباً ما تنتهي إلى وجهتي نظر، يُعتقد أن سعيداً أحدهما، لكن الكتاب ينفي ذلك، ويشير إلى أن الأمر ليس كذلك تماماً، ويرى أن هذه القراءات تهدف في المقام الأول إلى الدفاع عن نظرية ما بعد البنيوية في وجه هرطقة سعيد في استعماله لفوكو ودريدا، فإما أنه ينحرف عن فوكو، أو أنه لا يتبع دريدا كما ينبغي، مشيراً إلى سعيد يعبر عن المذهب الإنساني حد الإفراط.ويشير الكتاب إلى اشتغال سعيد،على مؤلف مايكل فالزر «الخروج والثورة»، فقد أقام هذا الكتاب مجادلات شديدة السخونة والمرارة بين الرجلين، فقد انتقده سعيد بشدة، وسخر من ضحالة مضمونه، وكانت المراسلات النقدية بين الرجلين تبرز صراعاً بين فلسطيني أمريكي هو: إدوارد سعيد، ويهودي أمريكي هو: مايكل فالزر، فكتاب الأخير يدور حول تاريخ خروج بني «إسرائيل» ومسألة فلسطين، فقد احتلت قضية الخروج مكاناً بارزاً في هذه المجادلات التي تكشف عن الطابع الديني والسياسي، فسعيد يرى أن كتاب خصمه مغلف بغلاف رقيق من التبريرات لسياسات دولة «إسرائيل»، وتحمل تحيزاً تاريخياً لها.
مشاركة :