صادق ناشر يعيش السودان على وقع احتجاجات شعبية على خلفية رفع أسعار المواد الغذائية، لكن هذه الاحتجاجات لم ترق إلى أعمال عنف كبيرة، كتلك التي شهدتها البلاد عام 2013، بعدما استخدمت الخرطوم القوة مع المحتجين، الذين خرجوا إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم لقرار الحكومة برفع الأسعار، حيث تصدت قوات الأمن للتظاهرات، التي نزلت إلى شوارع المدن بقنابل الغاز المسيل للدموع والهراوات، واعتقلت العشرات. وامتدت الإجراءات الأمنية إلى حملة اعتقالات طالت ناشطين اجتماعيين وأعضاء في أحزاب معارضة من بينهم حزب الأمة القومي، حيث جرى اعتقال أمينة عام الحزب سارة نقد الله، إضافة إلى شقيقتي رئيس الحزب الصادق المهدي، وانضم الأمين العام للحزب الشيوعي المعارض مختار الخطيب إلى قائمة المعتقلين، بعد مشاركته في الاحتجاجات، إضافة إلى صحفيين يعملون في وكالات أنباء عالمية ووسائل إعلام محلية، حسب ما أعلن مجلس الإعلام الخارجي الذي يتعامل مع أجهزة الإعلام الأجنبية. لا يوجد عربي اليوم عاش أحداث الخراب في عدد من البلدان العربية منذ عام 2011 يتمنى أن تتكرر النسخ السيئة التي مرت بها دول عربية عدة، مثل ليبيا واليمن وسوريا، في السودان، فقد لمس الجميع أن الرغبة في التغيير، وهي سنة من سنن الحياة، التي تتوق إليها الشعوب، تجابه بالقمع من قبل الأنظمة الحاكمة حتى يتم وأد هذه الرغبة ودفن تطلعات الشعوب في تحسين أوضاعها. وما يحدث في السودان هو الموقف ذاته الذي وقع في العديد من البلاد العربية، حيث بدأ الناس يتخوفون من ردة فعل النظام في حال استمرت الاحتجاجات الشعبية بالطريقة نفسها التي شهدتها دول ما يسمى «الربيع العربي»، لكن ما يقلق الناس هو انحراف الكثير من هذه الاحتجاجات عن المسار وتحول الأمر إلى فوضى عارمة ساهمت الأنظمة فيها بهدف إطالة بقائها في السلطة وخلط الأوراق، لكن الأسوأ هو أن من تصدر هذه الاحتجاجات لم يكن يمتلك بديلاً عن الأنظمة القائمة؛ فقد توارت النخب السياسية خلف رغبات التغيير وانقادت بعدها عوضاً عن أن تقودها، وعندما تدخلت كان التدخل مشوهاً وغير ذي تأثير، ودفع بالأوضاع إلى مرحلة التأزم وانسداد الأفق. من هنا بدت الأوضاع في المنطقة العربية أقرب إلى الفوضى منها إلى التغيير. صحيح أن قطاعات واسعة من الشعوب كانت تأمل في حدوث تغيير أحوالها، إلا أنها أصيبت بالإحباط بعد أن وجدت أن من جاؤوا بعد سقوط الأنظمة قدموا نماذج سيئة، وبالتالي أفرغوا الاحتجاجات من مضمونها. ما يعتمل في السودان اليوم يتشابه في أوجه عدة مع ما حدث في البلاد العربية الأخرى، مع فارق أن النظام استفاد من أخطاء «أشقائه»، مستخدماً لغة التخويف من المآلات السيئة للاحتجاجات التي يمكن أن تفضي إلى فوضى، كما حدث في أكثر من قطر عربي بعد 2011، وهذه السياسة بمثابة سيف ذي حدين؛ فقد تنجح في تطويق الاحتجاجات وتنهي تأثيراتها، وقد تقود إلى قلاقل تزعزع أركان الدولة. sadeqnasher8@gmail.com
مشاركة :