د.عادل عامر يكتب: موقف القانون الدولي من اللاجئين والنازحين

  • 1/24/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

إن القانون الدولي الإنساني الذي يطلق عليه أيضًا اسم قانون النزاعات المسلحة أو قانون الحرب يتكون من قواعد تستهدف في زمن الحرب حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو توقفوا عن الاشتراك في الأعمال العدائية, فضلًا عن تقييد وسائل وسبل الحرب. وهو قانون " واقعي " يأخذ أيضا في الحسبان المتطلبات الإنسانية التي تمثل مبدأ خفيًا للقانون الإنساني برمته, علاوة على اعتبارات الضرورة العسكرية.وفي حالات النزاع المسلح الدولي، يندرج اللاجئون والمشردون داخليا الموجودون في مناطق تخضع لسيطرة إحدى قوات المعارضة المسلحة لفئة الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية وتنطبق عليهم المادة 32 من اتفاقية جنيف الرابعة والتي تحظر قيام أطراف النزاع بما يلي:جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص المحميين الموجودين تحت سلطتها. ولا يقتصر هذا الحظر علي القتل والتعذيب والعقوبات البدنية والتشويه والتجارب الطبية العلمية التي لا تقتضيها المعالجة الطبية للشخص المحمي وحسب، ولكنه يشمل أيضا أي أعمال وحشية أخري، سواء قام بها وكلاء مدنيون أو وكلاء عسكريون.وفي الحالات التي لا يعرّف فيها العائدون والمشردون داخليا بأنهم محميون، فينبغي أن يتمتعوا، برغم ذلك، من الحماية الدنيا المكفولة بموجب المادة 75 من البروتوكول الأول الذي يحظر ممارسة العنف إزاء حياة الأشخاص أو صحتهم أو سلامتهم البدنية أو العقلية ويشمل بوجه خاص القتل. وتتصدى المادة 51 من البروتوكول الأول لهذا الخطر: " وتحظر أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلي بث الذعر بين السكان المدنيين." ويشمل هذا الحظر على سبيل المثال الأعمال أو التهديدات من جانب الجماعات المسلحة بغرض الحيلولة دون مغادرة المدنيين من المناطق التي تسيطر عليها هذه الجماعات المسلحة أو إعاقة هذه الجماعات لعملية عودة اللاجئين والنازحين إلى مناطقهم الأصلية. وتنص المادة 51 على حظر الهجمات العشوائية وتصفها بأنها " تلك التي لا توجه إلي هدف عسكري محدد أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن أن توجه إلي هدف عسكري محدد أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها والتي شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين دون تمييز."ب) حالات الاختفاء القسريويمكن للعائدين من اللاجئين والنازحين أن يتعرضوا بصفة خاصة لخطر الاختفاء القسري. وقد لا يتم تسجيل وجود شخص عائد من معسكرات اللجوء أو النزوح في منطقة محددة في أي وثائق وطنية أو محلية. ويُستبعد العائدون في كثير من الأحيان من أي مجتمع محلي ثابت يمكن أن يساعد على كفالة حمايتهم من الاختفاء القسري. ولهذه الأسباب، ولاسيما في الحالة التي يفضي فيها الاختفاء القسري لأحد العائدين إلى وفاة الضحية، يمكن أن يتعذر كثيرا إثبات وقوع اختفاء قسري. كما يتعرض أطفال العائدين للاختفاء القسري من أجل تجنيدهم قوة مسلحة. والاختفاء القسري، كما تصفه الفقرة الثالثة من ديباجة الإعلان الخاص بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري هو حالة يتم فيها:إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم رغما عنهم أو حرمانهم من حريتهم على يد مسؤولين أو على يد جماعات منظمة أو أفراد خاصين يعملون لحساب الحكومة أو بدعم مباشر أو غير مباشر منها أو بموافقتها الصريحة أو الضمنية، ويتبع ذلك رفض الكشف عن مصير أو مكان الأشخاص المعنيين أو رفض الاعتراف بحرمانهم من حريتهم، مما يجعل هؤلاء الأشخاص خارج حماية القانون.وتتمثل الصكوك الرئيسية للقانون الإنساني في اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخة في 12 أغسطس/ آب 1949 وفي بروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 يونيه/حزيران 1977. وتحمي اتفاقيات جنيف الأشخاص التالي ذكرهم: جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة (الاتفاقيتان الأولى والثانية), وأسرى الحرب (الاتفاقية الثالثة), والسكان المدنيون لا سيما في أراضي العدو وفي الأراضي المحتلة (الاتفاقية الرابعة). أما البرتوكولان الإضافيان, فإنهما عززا خاصة حماية السكان المدنيين من عواقب الأعمال العدائية, وقيدا أيضًا الوسائل والسبل المستخدمة في حالة الحرب. وفي الوقت الراهن, جميع الدول تقريبًا هي أطراف في اتفاقيات جنيف لسنة 1949. وقد ثبت اليوم الاتجاه إلى صبغ البروتوكولين الإضافيين بصبغة عالمية. ويشمل القانون الدولي الإنساني نظامين للحماية, هما: النزاعات المسلحة الدولية التي تطبق فيها اتفاقيات جنيف والبرتوكولين الأول لسنة 1977; النزاعات المسلحة غير الدولية , إذ تطبق المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبرتوكول الثاني لسنة 1977 في هذه الحالات التي ينشب فيها نزاع داخلي أو حرب أهلية ومن بين معاهدات القانون الإنساني المتعلقة باستعمال أسلحة معينة , تجدر الإشارة إلى الاتفاقية المهمة التي أبرمت في سنة 1980 بشأن حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة, والتي يقيد أحد بروتوكولاتها الثلاثة استعمال الألغام. وعلى الرغم من أن القانون الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان يمثلان فرعين متمايزين من فروع القانون الدولي العام, فإنهما يصبوان إلى تحقيق هدف مشترك, ألا وهو حماية الإنسان. ويحمي القانون الإنساني حقوق الإنسان الأساسية في حالات الشدة القصوى التي تمثلها النزاعات المسلحة. ولذلك, يجب النظر بروح تكاملية في هذين المجالين اللذين ينبغي أن يضاف إليهما قانون اللاجئين. على أطراف النزاع أن تقبل عمليات إغاثة السكان المدنيين ذات الطابع الإنساني غير المتحيز وغير التمييزي, وينبغي احترام وحماية العاملين في وكالات الإغاثة. اللاجئــــــون الحماية بموجب القانون الدولي الإنسانييتضمن قانون اللاجئين تعريفًا دقيقًا للاجئ. وعلى العكس, فإن القانون الإنساني لا يزال غامضًا للغاية في هذا الشأن, بل نادرًا ما يُستخدم هذا المصطلح . غير أن هذه الملاحظة لا تعني أن القانون الإنساني يهمل اللاجئين, حيث إنهم يتمتعون بالحماية إذا كانوا تحت سلطة أحد أطراف النزاع.ففي حالة نشوب نزاع مسلح دولي, يتمتع مواطنو أي بلد بعد فرارهم من الأعمال العدائية واستقرارهم في بلد العدو بالحماية بموجب اتفاقية جنيف الرابعة, على أساس أنهم أجانب يقيمون في أراضي طرف في النزاع (المواد من 35 إلى 46 من الاتفاقية الرابعة ). وتطلب الاتفاقية الرابعة إلى البلد المضيف معاملة اللاجئين معاملة تفضيلية, والامتناع عن معاملتهم كأجانب أعداء على أساس جنسيتهم لا غير, نظرًا إلى أنهم لا يتمتعون كلاجئين بحماية أية حكومة (المادة 44 من الاتفاقية الرابعة). وقد عزز البرتوكول الأول هذه القاعدة , فذكر أيضًا حماية عديمي الجنسية (المادة 73 من البرتوكول الأول). ويتمتع اللاجئون من بين مواطني أي دولة محايدة في حالة إقامتهم في أراضي دولة محاربة بالحماية بموجب الاتفاقية الرابعة, وذلك إذا لم تكن هناك علاقات دبلوماسية بين دولتهم والدولة المحاربة. وتحافظ المادة 73 من البرتوكول الأول على هذه الحماية حتى إذا كانت العلاقات الدبلوماسية موجودة.وتقضي اتفاقية جنيف الرابعة من جهة أخرى بأنه " لا يجوز نقل أي شخص محمي في أي حال إلى بلد يخشى فيه الاضطهاد بسبب آرائه السياسية أو عقائده الدينية " ( مبدأ عدم جواز الطرد , المادة 45, الفقرة 4 من الاتفاقية الرابعة).وفي حالة احتلال أراضي دولة ما, فإن اللاجئ الذي يقع تحت سلطة الدولة التي هو أحد مواطنيها يتمتع أيضا بحماية خاصة, إذ أن الاتفاقية الرابعة تحظر على دولة الاحتلال القبض على هذا اللاجئ, بل تحظر عليها محاكمته أو إدانته أو إبعاده عن الأراضي المحتلة (المادة 70, الفقرة 2, من الاتفاقية الرابعة).بيد أن مواطني أي دولة الفارين من نزاع مسلح للإقامة في أراضي دولة لا تشترك في نزاع دولي لا يتمتعون بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني (22), ما لم تقع الدولة الأخيرة بدورها فريسة لنزاع مسلح داخلي. ويتمتع اللاجئون عندئذ بالحماية بناء على المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف وأحكام البرتوكول الثاني. وفي هذه الحالة, يقع هؤلاء ضحية لحالتين من النزاع : أولا في بلدهم , ثم في البلد المضيف.وغالبًا ما لا يتمتع اللاجئون بالحماية بموجب القانون الإنساني, كما سبق بيان ذلك, نظرًا إلى أن البلد المضيف ليس طرفًا في نزاع مسلح دولي أو ليس عرضة لأي نزاع داخلي. ويتمتع اللاجئون عندئذ بالحماية بموجب قانون اللاجئين وحده, وينتفعون بأنشطة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وكقاعدة عامة, لا تتدخل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في هذه الحالة إلا بصفة فرعية, إن كانت المنظمة الوحيدة في ميدان العمل. أما إذا حلت محلها مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات, فإنها تنسحب من ميدان العمل لتخصص جهودها للمهمات التي يمكن لها أن تفيد من عملها المميز, وتقدم خدمات وكالتها المركزية للبحث عن المفقودين للاجئين في كل وقت. وفضلًا عن ذلك, فقد ابتكرت برامج طبية جراحية في زمن الحرب للاجئين الجرحى ومع ذلك, فإنها تشعر بأنها معنية عندما يواجه اللاجئون مشكلات أمنية خطيرة في البلدان المضيفة, لا سيما إذا تعرضت مخيماتهم الواقعة بالقرب من الحدود لأعمال العنف, بل حتى لعمليات عسكرية وفي هذه الحالات, تجد اللجنة الدولية نفسها في وضع يمكنها من أداء دور الوسيط المحايد والمستقل, وتتوفر لها اختصاصات مماثلة لاختصاصات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. أما مشكلات الأمن في مخيمات اللاجئين , فإنه تجدر الإشارة إلى وجهيها التاليين: تحديد مكان المخيمات في المناطق الخطرة المعرضة للأعمال العدائية بالقرب من الحدود من جهة, وتواجد المحاربين في مخيمات اللاجئين من جهة أخرى. ولا شك في أن القانون الدولي الإنساني يوفر بعض الحلول للتغلب على هذه المشكلات الأمنية, ولكن يجب أولا وقبل كل شيء احترام هذا القانون. وتمثل مسألة إعادة اللاجئين إلى أوطانهم من المشاغل الرئيسية للجنة الدولية. ففي واقع الأمر, حتى إذا لم تكن تشارك كقاعدة عامة في عمليات إعادة اللاجئين إلى أوطانهم, فإنها ترى أنه يجب على الدول والمنظمات المعنية أن تحدد بالضبط موعد وشروط عودة اللاجئين إلى أوطانهم. ولا جدال في أن معرفتها التامة بالبلد الأصلي للاجئين تسمح لها بتكوين فكرة مفصلة وبتقديم توصيات بشأن عودة اللاجئين إلى أوطانهم مع ضمان أمنهم وكرامتهم. وقد حذرت اللجنة الدولية أكثر من مرة من مخاطر الإعادة المبكرة إلى الوطن في المناطق غير المستقرة أو في المناطق التي دمرت فيها البني الأساسية.وينبغي أن نذكر هنا إشكالية الألغام المضادة للأفراد التي تضر آثارها المخربة بالسكان المدنيين على الأخص. وإذا كانت هذه الألغام تتسبب أحيانًا في تهجير الأهالي , فإنها تتسبب أيضًا في إعاقة تعمير البلدان التي عانت من ويلات الحرب, وتمثل أيضًا عائقًا كبيرًا لعودة اللاجئين والمهجرين إلى أوطانهم وترى اللجنة الدولية أن الحظر التام للألغام المضادة الأفراد سيسمح وحده بوضع حد لهذه الآفة الحقيقية. ومن المهم أن يفكر المجتمع الدولي في إيجاد حل لإشكالية الأشخاص المهجرين المتنامية الصعوبة, ويتعين علينا أن نرحب بالجهود الرامية حاليًا إلى الإحساس بخطورتها, لأنه يعود إليها الفضل في لفت الانتباه إلى مشكلة إنسانية خطيرة .وسنقدم فيما يلي بعض التعليقات المتعلقة بما يدور حوله التفكير حاليًا. هناك أولا مسألة تحسين العمل الإنساني الموجه لخدمة الأشخاص المهجرين. ونظرًا إلى ضخامة أعداد واحتياجات العاملين في المجال الإنساني, وخاصة وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية , من الأهمية بمكان أن يسعى هؤلاء العاملون لزيادة أواصر التعاون فيما بينهم على أساس تكاملي ومع مراعاة اختصاصات كل منهم. ومن الضروري أيضا أن يكون بالإمكان تطوير العمل الإنساني بعيدًا عن الاعتبارات السياسية والعسكرية, إذا أريد له أن يظل محايدًا وغير متحيز حقًا. ولن يكون بالإمكان الوصول إلى جميع الضحايا وتلبية احتياجاتهم إلا إذا تحقق هذا الشرط. ومن المهم أيضا أن تدرك الدول حدود العمل الإنساني الذي, وإن كان لا غنى عنه

مشاركة :