هل لا يزال التعليم العالي يستحق التضحية في زمن المحاضرات الرقمية ومليارديرات لم يكملوا دراستهم الجامعية؟ أدلت مجموعة خبراء في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس برأيهم في هذه القضية. ما قيمة الشهادة الجامعية؟ تستدعي الإجابة عن هذا السؤال تقدير القيمة الاجتماعية للتعليم العالي، التي غالبا ما يفترض أنها جيدة، إزاء قيمة الشهادة الجامعية في سوق العمل. وفي هذه الأيام وبالنسبة لكثيرين، ترجح كفة الميزان بقوة لمصلحة السوق أمام القيمة الاجتماعية للشهادة الجامعية. فمع تزايد شعبية المساقات الجامعية المفتوحة على الإنترنت تسلح المتشائمون من جدوى التعليم العالي التقليدي بمزيد من المبررات ضده. يرى البعض أن المساقات الجامعية المفتوحة التي تجعل مشاهير الأساتذة الجامعيين يقدمون المعرفة لكل العالم مجانا، علاج للبيروقراطية والنخبوية التي ترفع من رسوم التعليم الجامعي. ويتوقع المدافعون عن المساقات الجامعية المفتوحة أن البدائل الرقمية ستجبر القطاع الأكاديمي على التغير لإثبات قيمته في القرن الـ 21. الأمر الوحيد الذي يبدو أكيدا في هذه المرحلة أن التعليم العالي يواجه مصيرا غامضا. وقبل أيام من إعلان المنتدى الاقتصادي العالمي دخوله مجال التعليم عبر الإنترنت، عقدت جلسة نقاش بعنوان "التعليم العالي استثمار أم هدر؟"، وذلك ضمن المنتدى المفتوح في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس السويسرية. شكك جيانبييرو بيتريجيري أحد أعضاء جلسة الحوار وهو أستاذ مساعد في السلوك المؤسساتي في كلية إنسياد، في بعض مزاعم مؤيدي المساقات الجامعية المفتوحة. يقول بيتريجيري: "تسهم المساقات الجامعية المفتوحة في تعزيز التوجهات الثقافية الأوسع، والاستعاضة عن الخصوصية الشخصية لقاء تسهيلات رقمية، لكنني أشعر بالقلق من التفاؤل المفرط والحماس إزاء منح القدرات التعليمية لبلد يفتقر إليها، فذلك أشبه بتصدير الثقافة، وهي عملية سبق أن قمنا بتجربتها في مجالات أخرى. وأحيانا تنجح هذه المساعي لكنها تفشل في أحيان أخرى. ولتمييز الفائدة من تعميم القدرات التعليمية عن ضرر تصدير الثقافة يمكننا الاعتماد على سؤال، وهو: هل يفيد التعليم عبر الإنترنت في تسريع تطوير فئة أكاديمية ماهرة في تلك الدول، أم أن ذلك يبطئ من تلك العملية؟ يوضح بيتريجيري قائلا: إنه لا يعتبر التعليم عبر الإنترنت مدمرا بالضرورة. فمنذ البداية يعمل مزودو المساقات الجامعية المفتوحة بالتحالف مع جامعات مرموقة، وفي هذه الحالة فإن هناك توازنا في العمل بين الطرفين. ويميز بيتريجيري إمكانات التعليم عبر الإنترنت، مؤكدا الحاجة إلى أسلوب عمل خليط يجمع كلا من التعليم التقليدي والتعليم عبر الإنترنت، ويقول: "أي مؤسسة أكاديمية لا تستعد لنوع من النماذج المختلطة فهي تحكم على نفسها بالانقراض". التعليم العالي يتحول إلى العالم الرقمي كيف يبدو هذا النموذج المختلط إذن؟ تقدم دافني كولر عضو هيئة جلسة الحوار وأستاذ علوم الكمبيوتر في جامعة ستانفورد ومؤسس مشارك في مؤسسة كورسيرا التي تزود بمساقات جامعية على الإنترنت، وجهة نظرها بالقول: "أعتقد أن توصيل المحتوى عملية ستوكل إلى نسق الإنترنت، لكي يتمكن الناس من متابعتها حسب أوقاتهم ليتفاعلوا مع المادة بدلا من مجرد الجلوس وأخذ الملاحظات، وسيكون الجزء الذي يتم في قاعة المحاضرات هو القسم الأكثر تحديا، حيث يكون هناك جانب بشري يتفهم ما يجري، ويساعد على إرشاد الطلاب خلال العمل في المساق". يؤكد شون راش رئيس منظمة غير حكومية اسمها جاي إي وورلد وايد، ورئيسها التنفيذي، بالقول: "لن أرغب في الخضوع لعملية جراحية للقلب من طبيب يقول لي قمت بإجراء هذه العملية من خلال لعبة إكس بوكس ولدي مهارة جيدة في ذلك"، من هذا المنطلق أعتقد أن هناك ما يمكن قوله حول دقة التعليم في بعض المساقات المحددة. ولكن ماذا عن الخلاف المحتدم حول مسألة فشل التعليم العالي في تهيئة الخريجين للحصول على الوظائف اللائقة، التي يحتاجون إليها فعلا لسداد ديون القروض الطلابية؟ تشير أنجيل جوريا عضو هيئة الجلسة، سكرتير عام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، إلى أن "البطالة بين الشباب من حملة الدبلوم قد زادت؛ لأن البطالة ازدادت بصورة عامة" لكنها أيضا تقول: "لمن لديهم دبلوم منكم يمكنني أن أقول إن فرص خسارتكم وظائفكم ستكون أقل من فرص خسارتكم وظائفكم لو لم تكن لديكم شهادة جامعية". يؤيد بيتريجيري ذلك قائلا: "في كل بلد تقريبا يمكنك النظر إلى العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الجامعية، فهي نصف نسبة من لا يحملون شهادات جامعية". ومع اختتام النقاشات عارض بيتريجيري إدخال مقولات ثنائية زائفة في الحوار، ويلفت إلى أن التعليم العالي سواء جرى عبر الإنترنت أو وجها لوجه، فإنه يحتاج إلى احترام هدفه الأسمى، وهو منح الخريجين مهارات ترتبط بالعمل ووسائل التعبير الذاتي، ويقول: "أحد أروع جوانب التعليم، عندما تحقق النجاح، أنها تجمع بين الأهداف العملية والإنسانية. وتساعدك على القيام بالمهام، كما تساعدك على أن تصبح الشخص الذي ترغب في أن تكونه، وبمجرد اختلال التوازن بين الاثنين سنفقد كثيرا وقتها.author: بنجاميين كيسلرImage:
مشاركة :