قطر تندفع لشراء ود الدول الكبرى تحت وطأة اشتداد عزلتها الإقليميةالمعالجة السياسية القطرية لملف الأزمة الناجمة عن مقاطعة الدول الأربع للدوحة بسبب دعمها للإرهاب بلغت درجة كبيرة من الارتباك يعكسها خطاب دبلوماسي أشبه بكوكتال من التناقضات تجتمع فيه عبارات ومعاني المظلومية والدعوات إلى الحوار جنبا إلى جنب الإساءات والاتهامات، وصولا إلى خطاب الحرب و”القتال”.العرب [نُشر في 2018/01/26، العدد: 10881، ص(3)]صورة مشوشة دافوس (سويسرا) - تندفع قطر بشكل متزايد نحو التقرّب من الدول الكبرى مع تعمّق شعورها بالعزلة في محيطها المباشر، وإحباطها من عدم تمكّنها من إيجاد مخرج سريع من أزمتها الناجمة عن مقاطعة كلّ من السعودية والإمارات ومصر والبحرين لها بسبب دعمها للإرهاب، في ظلّ تمسّك الدول الأربع بتنفيذ مطالبها الجوهرية من الدوحة وعلى رأسها تغيير سياساتها المهدّدة لأمن المنطقة واستقرارها. وفيما كان وزير الخارجية القطري يومئ من منبر دافوس السويسرية متودّدا لإرادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب محاولا استرضاءها بعد حملة اتهامات قطرية لها بالانحياز للدول المقاطعة لقطر، كان السفير القطري في موسكو يعلن عن صفقة سلاح جديدة مع روسيا ستمكّن الأخيرة من نيل حصّة لها من مال الغاز القطري لتلحق بباقي الدول الكبرى التي سبق أن نالت حصصها وتتطلع للمزيد. ويأخذ محلّلو الشؤون الخليجية على القيادة القطرية ارتباكها الشديد في معالجة أزمتها، والتناقضات البيّنة في خطابها السياسي المتعلّق بتلك الأزمة. وفي مقابل رهن القيادة القطرية لقرار البلد وسيادته لدول أجنبية بما فيها تركيا وإيران، وربط مواقفه من قضايا المنطقة بمواقف تلك الدول المفصّلة على مقاس مصالحها (على غرار المساندة القطرية التامة للعملية العسكرية التركية في الشمال السوري)، يغالي المسؤولون القطريون في الحديث عن “السيادة الوطنية” في ما يتّصل بالعلاقة مع بلدان الخليج، “دون وجود ما يدلّ على رغبة أي بلد خليجي في انتهاك تلك السيادة”، بحسب مراقبين. وقال وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، الخميس، إنّ بلاده لن تكون أبدا في دائرة النفوذ السعودي. وأضاف متحدّثا للموقع الإخباري الفرنسي أوبينيون انترناسيونال “نحن مقتنعون بأن السعودية تريد قطرا خاضعة لنفوذها وهذا لن يحدث أبدا”، مؤكّدا أنّ “لقطر هويتها واستقلالها وتاريخها. وتتخذ قراراتها بكل استقلالية وهذا الأمر غير قابل للتفاوض وسيبقى كذلك في المستقبل”. وفي لهجة تصعيدية غير متوقّعة، قال الوزير إنّ “الشعب القطري مستعد للقتال دفاعا عن سيادته وعلينا الاستعداد لحماية شعبنا”.صفقة سلاح قطرية جديدة من روسيا ضمن سلسلة أطول من الصفقات الهادفة لشراء صداقة الدول الكبرى بأموال الغاز ولم يتردّد في اتهام “السعودية بزعزعة استقرار المنطقة”، مشيرا إلى الوضع في لبنان واليمن، رغم أنّه يوجد شبه إجماع دولي كامل على أنّ الأوضاع في البلدين هي نتيجة مباشرة لدور إيران وحليفيها هناك حزب الله وجماعة الحوثي. ويختلف الخطاب الرسمي القطري “الخشن” بشأن بلدان الخليج، جذريا عن خطاب “الغزل” تجاه إيران وتركيا والولايات المتحدة وباقي الدول الكبرى. ورغم ما طفا على السطح بشأن خلافات قطرية مع إدارة ترامب التي سبق لها أن عبّرت عن ارتيابها بشأن دور قطري في دعم الإرهاب، حرص وزير خارجية قطر على مجاملة واشنطن بتجديد الثقة فيها كطرف أساسي في حلّ الأزمة القطرية مع البلدان العربية. وقال الوزير القطري لوكالة رويترز إن الدوحة لا تزال تعوّل على الدعم القوي من الرئيس الأميركي دونالد ترامب للمساعدة في حل الأزمة. ولا تستثني قطر استخدام مقدّراتها المالية المتأتية من عوائد الغاز الطبيعي في شراء “صداقة” الدول الكبرى، وعلى الأقل صمت تلك الدول على ما تعلمه بالوقائع والوثائق عن أنشطة قطرية في دعم الجماعات الإرهابية في أماكن مختلفة من العالم. وأعلنت قطر على لسان سفيرها لدى موسكو، فهد محمد العطية، عن اهتمامها بشراء منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية المتطورة إس 400، وأن المفاوضات مع روسيا حول شراء مثل هذه المنظومات وصلت إلى مراحل متقدمة. وتثير هذه الصفقة المزيد من الأسئلة على الإنفاق الضخم لقطر على التسلّح بما يتجاوز قدرات قواتها المسلّحة محدودة العدد، ما يجعل مراقبين يعتبرون أنّ الهدف من صفقات السلاح سياسي يتمثّل في شراء ودّ الدول الكبرى خصوصا وأن قطر تواجه مشاكل مع محيطها بسبب دعمها للإرهاب. وفي تصريح لوكالة “تاس” الروسية قال العطية إن المفاوضات حول شراء منظومة دفاع جوي وصلت إلى مراحل متقدمة، مضيفا أنه “فضلا عن منظومة الدفاع الجوي، فإن الحديث يدور كذلك عن تكنولوجيا للقوات البرية”. وأوضح أنه تم توقيع اتفاقية تعاون عسكري تقني بين قطر وروسيا، خلال زيارة وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو إلى الدوحة في أكتوبر الماضي، مؤكدا أن ذلك يفتح الطريق للتعاون بين البلدين في مجال الدفاع، بما في ذلك شراء المعدّات العسكرية، وإعداد الضباط والجنود، والصيانة التقنية. كما نقل موقع “روسيا اليوم” عن السفير قوله “في أقرب وقت سيتم تعيين ملحق عسكري قطري في موسكو وكذلك ملحق عسكري روسي في الدوحة”. وتسعى قطر من تسريع عقد صفقة الإس 400 لدعم التقارب مع موسكو وأن تُذيب عدم الثقة المترتّب عن سنوات حرب الشيشان حيث كانت روسيا تتهم قطر بشكل علني بدعم الإرهاب في الجمهورية القوقازية، قبل أن تمارس الدوحة دورا مضادا للدور الروسي في سوريا، لتضطرّ بعد ذلك إلى تعديله مسايرة لموقف تركيا التي تحوّلت بدورها من الصدام مع روسيا في سوريا إلى التوافق معها.
مشاركة :