إعادة الاعتبار لكاتب الأساطير اليومية وعذابات الإنسان المسحوق

  • 1/30/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إعادة الاعتبار لكاتب الأساطير اليومية وعذابات الإنسان المسحوقبالرغم من العطاء الأدبي الكبير للكاتب المصري الراحل سليمان فياض في القصة القصيرة والرواية وأجناس أدبية أخرى فقد اختزل كل هذا العطاء في روايته “أصوات”، وكان تسليط الضوء عليها وسيلة لحجب الأضواء عن سليمان فياض ومشروعه، حيث لم تحظ بقية مؤلفاته بكتاب يقف على أدوات الكاتب ورؤاه، ويتناول أعماله في شمولها.العرب  [نُشر في 2018/01/30، العدد: 10885، ص(14)]كاتب القرية المصرية القاهرة- يكتسب كتاب نبيل الشاهد عن “بنية السرد في القصة القصيرة.. سليمان فياض نموذجا”، أهميته وجدّته، حيث يكشف عن رؤية خاصة للعالم تنطلق من الاندماج والامتزاج بالعالم اليومي للفرد المسحوق في عالم المدينة، ومن الأساطير والطقوس والخرافات والمحن التي تمر بها الأمة تنطلق رؤية سليمان فياض لكشف العالم الداخلي للإنسان وواقعه بناء الشخصية تستنطق الدراسة، الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة، النص نفسه في محاولة للوصول إلى القضايا التي انشغل بها سليمان فياض، منذ مجموعته “عطشان يا صبايا” حتى مجموعة “حكايات المجاورين” 2007، وفي مقدمتها قضايا الحرية والعدالة الاجتماعية ثم قضايا الفقر والمرأة. لكن مع حرص الباحث على عدم الوقوع في شراك البنيوية، التي تبدأ من النص لتعود إليه غافلة عن الظروف التي أنشأت النص أصلا. يرى نبيل الشاهد أن الشخصية هي بؤرة القصة عند فياض، إذ تتعلق بها كل المكونات الأخرى، وكانت دراستها تتمّ انطلاقا من مفهوم قديم يربط بين الشخصية الفنية والوجود الواقعي للشخص، موضحا أن الكاتب اهتم بدلالات الأسماء، فغالبا ما يمنح شخصيات أعماله أسماء دالة على طبيعة الشخصية أو بيئتها. وتلحظ الدراسة تغييب اسم الشخصية في الكثير من قصصه، ويرتبط ذلك بنوع فن القصة القصيرة، فكاتبها يسعى إلى طرح فكرة أو تصوير موقف وقد لا يحتاج إلى تمييز الشخصية باسم مميز لها، وقد يكتفي بذكر صفة أو لقب للشخصية. ونظرا إلى أن الكاتب يسعى لإكساب شخصياته أبعادا مادية تقترب صورتها من الواقع المعيش، فقد اهتم القاص بالملامح الجسدية لشخصياته، حيث يتولى راوي سليمان فياض وصف الملامح الجسمية لشخصياته مركزا على وجوه شخصياته عموما،. كذلك ارتبطت الأوصاف الجسدية عنده بطبيعة عمل الشخصية كما في قصة “وفاة عامل مطبعة”، وانتبه سليمان فياض أيضا لدور الملابس في إكساب الشخصية بعدا ماديا، وبارتباطها بالملامح الجسمية للشخصية كما في قصص مجموعة “الذئبة” حيث رصد الراوي ملابس المرأة/ الذئبة في أكثر من قصة إحداها استمدت اسمها من الملابس، وهي قصة “جاكيت من الفرو الرخيص”. وفي مجموعاته الأولى التي اهتمت بتصوير البيئة الريفية الفقيرة دلت الملابس على الوضع الطبقي لمن يرتديها فكانت أغلب نساء القصص يرتدين الملابس السوداء. وفي قصة “العيون” يرصد الأستاذ الجامعي من خلال تغيّر الملابس حركة المد الديني في الثمانينات من القرن الماضي. وعن الدور الوظيفي لاحظت الدراسة أن معظم شخصيات القاص سادومازوشية، فالطاغية/ السادي يستعذب إيلام الآخرين لأن ذلك يشعره بسطوته بينما المقهور/ المازوشي يتقبل الألم لخوفه وشعوره بالدونية. كذلك لاحظت أن للموت حضورا كبيرا في قصص فياض، وهو لا يأتي إلا لضرورة فنية كما في قصة “العيون” حيث يكون الموت تعبيرا عن رفض عم سالم للحياة، فهو لم يسلم من ترصد العيون له حيث يجد نفسه متهما دائما بالتسبب في وقوع كل مصاب، فكأن نبذه اجتماعيا تسبب في موته نفسيا قبل موت الجسد.لكل قصة فضاء خاص بها الزمن والأمكنة يتداخل الزمن مع كل المكونات السردية فللقص زمنه المتخيل، المختلف عن زمن الواقع في القصة القصيرة التي هي أصلا زمن مهما كان المنظور الذي يتناولها، وترى الدراسة أن سليمان فياض من الكتاب الذين يؤطرون كتابتهم باستخدام العديد من التحديدات الزمنية، ففي القصص الريفية لفياض يحدد الزمن بالفيضان والجفاف وجني المحصول. كذلك تصبح الصلوات في القرية علامة زمنية دالة، لذا لا تستخدم الساعة للدلالة على الزمن في قصص القرية، على العكس من قصص المدينة. أما عن التقنيات فيلاحظ الباحث أن الاسترجاع يمثل التقنية الأثيرة عند سليمان فياض فلا تخلو قصة عنده من استخدام الاسترجاع، بل إن قصصا كثيرة تعتمد تماما في بنائها على تلك التقنية التي تجعل من الحاضر مجرد نقطة بداية للسرد يعود منها إلى الوراء. أما الفضاء القصصي عند فياض فهو الإطار العام الذي يحيط بمجموع الشخصيات والأحداث القصصية، وهو يشمل مجموع الأماكن التي يرد ذكرها في القصة، ويرى النقاد أن لكل قصة فضاء خاصا بها، يميزها ويحدد شكلها في ذهن المتلقي. وتذهب الدراسة إلى أن تشكيل البنية المكانية عند فياض يعتمد في الغالب على فضاء القرية/ المدينة. وتدور أحداث القصص في قرى الدلتا أو في المدن القريبة منها باستثناء قصة واحدة اعتمدت فضاء مغايرا هي قصة “الغريب” التي تناولت “عمال التراحيل” في إحدى قرى الصعيد، لكن القرية عموما عند فياض غير مسماة، فهي عنده مجرد قرية في ريف مصر المتشابه إلى حدّ التطابق. ويبدو أن صورة القرية الوحيدة التي عايشها سليمان فياض لم تتغير، فثمة صورة واحدة -ينهل منها دائما- للقرية وقد عايشها الكاتب قبل رحيله إلى المدينة، فثمة مجموعة من المظاهر شكلت فضاء هذه القرية أهمها القرية/ الأسطورة. أما فضاء المدينة فقد سيطر على ثلثي قصص فياض وبالرغم من ذلك يصعب تحديد ملامح صورة عامة لها، فصورة المدينة عنده شاحبة، فقيرة حتى أنه يمكن تغيير اسم المدينة دون أن يحدث أي اختلاف لعدم وجود خلفية مدنية واضحة فمثلا كورنيش النيل في القاهرة يشبه الكورنيش في المنصورة، وكذلك المقهى والشارع، وكلها خلفيات باهتة غير مؤثرة، كذلك فبطل أو راوي فياض يكره المدينة وعالمها الشرير، خصوصا القاهرة التي قهرته وقهرت أبطاله. ربما لذلك لم تخل مجموعة من مجموعاته القصصية التي تواتر صدورها على مدى نصف قرن من قصة ريفية.

مشاركة :