محاضرة للزواوي بغورة في «كاب» غاليري

  • 1/31/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مهاب نصر | كثيرا ما يتداول الحديث عن تطوير المنظمة التعليمية في الوطن العربي بما يتلاءم مع مستجدات العصر، وتنمية الحس الإبداعي لدى الأجيال الجديدة، وإنهاء التوجيه القسري، والحشو المعلوماتي المبالغ فيه. مع هذا فيبدو أن التعثر المستمر في هذا الشأن لا ينبع من قصور خطة التطوير فحسب، وإنما من معوقات متعددة الوجوه، تشمل جوانب سياسية وأخرى تخص ثقافة المجتمع برمته، أو على الاقل بعض تياراته المؤثرة. ويتجلى ذلك في الموقف شديد التحفظ والالتباس تجاه تدريس مادة الفلسفة، التي تعد أساسا للتفكير الناقد، وللحوار المبني على فرز الأسس والقناعات واختبارها، وعلى البرهان والاستنتاج العلمي، ما يسمح بدور مبادر نشط للطلاب، ويضع «الحقيقة» دائما موضع تمحيص واختبار، وهو ما يتكفل بإنهاء التعصب والعنف. من هنا تأتي أهمية الندوة التي أقامتها منصة الفن المعاصر (كاب) مستضيفة د. الزواوي بغورة، أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت، ليلقي محاضرة بعنوان «تجارب في تعليم الفلسفة.. تعليم الفلسفة للأطفال مثالا». تعرض بغورة أولا إلى حال تدريس الفلسفة في البلدان الغربية وتجاربه المختلفة، لافتاً الى المفارقة بين الحضور المتزايد للدرس الفلسفي في بعض البلدان الغربية والآسيوية، وتراجع تدريس الفلسفة في الوطن العربي، بحيث بات مقصيا تماما من مناهج بعض الدول، بينما يضم على استحياء إلى مناهج أخرى. وقال بغورة إن ما يحدث في العالم العربي على مستوى تعليم الفلسفة يتسم بمفارقة صارخة تتجلى في التباين بين الأقوال المعلنة والأفعال المتحققة. ونقصد بذلك الاعلان والدعوة إلى الإصلاح، وبخاصة اصلاح المنظومات التعليمية، وذلك لما تحمله من جوانب سلبية تغذي التعصب والتطرف، وفي بعض الأحيان تنمي النزوع نحو العنف والإرهاب، وتبتعد عن قيم الحوار، والنقاش، والتسامح مع القيم المغايرة في هذا الوقت نجد الخطط الاصلاحية المعتمدة إما أنها تميل إلى التقليل من شأن تعليم الفلسفة أو تعمل على استبعادها، سواء التعليم الثانوي أو الجامعي. وفي هذا السياق، نشير إلى الغاء المملكة الأردنية لتعليم الفلسفة في المرحلة الثانوية، حيث استبدلتها بالثقافة العامة، ويجري حاليا في لبنان نقاش حول الفلسفة غرضه الأساسي التقليل من المساحة التي تحتلها في المنظومة التعليمية، كما أن الفلسفة لا تدرس في المرحلة الثانوية في السودان، وكذلك الحال في معظم البلدان الخليجية، وذلك تحت دعاوى دينية وإيديولوجية ونفعية عفا عليها الزمن، باستثناء دولة الكويت التي تتميز بتجربة رائدة في تعليم الفلسفة على مستوى التعليم الثانوي والجامعي، تجربة تحتاج إلى أن تتعزز أكثر على مستوى المجتمع المدني، وأن تنفتح على التجارب التعلمية الجديدة حتى تتمكن من التحول إلى نموذج تستفيد منها المجتمعات الخليجية بوجه خاص، والمجتمعات العربية على وجه العموم. تجارب وأسئلة التجربة التي تناولها بغورة تتعلق بتدريس الفلسفة للأطفال، والتي ترى في الطفل القدرة على طرح أسئلة جوهرية رغم بساطتها، وهو ما يمكن أن يختبره كل منا في الأسئلة المحرجة التي يطرحها الأطفال على الكبار. أهمية تدريس الفلسفة للأطفال، وفق بغورة، هي توسيع نطاق الدرس الفلسفي وإخراجه من نطاق التعليم الثانوي في مرحلته النهائية، وفي أقسام الفلسفة في التعليم الجامعي، وادماجها في المدرسة والمجتمع، ومن ثمة التوجه إلى جمهور جديد وواسع نسبيا. وهذا يعني أن الفلسفة لم تعد مقصورة، من حيث التعليم، على أستاذ الفلسفة، وإنما يقوم بتعليمها منشطون، ومهتمون، ومعلمون في المدارس، وبذلك تتحول الفلسفة إلى نوع من الفرع المعرفي المتعدد الاختصاصات. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: ما الذي يميز هذه التجربة/التجارب أو الممارسة الجديدة القائمة على معارف متعددة كالفلسفة، وعلم النفس، وعلم التربية؟. الرواية والتفلسف تناول بغورة تجربة تعليم الفلسفة للأطفال في الولايات المتحدة الأميركية في نهاية سبعينات القرن العشرين، وذلك بفضل جهود الأستاذين ماثيو ليبمان ومارغريت شارب من جامعة مونتكلير بولاية نيوجرسي. وقد تمثلت الطريقة التي اتبعها هذان الأستاذان في توظيف الرواية في تعليم الفلسفة. وكتبا في هذا الشأن سبع روايات موجهة إلى التلاميذ الذين تتكون أعمارهم من أربع سنوات إلى ثماني عشرة سنة. وشخصيات وأبطال هذه الروايات أطفال يتفلسفون في قضايا فلسفية عامة. وهذا يعني أن العملية التعليمية قائمة منذ البداية على الممارسة والتطبيق والتجريب. ولم تكن هذه الروايات روايات فلسفية، وإنما هي روايات تبين وتظهر كيف يتفلسف الأطفال. وقد كتبت هذه الروايات وفقا لمقياس أو معيار أساسي يتمثل في مناقشة الأسئلة الفلسفية الكبرى في الاخلاق والجمال والسياسة والميتافيزيقا، وتحتكم إلى نموذج توجيهي نقرأه في محاورات أفلاطون، ومفاده أن هناك فكرة أولية عن الجمال أو الحقيقة، أو الخير، أو العدل، وأن المطلوب هو العمل على استخراج هذه الأفكار من ذهن أو عقل التلميذ/ الطفل، وهو ما يسمى بالطريقة التوليدية التي اتبعها سقراط كما هو معلوم. دور المعلم أضاف د. بغورة: تعكس هذه التجارب على اختلافها، الحاجة الاجتماعية للفلسفة التي يماثلها ما يعرف بالمقاهي الفلسفية، أو فكرة المختبر الفلسفي التي تعززت بفكرة الفلسفة في المدرسة، والفلسفة العلاجية، والفلسفة والعمل، والفلسفة والتكوين، والفلسفة والفن. وأكد بغورة أن أهمية التجارب المطروحة في تعليم الفلسفة للأطفال في كونها تطرح عددا من المشكلات، لعل أهمها مسألة المعنى والحقيقة وطريقة البرهان. كما تطرح هذه الطريقة مسألة دور المعلم أو المنشط في هذه العملية. وهل عليه أن يقدم الجواب الصحيح الذي يتضمن المعنى والحقيقة والبرهان، أم عليه أن يلتزم الحياد ويكتفي بالتنظيم؟ وكيف ما كان الجواب عن هذا السؤال، فإن سؤالا آخر يفرض نفسه وهو: ما نوع التكوين العلمي والتربوي الذي يجب أن يخضع له هؤلاء المعلمون؟ وأخيرا ما هي المؤسسات التربوية التي تستقبل هذا التعليم، هل هي المدارس الابتدائية؟ أم المدارس الاعدادية؟ أم منظمات وأندية المجتمع المدني ووسائل التواصل الاجتماعي؟.

مشاركة :