في انتظار العدو اللبناني بقلم: فاروق يوسف

  • 2/1/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

اختفى العدو الفلسطيني عام 1982، واستعاد لبنان أراضيه من العدو الإسرائيلي عام 2000، غير أن شبح العدو اللبناني لا يزال واقفا بين منعطف وآخر.العرب فاروق يوسف [نُشر في 2018/02/01، العدد: 10887، ص(8)] فشل اللبنانيون في استيعاب دروس الحرب الأهلية التي شهدتها بلادهم ما بين عامي 1975 و1990. ضللتهم جملة غسان تويني “حرب الآخرين على أرض لبنان”، فلم يروا حقيقة ما فعلوه بأنفسهم. كانوا القتلة وأدوات القتل معا. ولو لم يكونوا كذلك لما تمكن الآخرون منهم. لقد اختفى “العدو” الفلسطيني عام 1982، واستعاد لبنان أراضيه من “العدو” الإسرائيلي عام 2000، غير أن شبح العدو اللبناني لا يزال واقفا بين منعطف وآخر. فإذا ما كانت اتفاقية القاهرة (في العام 1969) قد وسعت الهوة بين الطوائف اللبنانية حين جعلت من الفلسطينيين طرفا في المعادلة السياسية الهشة التي تحكم العلاقة بين بعضها والبعض الآخر، فإن اتفاق الطائف (1990) أنهى الحرب الأهلية على أساس التسليم بنظام طائفي إلى الأبد، سيزيد من هشاشة الدولة. لقد تقاسم يومها أمراء الطوائف، وهم زعماء ميليشيات، الغنيمة. لبنان وأهله كانا تلك الغنيمة التي سلمها السلام لمُشعلي الحرائق. كانت الخديعة تكمن في سوء الفهم الذي صار متاحا بالنسبة للجميع. لقد انتصر المحاربون، بكل ما تنطوي عليه تلك النتيجة من قسوة واستخفاف وتهور. أما قاموس الهزيمة فقد تُرك للشعب مفتوحا ليتعرف من خلاله على خسائره المهينة. لقد هُزم الشعب اللبناني يومها في حين خرجت الميليشيات التي أشعلت نار الحرب منتصرة. هي قسمة غير عادلة صنعت تاريخا للبنان قائما على الاستقواء بالسلاح. القوي فيه يأكل الضعيف. ربع قرن من الزمن تضخمت فيه قوة حزب الله الممول من إيران، وتراجع فيه دور حزب الكتائب اللبنانية الذي كان ملاذا تاريخيا للمسيحيين المتحزبين. صارت رموز الحرب أيقونات وطنية، منزّهة لا تُمس. وهي معفية من المساءلة. تفعل ما تشاء. تقول ما تشاء. تخطئ كما تحب وهي ليست ملزمة بتصحيح أخطائها أو الاعتذار. لا يملك أحد الحق في أن ينكر عليها استباحتها للدولة وتحكمها بمصالح ومصائر الناس الذين هم العامة التي تنظر بإجلال إلى مجمع الآلهة، هناك حيث يجلس الرؤساء. يتفق أمراء الحكم فتضيع الحقيقة ويغمض اللبنانيون عيونهم كمدا وذلا. يختلف أمراء الحرب فيضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم وكلهم خشية من دنو الساعة. لقد حول الزعماء الريفيون لبنان إلى إقطاعيات شخصية. لكل واحد منهم إقطاعيته التي تضم شعبه. مجازا يسميهم الإعلام سياسيين ليبدو لبنان كما لو أنه دولة تعددية ديمقراطية. والكل يعرف أن بعضهم لا يطيق بعضا ويتمنى لو لفظته الأرض وانمحى أثره. السياسة في لبنان هي نوع من البلطجة. مزيج من الترهيب والتخويف والتهديد والقهر والإجبار والقمع في ظل غياب واضح لدولة القانون التي تستند إلى مبدأ المواطنة. لا مواطنة في لبنان. المواطنون مجازا يتوزعون رعايا بين مناطق، كل واحدة منها توالي زعيما، تناصره في انحرافه، كون ذلك الانحراف يمثل مصالحها القائمة على سرقة فرص الآخرين. لذلك تحرص جميع الأطراف على ألا يُغضب بعضُها البعضَ الآخر. وهي تدوس على الحقيقة من أجل أن يعم السلام بين الزعماء. لكل زعيم إقطاعية ملفاته التي إن هدد بفتحها تُقطع الألسن التي تذكره بالسوء. وهي ملفات فساد، صار القاعدة التي يتعامل معها اللبنانيون باعتبارها شرط حياة. عن طريق الفساد يصنع ذلك الإقطاعي شعبه الذي ينتظر الفرصة لإثبات ولائه لرمز بقائه مغمورا بنعمة الإفلات من القانون. الشعوب اللبنانية تلك مستعدة لتدمير لبنان من أجل أن تبقى رايات زعمائها مرفوعة. كل هذا إنما هو نتاج نظام محاصصة طائفية، كان الغرض منه إنهاء حرب هشمت اللبنانيين، غير أنه في الوقت نفسه كان بداية لحرب كامنة همشت اللبنانيين ووزعتهم بين إقطاعيات أمرائها. كاتب عراقيفاروق يوسف

مشاركة :