عرفت منطقة الخليج باستخدام البخور منذ القدم وأصبح جزءاً من تراثها وعاداتها وتقاليدها وطابعاً يميز حياة أفراد المجتمع.. فلا يخلو بيت من أطياب البخور وماء الورد والعود، حيث تكثر استعمالاته في المناسبات مثل الزواج والأعياد وفي شهر رمضان وفي الديوانيات. تتنوع المسميات والأصناف فهناك البورمي والكمبودي والهندي والماليزي، وتختلف جودة كل نوع حسب مكوناته ومصدره. عرفت الكويت البخور من خلال التجارة والسفر إلى الهند وزنجبار كمصدر رزق آخر إلى جانب البحر والغوص على اللؤلؤ، فكان التجار يجلبون البخور ضمن البضائع التي تباع في الكويت، ومع تطور الزمن أصبح البخور من الضروريات. تجولت في سوق المباركية في وسط العاصمة الكويت الذي يعتبر من الأسواق القديمة التي تم تجديدها واشتهرت بمحال بيع البخور والعطور الشرقية والعود، والتقيت بإحدى أشهر تجار بيع البخور مؤسسة دار المرشود للطيب والعطور وتحدثت مع رازي عبدالرحمن المرشود ليخبرنا عن هذه التجارة وأصناف البخور فيقول: تجارة البخور تناقلتها العائلة أباً عن جد ونحن اليوم نكمل هذه المسيرة التي أسسها الأجداد منذ سنوات طويلة، وقد أحببت العمل في مهنة جدي ووالدي نفسها واستهوتني كثيراً. منذ البداية نحرص على جودة نوع البخور التي اعتاد عليها زبائننا في ظل المنافسة ووجود العديد من المنتجات والشركات، فالمكونات الطبيعية تشكل أساس جودة البخور والعود ولاسيما أن البخور يعد من احتياجات الفرد الكويتي وكذلك الخليجي فهناك اهتمام كبير لأنواع البخور والجديد من العود وما يطرح في الأسواق. من أكثر الأنواع المنتشرة بالسوق الكويتية الهندي والكمبودي والبورمي وأيضاً الماليزي واللاوسي وبالفترة الأخيرة السيلاني والتايلندي ولكن يبقى الهندي والكمبودي الأفضل بين الأنواع وأسعاره باهظه، فسعر التولة الواحدة (12 غراماً) من نوع الدوبل سوبر Double Super وهو أعلى صنف وأغلى الأنواع ثمناً إذ يراوح بين 120-140 ديناراً كويتياً وأحياناً قد يصل الكيلو (84 تولة) إلى 8000 دينار كويتي، ونوع السوبر Super أقل ثمناً وجودة، وأيضاً هناك النوع العادي، وبشكل عام يعتمد السعر على نوع البخور وجودته. أما أكثر المستهلكين للبخور في العالم هم الصينيون واليابانيون. وفي الكويت الزبائن من مختلف الفئات العمرية والشباب يبحثون عن الأفضل والأغلى. وعن أكثر المواسم التي فيها طلب على شراء البخور يقول رازي المرشود في الأعياد وفي شهر رمضان لافتاً إلى أن اليوم مع وجود العطور الفرنسية أصبح الاستهلاك أقل نوعاً ما. أما عن الزبائن الذين اعتادوا على شراء البخور فيقول: نستقبل زبائن من مختلف دول الخليج السعودية والأمارات والبحرين وقطر وحتى الإخوة العرب من زوار ومقيمين وكذلك الأجانب الذين يحبون التعرف على عادات وتقاليد البلد ويشترون البخور كتذكار وهدايا. ويشير رازي المرشود إلى أن البعض ما زال يفضل استخدام دهن العود كعطر والطلبات كثيرة خاصة في فصل الشتاء ولكن يتطلب طريقة حفظ خاصة للحفاظ على مكوناته الطبيعية وجودته، وأن يتم اختيار النوع الأصلي لأن البعض يضيف بعض المواد التي تفسد جودته. كما أن الشباب من الزبائن الدائمين الذين يجدون في البخور عبق الماضي وعطراً فواحاً. عادة مستمرة يعج السوق أيضاً بمحال بيع العطور الفرنسية والأجنبية بمختلف أنواعها إلا أن زبائن البخور كثر، يجدون مبتغاهم في محال بيع البخور. تقول نورية عبدالمحسن: إن البخور جزء من الحياة اليومية للأسرة الكويتية، من الشباب والكبار فنجد من يستعمل العطور الفرنسية أيضاً يستعمل البخور قبل الذهاب للعمل أو في الزيارات وتضيف قائلة: اعتدت على استعمال البخور كل يوم لنثر عبق مريح ورائحة حلوة في المكان، وفي رمضان تتنوع الأصناف خاصة أن في هذا الشهر تكثر الزيارات. ويقول عبدالرحمن الشمري: منذ أن كنت طالباً في أمريكا وأنا استعمل البخور وكنت أجلبه معي وأحياناً يستوقفوني بالمطار للتفتيش لكن تعودت على استعماله وعرفت أصدقائي الأجانب على أنواعه ومصادره، وغالباً اشتري بخور البورمي الذي تعبق رائحته بالمكان والمبثوث استخدمه في الأيام العادية. كما يمكن اختيار البخور كهدية قيمة في المناسبات خاصة أن هناك أنواعاً بأسعار مرتفعة. مصدر البخور تعتبر شجرة العود (البخور) الدائمة الخضرة مصدر البخور وهي شجرة معمرة يصل ارتفاعها إلى 20 متراً بالإضافة إلى نوع يعرف ب Khasiana Aquilaria، وهي شجيرة لا يتجاوز ارتفاعها 8 أمتار. لون خشب العود أبيض خفيف ورقيق دون رائحة، وعند تشريح الساق توجد أنسجة اللحاء جنباً إلى جنب مع أنسجة الخشب. أما أزهار العود تراوح بين 4 و12 زهرة، وهي صغيرة مخضرة تبقى من شهر أبريل إلى مايو. تنمو أشجار العود (البخور) في المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية من قارة آسيا، خاصة في الأرض الجبلية غير العالية والسفوح ذات التربة الرملية وتحديداً في منطقة آسام الهندية الغنية بأنواعها الثلاثة: النوع الأول : Aquilaria agallocha، وهو الأكثر انتشاراً في آسام. النوع الثاني: Aquilaria malaccensis ويتركز في المناطق الحدودية مع بورما وفي بورما. النوع الثالث: Aquilaria Khasiana، عبارة عن شجيرات توجد في منطقة جبال خسيان الهندية وهناك أنواع أخرى تنمو في بورما وكمبوديا وفيتنام وإندونيسيا وماليزيا حتى الصين. البخور أو العود عبارة عن مادة ذات لون داكن ناتجة عن عملية تحول الخشب الأبيض الرقيق إلى خشب داكن اللون، ويحتوي على دهن وزيوت طيارة نتيجة إصابة النبات بأنواع من الفطريات بسبب جرح الساق من الحشرات أو بآلة حادة، وهذه الأجزاء المصابة من النبات تسمى ب «عود» ويتم الحصول على خشب العود من الأشجار المعمرة التي يراوح عمرها بين 70 سنة و150 سنة وفق طريقة قطع متأنية بأيدي متمرسين ومتخصصين ثم البدء بعملية التصفية والتلميع والفرز. أما دهن العود فهو زيت ذو رائحة طيبة يتم الحصول عليه من شجر العود المصاب وذلك بعد التقطير، وتكون عملية التقطير والتحضير مكلفة ما ينعكس على سعره الباهظ. يصل عمر الشجر إلى 150 سنة والنوع الرخيص منه يكون منتجاً من شجرة عمرها 30 سنة. ولمعرفة دهن العود الأصلي توضع نقطة منه في كوب ماء، فإذا ذاب الدهن بالماء فهو أصلي، وإذا بقيت نقطة دهن العود على سطح الماء ولم تختلط فهذا غير أصلي ومغشوش. تأثيرات على الصحة على الرغم من كثرة استعمال البخور كرائحة وطيب في الأيام العادية وفي المناسبات إلا أن هناك من لا يستعمله أو يحاول تقنين استعمالاته لسبب أو آخر. من بين تلك الأسباب الحالة الصحية لمرضى الجهاز التنفسي، عن هذا الجانب يوضح لنا اختصاصي أمراض الحساسية والمناعة الدكتور ناصر الأحمد فيقول: يعرف الملوث الجوي بأنه أي مادة بالجو تؤدي إلى ضرر للإنسان والبيئة والملوثات قد تكون على شكل جزيئات صلبة أو مواد متطايرة أو غازات وقد تكون بسبب طبيعي أو بفعل الإنسان. والملوثات تنقسم إلى ملوثات أولية أو ملوثات ثانوية، الملوثات الأولية عادة ما تبعث بطريقة مباشرة للبيئة مثل انبعاث أول أكسيد الكربون من عوادم السيارات أو ثاني أكسيد السلفر الذي ينبعث من بعض المصانع، أما الملوثات الثانوية فهي لا تنبعث للهواء مباشرة بل تتكون بالهواء. كما أن هناك ملوثات أخرى في الأماكن المغلقة كالبيت والمكتب من أهمها دخان السجائر والفحم ودخان المطبخ وغازات التدفئة والأبخرة الناتجة عن الأصباغ والبخور وغيرها من الملوثات الأخرى خاصة أن العديد من الأشخاص يقضون جزءاً كبيراً من حياتهم في هذه الأماكن بنسبة تعادل 80 إلى 90% من حياتهم ولعل مرضى الربو والحساسية هم أكثر من يعانون بمثل هذه الملوثات. وعن آثار استعمال البخور على هؤلاء المرضى يقول د. الأحمد: أظهرت نتائج دراسات حديثة أن للبخور تأثيراً سلبياً على النسيج الرئوي فمن عملية حرق البخور تولد ملوثات داخل المنزل التي تتسبب بدورها بالتهاب في رئة الإنسان وتم تحليل العديد من المواد المتطايرة مثل أكسيد الكربون وثاني أكسيد السلفر وأكسيد النتروجين ومدى تأثيرها على هؤلاء المرضى، ووجد أن التأثير السلبي للبخور على خلايا الرئة يتشابه مع تأثير دخان السجائر. كذلك، قد يصاحب الأدخنة الناتجة عن البخور أعراض صحية أخرى مثل الصداع، الشعور بالضعف والوهن، ضيق التنفس، الغثيان، تدهور أعراض الربو، ومشاكل عديدة أخرى، لذا ينصح بابتعاد هؤلاء المرضى عن أماكن التلوث باختلاف أنواعها وعن البخور أيضاً لتفادي أي مضاعفات أو حدوث أزمات في الجهاز التنفسي ولاسيما أن الأشخاص المعرضون لهذه المؤثرات ولفترات طويلة هم أكثر عرضة لحدوث مشاكل صحية.
مشاركة :