قصائد فروغ فرخزاد.. يدان دافئتان تحت الثلج

  • 2/1/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مهاب نصر| في حوار لها عن الشعر الجديد في زمانها تسخر الشاعرة الإيرانية فروغ فرخزاد (1934 – 1967) من استمرار تقاليد لم تعد ملائمة، وأفكار تدل على فقدان الحس بالواقع واكتشاف جوهره. هكذا تهزأ بـ«مجانين» الشعراء الذين لا يفطنون إلى أن «ليلى» المعاصرة ربما تكون امرأة تقود سيارة سباق. لا يعني ذلك أن نوعًا ما من الجنون كانت تقبض عليه فرخ زاد سواء في سيرتها الشخصية أو أشعارها أو نشاطها الفني المتعدد الوجوه رغم حياتها القصيرة.في أعمالها الشعرية الكاملة الصادرة عن «دار المدى» بترجمة مريم العطار، نستطيع أن نتلمس جانبًا من الرحلة الحافلة والخاطفة في الآن نفسه، لشاعرة بقدر ما كان رغبتها في «الطيران»، بقدر ما كانت السرعة التي تقصف بها جناحه، فذهبت حياتها في حادث مأساوي بعد اصطدام سيارتها بحافلة وهي في مطلع ثلاثيناتها.تقول مترجمة الأعمال الكاملة في مقدمتها «الفردية هي إحدى أهم النقاط التي تمتلكها الشاعرة في مجمل قصائدها، الصفات الإنسانية أيضا هدفها الصريح، «فروغ» بملامح قصائد جديدة مختلفة، تجسد ثقل ما تعانيه، تضع بولادة أخرى لمحة حزينة من التاريخ».أسيرة وحرّةليست مفارقة أن تحمل المجموعة الأولى من القصائد عنوان «الأسيرة». فهي على العكس تشي بذلك الوعي الساعي التجاوز. قصائد ذاتية، لكن ما يميزها هو مفرداتها القوية الحادة، وصعودا مع مجموعات قصائدها تبدو العناوين وكأنها منحنى يتأهب للطيران. «الأسيرة»، «الجدار»، «العصيان»، «ولادة أخرى».من المجموعة الأولى نقرأ في قصيدة «الحلم»:هذه أنا.. أزلية بهذا الانزواءبذكريات الماضيبذكريات حب مؤلم مملوء بالحسراترحل وانطفأ بقلب القبرفوق أنقاض الأمليد أوقدت شمعةرجل بنظرة ثاقبةمن عمق القبر ينظرضجرتُ، قلتُ: يا للويل.. هذا هو مرة أخرى.تجربة ثريةبحياة زوجية قصيرة انتهت بالطلاق، ثم بمشفى للأمراض العقلية، وبحب وعلاقة غامضة بالقاص والمخرج السينمائي إبراهيم كلستان، وبمحاولتين للانتحار، ثم الموت المفاجئ ملأت فرخزاد حياتها بالتجربة الثرية فشاركت في صناعة أفلام قصيرة، وفي التمثيل، وسافرت إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا. وكرمت في السويد متلقية عرضًا لإنجاز فيلم هناك وطبعت أشعارها باللغات الألمانية والإنكليزية والفرنسية والسويدية.كانت مجموعة من رسائل فرخزاد قد نشرت العام الماضي في كتاب «فروغ فرخزاد: سيرة أدبية ورسائل غير منشورة»، للباحثة ميلانه فرزاني أستاذة الأدب الفارسي في جامعة فرجينيا في الولايات المتحدة، كما نشرت بعض نصوصها النثرية المهمة ورسائلها ومقابلات معها بترجمة خليل علي حيدر (طبعة دار العين والمركز القومي للترجمة). في الكتاب الذي ترجمه «حيدر» تكشف فرخزاد عن جوانب من رؤيتها النقدية للحركة الشعرية في وطنها، ونتبين بعض المشكلات المشتركة بين البيئة الثقافية التي تحكي عنها الشاعرة، والبيئات الثقافية في وطننا العربي، ومعاناة أجيال الفنانين من التحولات العاصفة التي مرت بها بلادهم وطبيعة المجتمع اللامبالي. «نصف آثام عدم تطور ونضج الشعر اليوم يتحملها مجتمع لا يزال أعظم أماني أفراده الاشتراك في مسابقة.. والاستماع إلى أغاني.. وأعظم كتّابه «حسين قلي مستعان»، ورمز ذوقه الجمالي المطربة مهوش».ولادة أخرىتكتب مترجمة الأعمال الشعرية الكاملة «فروغ فرخزاد أو امرأة في تاريخ الشعر الفارسي استطاعت أن تكتب بمطلق الحرية مستخدمة أقسى العبارات، تطلقها دون الرجوع للعقائد المكتسبة الموروثة، بل تأخذها من صدى الطبيعة الخالصة في قلبها وحسها الوجداني». مع تطورها الفني تعثر الشاعرة على مواطن الزيف، تكتب حينا ثاقبة وساخرة تكشف المجتمع. في قصيدتها «أيها البلد الثمين» ضمن مجموعة «ولادة أخرى» نقرأ:بين شوارع هذه المدينة المليئة بالمواهببين ظلال أعمدة التلغرافسأسير بقدمي بسعادةوبغرور سأكتب على جدران المراحيض العامةجملاً تذكارية مضحكةأنا منذ يوم غدكمواطن يعهد بوطنهستكون لي حصة من اجتماعات تنعقد كل مساءيوم الأحدحصة من ألف مواطن شهوانييهدر ماله على ثلاجة وأريكة وستارة..التنبؤ بالنهاياتنشرت مجموعة «فلنؤمن بطليعة الموسم البارد» بعد وفاتها بسنوات، حيث صدرت عن دار مرواريد في عام 1974. في القصيدة التي تحمل المجموعة عنوانها تبدو فروغ فرخزاد وكأنها تتنبأ بالنهايات، بزوال الحلم، مع هذا ثمة إيمان قوي بميلاد آخر، أمل يصبح في الحبيب فكرة أكثر من كونه حضورا مجسدا.فلنؤمن بطليعة الموسم الباردفلنؤمن بانهدام بساتين التخيلاتبالمناجل المقلوبة العاطلةبالبذور المسجونةانظر كيف يهطل الثلجربما الحقيقة تلك اليدان الشابتان تلك اليدان اللتان دفنتا تحت هطول الثلوج.

مشاركة :