يكشف الدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الحميدي، المدير العام ورئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي، في حوار مع «الشرق الأوسط» عن الكثير من المبادرات التي يتبناها الصندوق لتحقيق الشمول المالي، وتذليل العراقيل التي تواجه الشباب والمرأة للنفاذ إلى سوق العمل، وإلى خطوط التمويل، وتشجيع الأفكار الخلاقة لدى الشباب لاستغلال التكنولوجيا لخلق فرص عمل، ومواجهة تحدي البطالة التي تصل في المنطقة العربية إلى 29 في المائة، وتنفيذ التوصيات التي خرج بها مؤتمر الازدهار للجميع لتعزيز الوظائف والنمو الشامل في العالم العربي.ويؤكد الحميدي أن نسبة الشباب في التركيبة السكانية تتجاوز 70 في المائة، وهي نعمة لا بد من استغلالها، ويشير إلى عمل صندوق النقد العربي مع الحكومات لتشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمكينها من الحصول على تمويل وتسهيل الإجراءات وإصلاح البيئة الضرائبية. وينظم الصندوق في منتصف شهر فبراير (شباط) المقبل في دبي، المنتدى الثالث للمالية العامة، ويشارك فيه صندوق النقد الدولي وعدد كبير من وزراء المالية العرب والخبراء الماليين والمؤسسات الدولية، لتبادل الخبرات ومساعدة الدول العربية على مواجهة العجز في موازين مدفوعاتها.ويساهم صندوق النقد العربي برأسمال يبلغ مليار دولار لتمويل دعم التجارة البينية بين الدول العربية، ويتبنى مبادرة لإنشاء تسوية أو مقاصة عربية؛ بهدف تسهيل تسوية التجارة البينية وتفعيل الاستثمارات البينية العربية والتحويلات العربية. وإلى نص الحوار...> كيف ترى مشاركة صندوق النقد العربي في مؤتمر الازدهار للجميع، وما الدور الذي يمكن للصندوق القيام به في تنفيذ توصيات المؤتمر؟- صندوق النقد العربي هو منظم رئيسي لمؤتمر الازدهار للجميع، ومن بين أهداف المؤتمر التركيز على فئات مثل الشباب ذكوراً وإناثاً... ونسبة الشباب تحت 40 عاماً في منطقتنا العربية تصل إلى 70 في المائة، بينما المناطق الأخرى في العالم تعاني من الشيخوخة، واستغلال هذه الطاقات يوفر الكثير من الفرص والازدهار.المؤتمر كان فريداً ومتميزاً في ربط الموضوعات بالواقع العملي، وتشجيع ابتكارات الشباب عبر مسابقة تقدم لها أكثر من خمسين مشاركاً، والهدف هنا أن نخاطب الشباب في الوطن العربي أينما كانوا، ونؤكد أن الإبداع ليس له سقف، وأن هناك من يدعمه ويعمل لتذليل العراقيل التي تواجه الشباب والمتعلقة بالنفاذ إلى الأسواق والنفاذ إلى التمويل.وصندوق النقد العربي يعمل مع الحكومات، ولدينا مبادرة للشمول المالي، وأحد الأركان الأساسية للشمول المالي هو كيف نستطيع أن نصل إلى الشباب ليكونوا جزءاً في هذا القطاع المالي، وتمكينهم من الوصول إلى التمويل. والإحصاءات تشير إلى أن لدينا معدلات متدنية في نسبة نفاذ الشباب إلى التمويل، والاستفادة من الخدمات المالية بجميع أنواعها، سواء كان تمويلاً أم فتح حسابات أو ثقافة الادخار. وجزء من مبادرة الشمول المالي هو ربط هذا الموضوع بالتعليم، والربط بين المؤسسات المالية ووزارات التربية والتعليم في الدول العربية ليبدأ التعليم المالي منذ الصغر.أيضاً، جذب القطاع الاقتصادي غير الرسمي إلى القطاع الرسمي من خلال هذه المبادرة، مع مراعاة احتياجات كل دولة عربية على حدة لبناء استراتيجية للشمول المالي في كل منها. وقد أعلنا هذه الاستراتيجية في مؤتمر بالأردن وفي مدينة شرم الشيخ في مصر. وصندوق النقد العربي يقوم بالأمانة الفنية لمجلس محافظي المصارف المركزية في الدول العربية؛ لذا المبادرة تأتي تحت مظلة مجلس محافظي المصارف المركزية، ونتبادل الخبرات في هذا المجال، ولدينا فريق للشمول المالي وله اجتماعات متعددة ويقدم مقترحاته لكل دولة عربية، وشركاء مثل المؤسسة المالية للتنمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والتحالف الدولي للشمول المالي، والبنك الإسلامي للتنمية والوكالة اليابانية للتنمية ومؤسسة بيل غيتس للتنمية، ومؤسسة التنمية الفرنسية، وهناك يوم عربي للشمول المالي هو 27 أبريل (نيسان) من كل عام، وهو اليوم الذي وقع فيه اتفاقية تأسيس صندوق النقد العربي.> أي الدول في المنطقة العربية استطاعت أن تأخذ خطوات حثيثة في هذا المجال؟- كل دولنا العربية لديها اهتمام بالشمول المالي، والتجارب متنوعة ومختلفة؛ فالمغرب لديها تجربة في الشمول المالي وربطه بالتعليم، والأردن لديها تجربة في عملية الشمول المالي مع المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وفي لبنان تجربة من خلال «مصرف لبنان» لتشجيع البنوك من خلال آلية يعتمدها المصرف المركزي لتزويدها بالتمويل، وتجربة بالكويت من خلال صندوق يدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتجربة السعودية من خلال برنامج «كفالة» الذي يقدم القروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وفي مصر شركات لضمان إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة والفلاحين، وفي السودان من خلال المصرف المركزي... فكل دولة لها تجربتها الخاصة، لكننا نحتاج إلى استراتيجية واضحة للسنوات المقبلة تقيّم أين نحن اليوم، وأين سنصل خلال سنوات، وهذا يتطلب إحصاءات دقيقة، وفريقنا للشمول المالي سيوزع خلال الأشهر المقبلة استبياناً لكل دولة، بحيث نعرف أين نقف في الشمول المالي إحصائياً.> تعاني المنطقة العربية من ارتفاع مستويات البطالة والفقر... وتحدث مسؤولو المنظمات العربية والدولية في المؤتمر عن مخاطر هذه المعدلات العالية، فما الذي يمكن عمله لموجهة هذه المشكلات المزمنة؟- أحد التحديات الكبيرة التي تواجها الدول العربية هو ارتفاع معدلات البطالة بين فئات الشباب لتصل إلى 29 في المائة، وتصل بين الشابات إلى 44 في المائة. هذا تحدٍ وفرصة ونعمة أيضاً، ومعدلات البطالة المرتفعة لا يجب أن تخيفنا إذا استطعنا استغلال وتوجيه هذه الفئة لكي تعمل وتبدع... ومع استخدامات التقنية، فليس هناك حدود للابتكار، ويمكن أن يأتي الابتكار من أقل الدول نمواً أو أكثرها نمواً من الناحية الاقتصادية؛ ولذلك الطريقة التي بدأت تتحدث عنها المؤسسات لمواجهة البطالة هي تشجيع مبادرات مبتكرة للشباب، وكيف نخدم هذه الفئة بالتعليم المالي والتدريب والنفاذ للتمويل، وتشجيع المرأة بشكل خاص، وقد أطلقنا مبادرة بالبحر الميت منذ عام ونصف العام، شعارها «النهوض بالمرأة العربية مالياً».ونستطيع أن نحوّل دولنا العربية لأن تكون منطقة واعدة باستغلال هذه الطاقات واستخدام التقنية الحديثة، وعلينا خلق منتجات مالية من خلال المؤسسات المالية تقابل احتياجات الشباب. فمثلاً 70 في المائة من المشروعات الصغيرة والمتوسطة لا تحصل على تمويل من المؤسسات المالية، والكثير من الأفكار الإبداعية قد تكون موجودة بالقطاع غير الرسمي؛ ولذا نحتاج إلى أن ننظر بسياساتنا وإجراءاتنا لنجذب هذه الأفكار من القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي. ونحتاج إلى أن ننظر إلى مؤسساتنا التعليمية، وننظر للتعليم المهني بنظرة مختلفة، وربطة باحتياجات السوق.> تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة القاطرة الأساسية لخلق فرص عمل، لكنها تعاني من ضعف التمويل الذي يصل إلى 2 في المائة فقط من إجمالي الناتج القومي، كيف يمكن دعم هذه المشروعات بفتح فرص أكبر للتمويل؟- الطريق لتحقيق نهوض اقتصادي في الوطن العربي تأتي من المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ فهي الموظّف الرئيسي للطاقات، وبخاصة الشباب، ويصل حجم تلك المشروعات بالمنطقة ما بين 20 إلى 40 في المائة، ونحتاج إلى أن نوجد البيئة المشجعة لهذه المشروعات. لدينا في الصندوق نافذة إقراضية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وبرنامج معونة فنية لكل دولة لمساعدتها على وضع برنامجها الخاص، وهو لا يتعلق فقط بالنفاذ المالي، وإنما تسهيل الإجراءات وإصلاح البيئة الضريبة، أو تخصيص جزء من مشتريات الحكومة لهذا القطاع وتشجيع تمويل المصارف للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين المعلومات الائتمانية. وهناك ارتباط كبير بين هذه البرامج ومبادرة الشمول المالي.> تواجه سياسات الدعم في الدول العربية انتقادات كثيرة مع حصول الأغنياء على مزايا من برنامج الدعم، وهناك مطالبات بتحسين مستهدفات هذه السياسات وتخفيضها تدريجياً... ما رؤية الصندوق حول إصلاح منظومة الدعم وتحسين استهداف الطبقات الفقيرة؟- الصندوق يتولى أمانة مجلس محافظي المصارف المركزية وأمانة مجلس وزراء المالية العرب؛ ولذلك يدرك احتياجات الدول العربية فيما يتعلق بالتنمية المالية وأسواق رأس المال واحتياجات الدعم المالي. ومسألة الدعم أحد الموضوعات المهمة التي نناقشها، وقد أعد الصندوق استبياناً كبيراً وورقة حول أين يذهب الدعم. وهناك إدراك كبير لدى الدول العربية بضرورة إصلاح منظومة الدعم، وقد أوقفت بعض الدول دعم المشتقات النفطية، والباقي لديه رؤية وخطة لوقف هذا الدعم تدريجياً.وبتسعير الخدمات كافة بأسعارها الحقيقية يمكن أن يكون لدينا القدرة على تقديم الدعم لمن يستحقه. والصندوق لديه برنامج لإصلاح مالية الحكومات، سواء لإصلاح منظومة الدعم، أو النفقات الجارية وإصلاح الأنظمة الضريبية لتنشيط الاقتصاد والاستثمار. والإصلاحات الاقتصادية يرافقها برامج لمساعدة الفئات الضعيفة في مجالات للصحة والتعليم.> صندوق النقد الدولي يعمل على مساعدة الدول في تمويل العجز الكلي في موازين مدفوعاتها، فما الذي حققه صندوق النقد العربي في هذا المجال؟ وما تحضيرات الصندوق للمنتدى الثالث للمالية العامة الذي يعقد الشهر المقبل في دبي؟- مهام صندوق النقد العربي الأساسية منذ إنشائه هي مساعدة الدول العربية على مواجهة العجز في موازين مدفوعاتها، وتستطيع الدول أن تتقدم بطلب قروض لتسهيل سد العجز، لكن من المهم أن يرافق ذلك برنامج إصلاحي. ومنتدى المالية العامة الثالث يعكس الشراكة العميقة بين صندوق النقد العربي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات الدولية الأخرى، وسيشارك وزراء المالية لمناقشة هموم المالية العامة في منطقتنا العربية، سواء النفقات الجارية أو فاتورة الأجور أو تنويع الإيرادات العامة والأنظمة الضريبية والثورة الرقمية واستخدامها في المالية العامة. وسيكون اللقاء متميزاً، ويتيح محادثات مباشرة بين وزراء المالية والمؤسسات الدولية حول التحديات، وتبادل التجارب والتنسيق بين وزراء المالية والبنوك المركزية؛ لذا سيكون لقاءً ثرياً بين صانعي السياسات المالية والنقدية في قاعة واحدة. وتقدم وزارة المالية في دولة الإمارات مساعدة لوجيستية كبيرة لدعم المنتدى.> لا يزال هناك الكثير من القيود على انتقال رؤوس الأموال بين الدول الأعضاء بالصندوق... فمتى يمكن التفاؤل بإمكانية إزالة هذه القيود؟- التفاؤل دائماً موجود، وصندوق النقد العربي لديه برنامج قائم لتمويل التجارة البينية العربية برأس مال مليار دولار لدعم الصادرات والواردات البينية العربية، ويدعم في الوقت نفسه وإرادات السلع الرأسمالية من خارج الوطن العربي التي تساهم في الإنتاج. هذا التسهيل يقدم تمويلاً من خلال الوكالات الوطنية، مثل وزارات المالية أو البنوك المركزية أو البنوك التجارية.ورغم انخفاض أرقام التجارة البينية، فإنها مؤشر إيجابي؛ لأن الكثير من الصادرات والواردات العربية هي لمشروعات صغيرة ومتوسطة. ونبحث كيف نعزز موارد هذا البرنامج للمساعدة في إزالة القيود التي تعوق التجارة البينية، ولدينا مبادرة برعاية مجلس وزراء المالية ومجلس محافظي المصارف المركزية لإيجاد نظام للتسويات العربية؛ لأن التجارة البينية العربية تحتاج إلى بنية تحتية؛ فالتجارة البينية لن تنتعش إذا وجدت السلع ولم يوجد نظام نقل كفء أو النظام الذي يسهل التسوية؛ لذا فإن نظام التسويات العربي يهدف إلى تسهيل تسوية التجارة البينية وتفعيل الاستثمارات البينية العربية والتحويلات العربية، ويضاف إلى ذلك استخدام العملات العربية في التجارة البينية، بمعنى أن تاجراً في بلد عربي يتفق مع التاجر الآخر في بلد عربي آخر على استخدام عملة أي البلدين من خلال هذا النظام وتسوية قيمة هذه التجارة. هذا النظام سيقبل أي عدد من العملات العربية طالما اتفقت الأطراف، وسيوفر الكثير من الوقت والتكلفة.وقد وافق مجلس محافظي المصارف المركزية العربية وستقدم هذه المبادرة لمجلس المديرين التنفيذيين في اجتماعه القادم في مارس (آذار)، ومتفاءل أنه سيتم رفعه إلى مجلس محافظي الصندوق في اجتماعه القادم في أبريل في البحر الميت... وعند الموافقة سيتم إنشاء مؤسسة جديدة للتسوية والمقاصة العربية لتسهيل التجارة البينية العربية. والمؤسسات العربية تتمتع بالديناميكية الكافية لمواجهة التغيرات التي تمر بها الدول. ولدينا رؤية أن يرتبط نظام التسوية العربي بأنظمة تسويات في مناطق أخرى (خارج المنطقة العربية) لتفعيل التعاملات العربية والشركاء التجاريين خارج المنطقة.> هل لا يزال الاتحاد النقدي والعملة العربية الموحدة حلماً بعيد المنال؟- لا يوجد حلم بعيد المنال إذا توافرت الإرادة، النظام المقترح للتسوية من الممكن أن يساعد في هذا الاتجاه؛ لأنه يجعل العملات العربية مقبولة في التجارة البينية، ولدينا عملة حسابية هي الدينار العربي الحسابي، ويتم نشر المركز المالي لصندوق النقد العربي بالدينار العربي الحسابي، والوحدة الحسابية موجودة، وإذا وجدت الإرادة يمكن أن نحقق هذا الحلم.
مشاركة :