سعيد ياسين (القاهرة) تمر اليوم الذكرى الثالثة والأربعين لرحيل كوكب الشرق السيدة أم كلثوم التي توفيت في 3 فبراير 1975، ورغم مرور هذه السنوات الطويلة على وفاة هرم مصر الرابع، وصاحبة القامة الغنائية والوطنية، والقيمة الفنية الكبيرة، فإن حضورها لا يزال طاغياً، ولا تزال روائعها وأغنياتها ومواقفها خالدة وباقية، وتزداد قيمتها بمرور السنوات، ولا أدل على ذلك من تزايد مطالب الكثيرين خلال الآونة الأخيرة، وفي مقدمتهم المهتمون والعاملون بالثقافة والفنون والآداب، بضرورة استخدام الفن كقوة ناعمة لعودة الريادة إلى مصر في شتى المجالات، ضاربين المثل بأم كلثوم التي قاتلت لسنوات طويلة بسلاح الفن. علاقات وطيدة كانت أم كلثوم أشهر مثال على العلاقة الوطيدة التي تجمع الفن والسياسة، خصوصاً فيما يتعلق بعلاقتها مع الرئيس جمال عبد الناصر وثورة الضباط الأحرار، ودورها وسط حالة اليأس والإحباط التي طالت الجميع، وفي مقدمتهم كبار الأدباء والفنانين والمطربين بعد نكسة يونيو 1967، في قيادة مبادرة كبيرة لدعم المجهود الحربي، حيث أحيت العديد من الحفلات داخل مصر في العديد من المحافظات، وفي العديد من الدول العربية والأجنبية وعلى أكبر مسارح العالم، ومنها تونس والمغرب والسودان ولبنان وليبيا والبحرين والعراق وباكستان وفرنسا، كما أحيت حفلين في أبوظبي في نوفمبر 1971، وجمعت مبالغ مالية طائلة من إيرادات هذه الحفلات في مختلف البلدان، قيل إنها زادت عن ثلاثة ملايين دولار، وهو رقم كبير جداً في ذلك الوقت، وقدمته بالكامل لدعم المبادرة، كما قدمت مجموعة من السبائك الذهبية والمصوغات، التي جمعتها من الوطن العربي، وكان الناس يعتبرونها رمزاً للعروبة وللوطنية، وشاركها المصريون الحس الوطني، فدفعوا أضعاف ثمن التذاكر لحضور حفلاتها، دعماً للوطن، وإلى جانب هذا الدعم المادي الكبير، أسهمت في رفع الحالة المعنوية للمصريين، من خلال العديد من أغنياتها الوطنية، ومنها «صوت الوطن» و«أنشودة الجلاء» وأغنية «السد»، و«ما أحلاكي يا مصر» و«حبنا الكبير» و«إنا فدائيون» و«سير بإيمان وبروح وضمير» وغيرها، واللافت أنها لم تحصل على جنيه واحد طوال 4 سنوات من حصيلة الأموال التي جمعتها للمجهود الحربي خلال الفترة من 1967 إلى 1971. أسطورة غنائية لا تزال أم كلثوم صاحبة الرحلة الطويلة المليئة بالكفاح والإصرار والحرص على التفوق، تمثل ظاهرة شهد لها الشرق والغرب كأسطورة غنائية يصعب تكرارها، ورغم مرور أكثر من أربعة عقود على رحيلها، فإنها لا تزال محل احترام وحب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، إلى حد جعل المراقبين يؤكدون أن العرب لم يلتقوا على حب شخص كما التقوا على حب أم كلثوم، وأنها تمثل منطقة الإجماع النادرة للعرب، وكان لثقافتها وسعة اطلاعها وإجادتها اللغة العربية وحفظ الشعر العربي القديم والحديث، مقارنة بعشرات المطربين الذين عاصروها أو جاؤوا بعدها، دور كبير في تفردها وتميزها انعكس على ما تركته لأجيال الأمة العربية، وكان لها فضل كبير في جعل الجماهير العربية تقبل على الشعر تقرأه وتستوعب مراميه وأبعاده، خصوصاً بعدما شدت بالعديد من عيون القصائد العربية، ومنها «ولد الهدى» و«نهج البردة» و«سلو كؤوس الطلا» لأحمد شوقي، و«ثورة الشك» لعبد الله الفيصل، و«الأطلال» لإبراهيم ناجي، و«أراك عصي الدمع» لأبي فراس الحمداني، و«رباعيات الخيام» و«أقبل الليل» لأحمد رامي، و«أغداً ألقاك» للهادي آدم، و«هذه ليلتي» لجورج جرداق، و«مصر تتحدث عن نفسها» لحافظ إبراهيم، وهي كانت وراء تعريف الجمهور العربي بعشرات الشعراء، حيث غنت لـ52 شاعراً، في مقدمتهم أحمد رامي الذي كتب لها 147 أغنية تعادل 46.7% مما غنـت، ويليه بيرم التونسي الذي كتب لها 39 أغنية. ... المزيد
مشاركة :