من أبسط البديهيات السياسية، عندما نريد أن نوجد علاقة بين الأطراف المتنازعة، مع اندلاع أزمة ما والأطراف الأخرى ذات العلاقة، فإن أول سؤال يخطر على بالنا في مثل تلك الحالة: مَن هو الطرف صاحب المصلحة الأكبر من بين تلك الأطراف الأخرى من جرّاء اشتعال تلك الأزمة؟ ذلك أنه يفترض أن مثل تلك الأطراف ستبذل أقصى جهدها من أجل تصعيد تلك الأزمات وإطالة أمدها لتحقيق أكبر قدر من الاستفادة من النزاع الذي يدور حولها ويصب في نهاية المطاف في مصلحتها. بالطبع فإن أول ما يمكن التفكير فيه في الأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة هو أن إيران وإسرائيل هما الطرفان الأكثر استفادة من تأزّم الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. ولسنا في حاجة لتقديم الدلائل والبراهين لإثبات هذه الحقيقة، فعدا أن هاتين الدولتين الاستثناء الوحيد الذي لا تستهدفه التنظيمات الإرهابية، فإن انشغال دول المنطقة، ومعها العديد من دول العالم في الحرب على تلك التنظيمات يطلق يد إيران في تطوير برنامجها النووي، وتحقيق مخططها الشرير في سوريا والعراق ولبنان واليمن، بما في ذلك دعم نظام بشار الأسد وضمان تفكك العراق وإثارة الاضطرابات في لبنان، والتدخل المباشر في الشأن اليمني، حيث لم يعد خافيًا أن طهران وراء التمدد العسكري الحوثي في أرجاء اليمن، وأنها المحرك الرئيس في إثارة الاضطرابات في جنوبه، إلى جانب استمرارها في ذات الوقت في تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون الخليجي. أمّا إسرائيل فإنها تجد في تلك الظروف فرصة سانحة لإطلاق يدها في العدوان والاستيطان وتهويد القدس والتنصل من التزاماتها إزاء عملية السلام، وهو ما حدث بالفعل على أرض الواقع من خلال عدوانها الوحشي على قطاع غزة الصيف الماضي، وحمّى الاستيطان غير المسبوقة التي تستشري في الضفة الغربية، والقدس العربية. لكن الأخطر من ذلك هو أن إسرائيل تحقق انتصارًا بلا حرب على العرب بانقسام وتفتيت دول عربية ذات سيادة إلى دويلات هزيلة، وهو الحلم الذي طالما سعت إلى تحقيقه. اليوم تحاول إسرائيل -إلى جانب ما سبق- استثمار الوضع الراهن في المنطقة من خلال الحملة التي يشنها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو على الفلسطينيين بعد مقتل فلسطيني من عرب 48 في العراق كان يقاتل مع "داعش"، والقول إن هناك نحو 30 فلسطينيًّا يقاتلون مع "داعش"، إلى جانب ما رددته وسائلها الإعلامية من تسليمها الأجهزة الأمنية الفلسطينية معلومات تقول فيها إن هناك خلايا نائمة في الضفة الغربية تروج لـ"داعش" في صفوف الشبان الفلسطينيين. وكأنها تريد أن تجري غسيل دماغ جديد للعالم بأنها تحارب داعش في غزة والضفة نيابة عن العالم! اللافت أن تصريحات نتنياهو لتبرير الإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين تزامنت مع تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن تجدد المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سيشكل تحولًا مركزيًّا في الحرب ضد "داعش"، وأن عدم حل الصراع سيؤجج الوضع ويؤدّي إلى انضمام المزيد من الشبان لـ"داعش". أهمية تصريحات كيري التي ربط فيها بين استمرار النزاع وتمدد داعش تؤكد الحقيقة التي يتعين على إسرائيل التسليم بها إن كانت جادة بالفعل إزاء التوصل إلى السلام مع الفلسطينيين، وهي أن حل القضية الفلسطينية على أساس المرجعيات والقرارات الدولية من شأنه حل كافة القضايا الأخرى التي تهدد أمن واستقرار المنطقة بما في ذلك الإرهاب. وهو ما يعني بوضوح أن وضع إسرائيل العراقيل أمام تحقيق حل عادل ودائم وشامل لنزاعها مع الفلسطينيين على أساس حل الدولتين الذي تنص عليه مبادرة السلام العربية يضعها في نفس خانة التنظيمات الإرهابية. وهو ما ينطبق أيضًا على إيران التي تركز جهودها على نشر الفوضى والاضطرابات في المنطقة، وتأجيج الصراعات الطائفية بما يوفر لها البيئة المناسبة لتحقيق مشروع الهلال الشيعي على أنقاض الخراب والدمار الذي تلحقه الآن في العراق وسوريا واليمن، فهل من يقظة عربية جامعة لمواجهة هذا التحالف الإرهابي الخبيث؟!
مشاركة :