إسرائيل تدرك أنّ نظام المصالح الإيراني في العراق وفي الخليج وفي سوريا وإلى امتداد الهلال الشيعي هو الغاية في حسابات أولويات الأمن القومي الإيراني وليس خوض حرب أو مواجهة معها.العرب علي الأمين [نُشر في 2017/09/12، العدد: 10749، ص(9)] تطرح الضربات العسكرية الجوية داخل الأراضي السورية بين فترة وأخرى السؤال الإسرائيلي، لا سيما أن الطرح الأيديولوجي الذي يتضمنه الخطاب الإيراني بامتداداته في المنطقة، يحيل كل مواجهاته في المنطقة إلى شعار مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، فعلى طول خط المواجهات من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان، يطرح المنتمون إلى المحور الإيراني هذه المقولة، فيما يتولى فيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني إدارة هذه المواجهات العسكرية بأشكال مختلفة. قبل أيام أغارت الطائرات الإسرائيلية مجددا على مركز أبحاث سوري في محافظة حماه تردد أنّه يقع تحت إدارة حزب الله، فيما تحدّث النظام السوري الذي اعترف بحصول الضربة عن مقتل جنديين سوريين، وتضمن البيان إشارة إلى أنّ عملية إطلاق الصواريخ تمت من الأجواء اللبنانية، علما أن المكان المستهدف كما ذكرت وكالات الأنباء يبعد 70 كلم عن مطار حميميم حيث أقيمت أكبر قاعدة روسية جوية في سوريا. الرد الوحيد على الغارة جاء من النظام السوري وكان أشبه بإعلان رسمي يؤكد حصول الضربة من دون أن يتضمن أي تهديد بالرد على إسرائيل، فيما لم يصدر عن حزب الله فضلا عن الجانب الإيراني أي تعليق أو ردة فعل، بينما بقي التساؤل مطروحا حول إمكانية قيام إسرائيل بتوجيه ضربات في الأراضي السورية من دون التنسيق مع روسيا، خصوصاً أنّ روسيا هي الطرف الذي يسيطر على الأجواء السورية، ويمتلك العشرات من المنصات لصواريخ س400 على الأراضي السورية لم تتحرك ولو مرة واحدة خلال العشرات من الضربات الإسرائيلية داخل الأراضي السورية. لا يخفى على المتابعين أن الصحافة الإسرائيلية تتحدث منذ سنوات وتحديدا منذ نهاية حرب 2006 في لبنان، عن حرب جديدة تستعد لها إسرائيل ضد حزب الله، وفي موازاة التصعيد الإعلامي الإسرائيلي والذي قابله تحذير مستمر من حزب الله، كانت الحدود تشهد أكبر فترة من الهدوء شهدتها الحدود اللبنانية مع إسرائيل منذ نشأة الكيان الصهيوني. مؤدى الوقائع الميدانية رغم الضجيج الإعلامي والتهديدات خلال السنوات العشر الماضية سواء لجهة الاستعدادات العسكرية والمناورات التي تجريها إسرائيل، أو حديث حزب الله عن الآلاف من الصواريخ الموجهة لإسرائيل، أنه ثمة مصالح مؤمنة للطرفين أي حزب الله وإسرائيل، جعلت حزب الله على سبيل المثال يضخ أكثر من عشرة آلاف مقاتل على الأقل في الحرب السورية منذ عام 2013 من دون أن يظهر أي تخوف من إمكانية قيام إسرائيل باستغلال مثل هذه الخطوة العسكرية لتوجيه ضربة له، وهذا مؤشر على أن المطلوب إسرائيليا هو حماية الاستقرار على حدودها الشمالية، وحزب الله أظهر حرصا شديدا على منع أي خرق أمني لهذا الهدوء، وهذا ما تشهد عليه الوقائع في السنوات الخمس الماضية على طول الحدود اللبنانية مع إسرائيل بخلاف بعض الأخطاء التي كانت تحصل قبل ذلك من إطلاق صواريخ مجهولة المصدر باتجاه إسرائيل من دون أن تؤدي إلى أضرار لا يتبناها حزب الله كما حصل أكثر من مرة بين 2007 و2011. ما الذي يجعل إسرائيل مهتمة بتوجيه ضربات إلى بعض المراكز العسكرية السورية أو بعض القوافل العسكرية المحملة بالسلاح المتجهة من سوريا إلى لبنان؟ ربما يجدر بنا أن نسأل لماذا تمنعت إسرائيل عن توجيه أي ضربة عسكرية للمئات من المقاتلين من حزب الله الذين ينتقلون بعتادهم وسلاحهم بشكل شبه يومي بين لبنان وسوريا منذ خمسة أعوام، فيما تقتصر الضربات العسكرية الإسرائيلية على بعض القوافل القادمة من سوريا إلى لبنان والمحملة بالسلاح؟ لم يقم حزب الله خلال تدفق مقاتليه إلى سوريا بأي خطوة عسكرية تظهر أنه قلق من أي استهداف له من الجو، أي أنه كان شديد الاطمئنان إلى أن إسرائيل لن توجه أي ضربة لمواقعه العسكرية المنتشرة على امتداد الأراضي السورية، فيما هي لا تتساهل في ما تعتبره نقل سلاح استراتيجي إلى الأراضي اللبنانية أو إلى مناطق قريبة من الجولان المحتل في سوريا. فالأخيرة كيان قائم على الخوف منذ تأسيسه، فأي متغير في محيطه يخيفه وهو لا يطمئن حتى لضمانات حلفائه ويريد أن يبعد أي خطر محتمل عن أن يشكل تهديدا له في يوم من الأيام. إسرائيل لم تعد ورقة قابلة للاستثمار بحيث أن الكلام ضد إسرائيل يتضح أكثر فأكثر أنه كلام شعارات استخدمه المحور الإيراني لإحداث اختراقات في العالم العربي، ولم يعد خافيا أن ما تبذله إيران من مال وسلاح ومقاتلين لا يمس إسرائيل بأذى، فضلا عن أنّ اهتمام هذا المحور في مكان آخر. فالانقسام الذي رسخته إيران في المنطقة جعل إسرائيل موضوعا ثانويا بحكم الوقائع التي فرضت إعادة رسم مناطق النفوذ في المنطقة، فإيران منهمكة بحفظ مصالح الشيعة والعلويين والأقليات وليس في برنامجها قتال إسرائيل إذا ما نظرنا إلى طبيعة الجبهات السياسية الإقليمية والدولية في المنطقة. الحلف الروسي الإيراني ليس من أولوياته ولا في برنامجه المس بأمن إسرائيل، موضوع إسرائيل فقد وهجه وما يدلل على ذلك أيضا أنّ انتصارات المحور الإيراني كما يكرر قادته ورموزه الإيرانيون وبعض الشيعة العرب، يترافق مع ارتياح إسرائيلي يعبر عن نفسه بالمزيد من إغلاق آفاق التسوية مع الفلسطينيين، فضلا عن أن الضربات الإسرائيلية التي تستهدف بعض قطاعات حزب الله بين الحين والآخر في سوريا لم تدفع إيران ولا حزب الله إلى رد فعل عسكري انطلاقا من أن كل القتال الإيراني في المنطقة العربية كما يكرر قادته هدفه الكيان الصهيوني، بل يبدو الموقف الإيراني الصامت تجاه الضربات الإسرائيلية أشبه بموقف المستغرب ولسان حاله يقول ما بالها إسرائيل تزج نفسها بما لا يعنيها. فالمعركة اليوم هي بين نفوذ الشيعة ونفوذ السنة، وبين المكون العربي والمكون الكردي، وبين الإرهاب الإسلامي والإسلام المحمدي الأصيل، كما تسمي القيادة الإيرانية الأيديولوجيا التي تتبناها على مستوى ولاية الفقيه والمشروع الإيراني في المنطقة العربية. النظام السوري وإيران، يدركان أنّ إسرائيل لو قامت بضربة عسكرية لحزب الله أو أي ذراع إيرانية في المنطقة فلن تتعامل المكونات في الدول العربية باعتبار أن هذه الضربة لها علاقة بفلسطين أو بحرب عربية إسرائيلية، لذا فإنّ إيران وحزب الله سيكونان حريصين على عدم جر إسرائيل لحرب ضدهما في المنطقة العربية، في المقابل فإن إسرائيل شديدة الامتنان إلى قدرة حزب الله على المحافظة على الاستقرار على طول حدودها. إسرائيل تدرك أنّ نظام المصالح الإيراني في العراق وفي الخليج وفي سوريا وإلى امتداد الهلال الشيعي هو الغاية في حسابات أولويات الأمن القومي الإيراني وليس خوض حرب أو مواجهة مع إسرائيل، وتدرك أنّ الخطر الحقيقي بالمعنى الاستراتيجي على وجودها كامن في البنية العربية وفي الجسم العربي غير المعتل أيا كان الذي يتحكم به أو يسيطر على أنظمته. تقاطع المصالح بين إيران وإسرائيل يكمن في اعتلال النظام الإقليمي العربي وهذا ما يشكل ضمانة لإسرائيل وحاجة لتمدد النفوذ الإيراني الذي يحتاج إلى المساومة مع الغرب بأشلاء الدول العربية لحظة رسم النظام الإقليمي الجديد الذي ينطلق من أنّ إسرائيل هي الثابت أما الدول العربية فهي المتحول. كاتب لبنانيعلي الأمين
مشاركة :