يتوقع الكثير من النقاد، بعد تقدم بولندا لجائزة الأوسكار بفيلم "إيدا"، "Ida"، أن يكون هذا الفيلم من ضمن الخمسة أفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم أجنبي هذا العام. وذلك بشكل خاص بعد أن لفت الأنظار له في المهرجانات التي عرض فيها في أواخر العام الماضي والجوائز التي حاز عليها. وكان "إيدا" لمخرجه البولندي بافل بافليكوسكي قد حاز على إعجاب نقدي واسع بشكله ومضمونه. يتناول الفيلم، الذي تدور أحداثه في بولندا عام 1960، قصة آنا (أغاتا ترزيبوشوفسكا)، وهي فتاة تبلغ من العمر 18، لا تعرف لها مكانا سوى الدير الذي عاشت فيه طوال عمرها، وقبل أن تؤدي القسم لتنصيبها راهبة، تخبرها الراهبة المسؤولة أن لها قريبة وأنهم حاولوا مراراً التواصل مع هذه القريبة لأخذ آنا من الدير وكانت ترفض، ولكن لابد لآنا من لقائها قبل تنصيبها كراهبة. لذلك فعلى آنا أن تذهب لقريبتها وتلتقي بها وليس هناك من وسيلة لتفادي ذلك. عند ذهاب آنا إلى خالتها واندا (أغاتا كوليتشا) الشيوعية والتي عملت كقاضية وأصدرت أحكاماً بالإعدام على "أعداء الثورة"، تكتشف أن اسمها منذ الولادة هو "إيدا"، وأنها أصلا من عائلة يهودية، وأن والديها قتلا على يد الفلاحين الذين آووهم بعد أن لجأوا إليهم، بطلب من النازيين. ليس هذا فقط، فهناك شخص مهم جداً بالنسبة لواندا قتل معهم. تذهب المرأتان لمعرفة مكان جثث الموتى لدفنهم، وبعد محاولات للتملص من آثار الماضي وإنكاره، يتقابلان مع القاتل. وسط مواجهات بين الماضي بكل تفاصيله المرعبة والحاضر الموشوم بالألم، تختل خيارات إيدا أو آنا بين الهويتين. وهناك مقابلة مستمرة بين الخالة وابنة أختها، بين الماضي بكل آلامه والحاضر الذي يحلم بالمستقبل، بين المرأة الشيوعية وابنه الأخت المتدينة، وهي مقابلة مليئة بالرمزيات. كذلك فالعلاقة التي تبدأ جافة بين المرأتين تنتهي بطريقة مختلفة. الفيلم مصور بالكامل بالأبيض والأسود، وكل كادر سينمائي مدروس بدقة وبجماليات عالية، وهو يعيد إلى الذهن كلاسيكيات السينما، ويستحضر الستينات بكل دقة، ليس فقط في تقنية التصوير بكاميرا ثابتة، وإنما بالروح أيضاً. وكان له دور مهم في الإيحاء بالحقبة الزمنية بشكل بالغ البراعة. كما أن الحوارات مكثفة ومدروسة جيداً والسيناريو هو من كتابة الكاتبة المسرحية ريبيكا لينكيفيتش بمشاركة بافل بافليكوفسكي. ورغم أن المخرج بافليكوفسكي وقد ولد في بولندا ولكنه أقام منذ فترة طويلة في بريطانيا، واشتهر أولاً بالأعمال الوثائقية، ثم انتقل في عام 1998 إلى الأفلام الروائية، لكن "إيدا" هو أول فيلم له يصوره في بلده الأصلي. وقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز، وخاصة في مجال التصوير والسيناريو والإخراج والتمثيل. وكان أهمها فوزه في مهرجان لندن للأفلام للعام الماضي كأفضل فيلم وفوزه في مهرجان وراسو للأفلام كأفضل فيلم وفوزه أيضاً بجائزة الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسكي) في مهرجان تورنتو لعام 2013.
مشاركة :