تراجعت الأسواق العالمية لفئات الأصول ذات المخاطر العالية، مثل الأسهم وسندات الشركات والسندات الحكومية للاقتصادات الناشئة، بشكل حاد في الأيام الأخيرة، مقابل ارتفاع عائدات السندات السيادية في الأسواق المتقدمة، خاصة عائدات سندات الخزانة الأميركية، وجاء ارتفاع عائدات السندات الحكومية الأميركية مدفوعاً ببيانات اقتصادية أميركية حديثة، تم تفسيرها من قبل السوق على أنها تزيد من مخاطر ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة بأسرع مما كان متوقعاً، على نحو يدفع بنك الاحتياطي الأميركي إلى رفع سعر الفائدة لأكثر من الثلاث جولات المتوقعة حالياً بإجماع الاقتصاديين.وذكر تقرير صادر عن «QNB» أمس، أن ارتفاع عائدات السندات أدى إلى انخفاض تقييمات السوق للأصول ذات المخاطر العالية، لثلاثة أسباب رئيسية: أولاً، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى زيادة تكاليف الاقتراض، مما يحد من الاستثمار والاستهلاك في الاقتصاد، وهو ما يقود بدوره إلى انخفاض توقعات الإيرادات والأرباح. وثانياً، يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى خفض صافي القيمة الحالية لتدفقات الإيرادات المستقبلية. وثالثاً، مع ارتفاع العائد من الأصول الخالية من المخاطر مثل سندات الخزانة الأميركية، يرجح أن يطلب المستثمرون سعراً أعلى لمخاطر الاحتفاظ بأصول ذات مخاطر عالية مثل أسهم وسندات الأسواق الناشئة، وهو ما يقود إلى انخفاض قيمة هذه الأصول. التقاط الأنفاس بعد أن وصلت عائدات السندات العالمية إلى أدنى مستوياتها لعدة عقود في يوليو 2016، بدأت في الصعود ببطء، ثم استقرت لالتقاط أنفاسها خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2017، ثم استأنفت بعد ذلك الارتفاع مدفوعة بزخم النمو العالمي وزيادة التوقعات بارتفاع التضخم. حتى وقت قريب، لم تتأثر الأصول ذات المخاطر العالية كثيراً بارتفاع عائدات الخزانة الأميركية، وذلك لجملة من الأسباب، فقد ظلت البيانات المعلنة عن نمو الأجور والتضخم الأميركي جيدة خلال هذه الفترة، ما دفع الأسواق إلى الشك في إقدام بنك الاحتياطي الأميركي على رفع أسعار الفائدة على الائتمان قصير الأجل بالسرعة المتوقعة. ولكن تغيرت تلك الأوضاع مؤخراً، وارتفعت أرباح السندات لعدة عوامل، أهمها ارتفاع النمو وزيادة التوقعات بشأن التضخم، اللذان أديا إلى ارتفاع الأرباح، وقد تم تعديل توقعات النمو المجمع عليها بشكل منهجي بزيادة النمو العالمي والنمو في الولايات المتحدة على ضوء بيانات الاقتصاد الكلي الواردة، إلى جانب تمرير الكونجرس لحزمة إصلاحات الضرائب الأميركية، والتي من المتوقع لها أن تحفز النمو خلال السنتين المقبلتين على الأقل، ومع تراجع معدل البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى له خلال العقود الأخيرة، وفي ظل قوة التوقعات بشأن النمو، استمرت توقعات السوق بشأن التضخم في الارتفاع، مما أدى إلى زيادة أرباح السندات طويلة الأجل، وقد تفاقمت هذه الضغوط التضخمية مع صدور بيانات التوظيف في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي. زيادة شهرية وكانت الزيادة الشهرية في الوظائف غير الزراعية التي بلغت 200,000 وظيفة في يناير، أكبر بكثير من إجماع توقعات السوق، في وقت بلغت فيه البطالة مستوى متدنياً فعلاً، مما يزيد من احتمال تسارع نمو الأجور، وبالتالي ارتفاع الضغوط التضخمية في الأشهر المقبلة، وتظهر نفس هذه البيانات تسارع متوسط الأجور في الساعة إلى 2.9% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى لها منذ 2009. وبالتالي، يبدو أن سوق السندات حالياً مهتم أكثر بمخاطر ارتفاع التضخم، واحتمال أن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي برفع أسعار الفائدة خلال 2018 بشكل أقوى من إجماع توقعات الاقتصاديين في السوق حول 3 جولات من رفع أسعار الفائدة. على صعيد آخر، تشهد العوامل المحركة للسياسة النقدية تحولاً يدعم ارتفاع عائدات السندات، فمن ناحية، تم رفع توقعات العجز المالي الأميركي مع تمرير حزمة الإصلاح الضريبي، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة معروض السندات الحكومية الأميركية في السوق وتخفيض أسعار السندات وزيادة عائداتها، ومن ناحية أخرى، تراجع الطلب على السندات الحكومية الأميركية، لأن بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لم يعد يشتري سندات الحكومة الأميركية طويلة الأجل.;
مشاركة :