طاهر الزهراني: تركت وشاية المثقفين واستعداءهم وجنحت للحب

  • 10/21/2014
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت هذا الشهر رواية «الميكانيكي» للروائي طاهر الزهراني، ولأجل هذه الرواية الجديدة وشجون الكتابة، التقت به «الحياة» لتسأله بداية عن تصنيف الروايات القصيرة، إذ لا يفضل بعض النقاد تسميتها بالرواية باعتبارها «نوفيلا»،. يقول الزهراني: بالنسبة لي، لا تهمني هذه المسألة، ما يهمني هو كيف كتبت، وكيف تناول الكاتب موضوع روايته، عندما تقرأ رواية مثل «ساعي بريد نيرودا»، أو «وردية ليل»، أو «السيد إبراهيم وأزهار القرآن»، لا تفكر أبداً في حجم العمل بعد الانتهاء، وإنما في جمال وعمق ولذة ما قرأت، وأنا بصفتي كاتباً، لدي إحاطة بأدواتي ونفسي وخبراتي، وأحاول أن أكتب عملاً جيداً قدر الإمكان، ولا أفكر في حجم العمل، لكن في الغالب تكون أعمالي صغيرة، وأنا منحاز إلى هذه الأعمال، فالرواية الصغيرة إما أن تبعث في نفسك المتعة والجمال، إن كانت جيدة، وإما أن تحفظ وقتك فتنتهي منها سريعاً، إن كانت رديئة، في النهاية العبرة بجودة العمل. «الحياة» سألته عن روايته التي ترتكز أحداثها على حكاية حب، على رغم العواصف والأحداث المتلاطمة في عالمنا العربي، وهل هو هنا يهرب إلى الرومانتيكية؟ فيجيب الزهراني قائلاً: تستطيع أن تقول ذلك، ربما فعلت ذلك من دون وعي مني، وهنا يكمن جمال الكتابة، إنها تسوقك أحياناً لتبتعد عن القبح! نعم، فقبل الأحداث الأخيرة كنت أكتب في رواية بشكل بطيء، لم أكن مستعجلاً، وخصوصاً أنه صدر لي وقتها رواية «أطفال السبيل»، فقررت أن أشتغل على رواية بهدوء، فجاءت الأحداث، وبدأت الأصوات العالية، وبدأ بعض المثقفين يكفرون بكثير من الأشياء التي كانوا يؤمنون بها! وبدأ الإقصاء والوشاية والاستعداء، والمطالبة بالاستبداد والقمع، بدأ القبح المكنون في النفوس المشوّهة يظهر، وبدأ التوتر يطال الجميع، وبدأت الريبة تعبث في الأرواح، لهذا وجدتني أترك روايتي تلك، وأكتب رواية أخرى مختلفة، جنحت فيها إلى الحب، ربما كان ذلك نوعاً من الهرب كما ذكرت، وربما لأجرب أيضاً أن أكتب في هذا الجانب لأهذب نفسي قليلاً. وكتبتها في ستة أشهر تقريباً، وكان ذلك بشكل يومي كل صباح، استمتعت بكتابتها وهي الآن بين يدي القارئ، قبل أن أنتهي من الإجابة، أحب أن أؤكد أن هذا الهرب الجميل والرومانسي، لا يعني أن المثقف لا يسجل موقفه، بل عليه أن يسجل موقفه، ويصدح به، ثم بعد ذلك يلزم مشروعه الإبداعي، ويخلص له». وعن واقعية بطل رواية «الميكانيكي»، وهل يمكننا أن نجد الكثير أمثاله بين الناس؟ يقول طاهر الزهراني: شخصية «عادل» في الرواية كانت متخيلة وقريبة، وجعلت له هذه المهنة، انحيازاً إلى مهنة كنت أحبها في وقت من الأوقات، فالوالد - حفظه الله - من خريجي المعهد المهني بجدة، وأذكر أن من أجمل الصناديق التي مرت عليّ في طفولتي، صندوق العدة الخاص بأبي، والذي كان يقبع تحت درج بيتنا، وكان حريصاً جداً على جمع أكبر قدر من الأدوات، وكان حريصاً على ترتيبها وتنظيفها، وكان لبعضها بريق مدهش، وترك أبي العبث بالسيارات عندما بترت إصبعه ذات يوم وهو يصلح سيارته، أيضاً في مراهقتي كنت أساعد خالي، الذي كان يعمل ميكانيكياً في قطاع عسكري، في إصلاح سيارته كثيرة الأعطال، وهذا ما جعلني أكتب عن هذه المهنة تحديداً. ثم إني أستمتع كثيراً عندما أذهب إلى أماكن الورش، وأحاول أن أقضي وقتاً أطول معهم، ربما هذه المهنة كانت الأقرب إليّ من أية منهة أخرى». وعن النهاية التي اختارها لروايته، وهل يخشى أن يثير البعض مسألة المصادفة هنا، يقول: أبداً، الرواية قائمة على لطائف وإيحاءات القدر، ثم إني كلما مررت بهذا اللقاء أقول لنفسي: يحدث كثيراً في الحياة، وأشعر بعدم رغبة في العبث به، فالحياة كريمة، والأدب كريم أيضاً، ثم هذا شيء متخيل، ومسألة الإقناع، يتفاوت فيها البعض، وعندما نقرأ في الأدب، نرغب في شكل أو آخر أن يكون كريماً ولطيفاً، نرغب في أن يكون هناك لقاء بعد غياب، فرج بعد كربة، فرح بعد تعاسة، لهذا نغض الطرف عن اللقاءات غير المقنعة في رواية «شيطنات الطفلة الخبيثة» ليوسا، لأن الجمال والحب والمتعة والتماهي مع الأدب، تجعلنا لا نتعامل مع هذه الأعمال بصرامة». وعن علاقة طاهر الزهراني نفسه بالسينما كما هي حال بطل «الميكانيكي»، يجيب: السينما فن ملهم، ومؤثر حتى على مستوى فن الكتابة، لهذا نجد بعض من يكتب الرواية بشكل جيد، هو في المقابل مشاهد جيد لهذا الفن، وخصوصاً في ما يتعلق بالأمور الفنية، ما يتعلق بالصورة، زاوية، وبعداً وقرباً، وتفاصيل، أعترف تماماً أني متأثر بهذا الفن، وأحاول أن أبعده مضموناً وأستفيد منه التقنيات، في الأعمال المقبلة بإذن الله». يقول طاهر الزهراني أيضاً: ما يجعلني أكتب ليس لأن الحياة قصيرة، بل لأنها محبطة جداً، وطالما أن هناك إحباط فهناك كتابة. أسأله: لكن ألا يشكّل التجاهل النقدي لما ينشر من أعمال أدبية إحباطاً هو الآخر؟ فيرد الزهراني قائلاً: هربت من الحديث عن النقاد في أكثر من سؤال، وها أنت تكرسه هنا أيضاً! أخيراً لم يعد هذا الأمر يهمني أبداً، أنا أكتب لأجل الكتابة، لأجل شغفي وهوسي وضجري، وفرحي وأسئلتي، أكتب لأجل الفن والحب والجمال، لهذا لن أتوقف، ربما يشعر بعضهم بإحباط عندما يتم تجاهل أعمالهم، وهذا أمر مؤثر بالفعل، وربما يكون السبب أن أعمالهم متواضعة، أو لنقل: ضعيفة. الفنان الحقيقي، تشغله أشياء أخرى متعلقة بروح الفن، وليس بالأثر المجاني الذي قد تسببه الممارسة، ويتلاشى بعد حين. النقد صحي وضروري، وهو يصقل ويحسن وينير؛ لكني أرى أن التجربة، والتراكم، وآراء القراء، أكثر نفعاً للكاتب والمشتغل بالفن من أي شيء آخر». وعن موقفه من عملية النشر يتحدث: ما أريد قوله باختصار، إن الكاتب المبدع والفنان الحقيقي، لا ينبغي أن يمتهن ما يكتب، طالما أنه مؤمن بقيمته، فلا يدفع لينشر له، ولا يتنازل عن حقوقه وإن كانت قليلة، صحيح أن النشر محبط في العالم العربي، لكن الكاتب الحر لا بد أن يملي شروطه». فصل من رواية الميكانيكي الغفلة لا تستمر مع الإنسان، هي مرحلة كأية مرحلة في الحياة... إن مرحلة الغفلة تشبه إلى حد قريب الطفولة، الأيام الأولى، عندما كان يتقلب في الأحضان، ينام كثيراً، يستمع للغناء، ينصت للتناغي، ينقل إلى الأيدي من دون احتجاج، يغمر بالعطور، والزيوت الطبيعية الشفافة، يدهن بالكريمات، وتنثر عليه البودرة البيضاء، ثم تصدر منه تلك الرائحة الفريدة، يقتربون من ملامحه، يشمونه، يقبلونه، يحضنونه، وهو يعيش أجواء عالم بسيط ومحدود، ثم يبتعد الطفل عن هذه البراءة بمقدار بعده عن الحليب، ونبض الأمهات. بعد أن يتخطى الإنسان تلك المرحلة، يبدأ في التشوه، والاختلاط بالحياة، والناس، والانغمار بالشقاء، أو يختار التوحد والعزلة فيكون أقرب للتوحش. أعترف أني قضيت فترة طويلة من عمري غافلاً، لم يكن خياراً، وإنما هو أشبه ما يكون بالحظ، كل إنسان له حظٌ من الغفلة، وغفلتي استمرت طويلاً، وعلى رغم مفارقات الظروف إلا أني عشتها بحب. مكان الغفلة لم يكن مثالياً، والعمل فيه لم يكن حلماً، لكني تصالحت معه درجة الانسجام، ذلك الانسجام الذي نجده في النسيج الواحد، هكذا حياتي في هذا المكان حيث الورش، الضجيج، والآلات، الروائح المنفرة، الكربون الأسود، الزيوت التي تشرّبها المكان، الشحوم الثقيلة، الأكوام الهائلة من الخردة، والقطع المستعملة، والركام البشع من النفايات. البشر الذين عشت معهم هنا هم سر بهجة المكان، وعلى رغم المكان الذي يبدو بشعاً، إلا أنهم يحملون قلوباً تنبض بالحياة. في هذا المكان العالم محدود جداً، الأفكار متواضعة، الأحلام قريبة، إلى درجة مباشرتها حال التطاول! تلاشت الغفلة عندما وجدتكِ، أصبح العالم ممتداً، والحياة عميقة، والألوان أكثر زهواً، حضرتِ فرحلت الغفلة، وجاء الحب، وأصبحت الأحلام عالية، والأفكار معقدة، والكون أرحب، بدأ الوعي بكِ ينمو، حتى إذا فقدت الصلة بأسباب العيش غاب كل شيء وحضر الصحو وغيابكِ، لهذا لم أجد مهرباً منكِ إليكِ إلا بمحاولات التخفف، التخفف ببطء.

مشاركة :