مررنا بنقد المجتمع بالتدريج، وبينما المجتمع يتعدّل تزداد أحياناً سلبيتنا تجاهه. كان الكلام السائد لزمنٍ مضى أن المجتمع لا علاقة له بالكتاب، واستمرت المقارنات بين إسرائيل والعرب في البحوث، ولئن كان هذا النقد صائباً غير أننا لا يمكن أن نغفل عن الإيجابيات الموجودة على مستوى الإشادة. والعجيب أننا نحتفي بمقولاتٍ تزدري العرب مثل المقولة التي نسبت لأكثر من اسم اسرائيلي وهي:"إن العرب لا يقرأون، وإن قرأوا لا يفهمون". هذه العبارة محل ابتهاج وتبني من قبل كثيرٍ من الكتاب الذين يتناولون علاقة المجتمعات بالكتاب. في هذه الأيام التي تمر فيها المنطقة بالصعوبات الكبرى، تتحدث التقارير التي تبثها القنوات عن تراجع الفنون والجماليات بالمجتمعات العربية بعد الأحداث الأخيرة، ولكن في الخليج تتخذ الوتيرة العكس إذ تزدهر الفنون وأصبحت عواصمه هي الموئل للحفلات الغنائية والمهرجانات والأنشطة الفنية. ينطبق على انتشار الكتاب ما ينطبق على الفن إذ تراجع عربياً وانتعش خليجياً، ودور النشر الخليجية تتعدد وتزداد. الكتاب وعلاقته بالناس لها قصة أخرى، إذ تطورت بشكلٍ كبير منذ عشر سنواتٍ تقريباً! كان لسؤال الإرهاب منذ 2001 الشرارة الرئيسية التي أيقظت الاستفهامات عن أسباب هذا الحدث. اتجهت المجتمعات الخليجية للكتاب وبخاصةٍ في السعودية، انتشرت عشرات الروايات والكتب التي تتناول هذه المرحلة، قصص التراجعات، وأسباب التطرف، وتقسيمات الجماعات والأحزاب. من هنا بدأ الضخ في الكتب يحدث دوياً في المجتمعات، وهو دويّ ينبئ عن إمكانية التغيير في المجتمع. قبل أيام وقّع الزميل عبدالله الجمعة كتابه (حكايا سعودي في أوروبا) في جدة، الصور توضح عشرات المشترين للكتاب والذين يطمحون إلى توقيعه. الشريحة التي حضرت من 17 إلى 25 هذا الجيل قارئ نهم. الغالبية من النساء طبعاً وهذا يوضح أن الفتيات ربما يتجاوزن إقبال الشباب على الكتاب. من كان عمرها في 11 سبتمبر 2001 عشر سنوات عمرها الآن ثلاثة وعشرون عاماً! بآخر السطر، لعلنا نتجاوز سحق المجتمع وجلده دائماً، فلنحمد التغيير ولنكن جزءاً من الإسهام به. الكتاب هو قرين تحضر أي مجتمع، والقراءة هي أساس نمو العقل. وليتنا لا ننصت للمقولات المثبّطة والتي تجعل من تراجعنا أمراً أبدياً لا يمكن حله أو ضمن واقعٍ لا يمكن تغييره.
مشاركة :