قصاقيص المشهد الإقليمي | عبدالمنعم مصطفى

  • 10/24/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لا أنا ولا أنت ولا الرئيس الامريكي أوباما يستطيع أن يجزم بما يمكن أن تؤول اليه حال الشرق الأوسط بعد طول ارتباك، هناك قوى عظمى ظنت في لحظة طيش حضاري أنها تحمل رسالة وتمتلك رؤية و لديها خطة وبرنامج زمني، وهناك قوى إقليمية طامحة توهمت أن ساعة الصعود قد حانت وأن الامر لن يتجاوز سوى بضع ثوانٍ "حضارية" تغمض أثناءها تلك القوى الاقليمية الطامحة عينيها وتلقي بنفسها من حالق لتجتاز اختبار "قفزة الثقة" ، ثم تسبح باتجاه شواطىء الهيمنة والسيطرة والدور القائد، أو باستعادة أمجاد الأجداد الذين أقاموا إمبراطوريتهم ممتطين ظهور الجياد وبعض الأساطير. كل من راهنوا على الفرصة باصطناع فوضى إقليمية، يبدون الآن ارتباكاً عليه شواهد كثيرة، لعل أبرز تجلياتها ما اعترف به الرئيس الامريكي أوباما، قبل اسابيع من أن بلاده لا تمتلك استراتيجية للتعامل مع تهديدات داعش، ثم ما حدث قبل أيام، حين القت طائرات سي 130 الامريكية حمولاتها من السلاح فوق عين العرب ليسقط جانب منه في قبضة داعش، وحين قرر الامريكيون بناء تحالف تحت قيادتهم للتعامل مع خطر دولة الخليفة أبو بكر البغدادي، حددوا هدفهم في :" وقف تمدد داعش".. أي أن ثمة هوى في النفس، للتعايش مع خارطة جديدة، تقر بتقسيم جديد للعراق وسوريا على قاعدة المذهب (سنى أو شيعي) وعلى قاعدة العرق( عربي أو كردي) . رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، اعترف (ضمناً) في حوار مع قناة ام بي سي مصر، قبل أيام أثناء وجوده في القاهرة على هامش اجتماعات اعادة إعمار غزة، بأن حقبة سايكس-بيكو قد استنزفت الغرض منها بعد قرابة مائة عام،وألمح بلير في ذات الحوار مع الاعلامي شريف عامر، الى حق الطوائف والمذاهب والاعراق في المنطقة في أن تستشعر وجودها وتحقق ذاتها، وهى عبارات مطاطة تحتمل التفسير والتأويل، وإن كان المشهد الراهن في عين العرب (كوباني) يبدو كافياً لفك الشفرة وكشف جوهر الخطة. بمعايير المساحة المستهدفة بتهديدات داعش، والأهمية الاستراتيجية والسياسية لها، فإن عين العرب ليست أهم من قلب العراق في بغداد، ومع ذلك فقد طغت معركة كوباني على ما يدور من معارك في الأنبار على تخوم العاصمة العراقية بغداد، بل بدا أن ثمة من يتعمد إلهاء الأطراف الإقليمية والدولية المعنية عن حقيقة تقدم قوات (الخليفة!!) أبو بكر البغدادي باتجاه السيطرة على كافة المناطق السنية بالعراق، فيما يتمترس شيعة العراق وخلفهم ايران، لحماية والدفاع عن المناطق الشيعية، أما أكراد العراق، فقد فتحت لهم معارك كوباني على الحدود السورية التركية، أبواب الامل لأول مرة ،في أن تكون لهم دولة كردية مستقلة، تعتبرها معظم مراكز الابحاث الامريكية، حلاً يحقق مصلحة استراتيجية أمريكية مؤكدة، فيما يصفها باحثون أمريكيون بأنها ستكون أوفى وأهم حلفاء واشنطن في المنطقة بعد إسرائيل.أما حكومة نتانياهو فترى في ولادة دولة كردية فوق أراض سورية وعراقية وربما تركية وإيرانية ايضا، مصلحة استراتيجية إسرائيلية عليا. واشنطن التي لا تملك- باعتراف أوباما- استراتيجية للتعامل مع داعش، لديها مشروع للشرق الاوسط الجديد، بدأته مع سقوط الاتحاد السوفييتي السابق مطلع التسعينيات، أما قاذفاتها الحائرة في سماء كوباني ومناطق من سوريا، فان اجمالي ما شنته من غارات وما ألقته من قنابل على مدى ما يقرب من شهر حتى الآن ، لا يبلغ مقدار ما ألقته في يوم واحد فوق قوات صدام حسين، ولا أستطيع ولا أظنكم تستطيعون معي، تصديق ان الولايات المتحدة بأقمارها الاصطناعية وأجهزة الرصد عندها وبإمكانياتها الجوية الهائلة، لا تستطيع التأكد من أن ما تلقيه من حمولات سوف تصل الى مقصدها وتصيب هدفها، أما أن تسقط امدادات السلاح الامريكي في قبضة قوات (الخليفة!!) ابو بكر البغدادي في عين العرب، فالأمر يتجاوز ما قد يذهب اليه خيال عشاق نظرية المؤامرة. بلير الذي تحدث عن انقضاء سايكس بيكو، يعرف أن المنطقة قد أمضت مائة عام فوق حدود سايكس بيكو، ويعرف أيضا أن تحريك خطوط الحدود بدواعٍ طائفية او مذهبية أو عرقية، سيقود لاحقاً الى تفكيك دول قائمة ومستقرة في المنطقة، وسينتج شظايا شرق أوسطية لن ينجو من خطرها أحد في اي مكان بالعالم مهما بعدت المسافة أو طال الزمن. أي محاولة لاستشراف المستقبل، ستصل الى اننا بإزاء شهادة ولادة دولة كردية، وأن الدولة "السنية" في العراق والشام، قد تكون مشروعاً "غربيا" وأن دويلات شيعية في العراق وسوريا، قد تفتح الباب لاحقاً لتفكيك دول مركزية في الإقليم، وأي محاولة لتجنب تلك السيناريوهات السوداء، يجب أن تبدأ بتعزيز الوحدة الوطنية في كل دول المنطقة عبر إنهاء كافة أشكال التمييز بسبب المذهب او الطائفة أو العرق أو الدين، فالمواطنة هى خط الدفاع الصلد ضد مخططات الشرق الاوسط جديداً كان أم كبيراً. المشهد الاقليمي في بداياته ربما كان عصياً على الفهم،أما الآن وقد تكشفت بعض أبعاده، عبر محاولات للملمة قصاقيص المشهد، وتجميع مكونات الصورة الكلية، فلا عذر لأحد، فيما تمور المنطقة بتيارات بعضها مصطنع وبعضها وافد وأغلبها يستهدف وحدة دول الإقليم ويتطلع الى قرن قادم من الدول الشظايا يرث قرن سايكس بيكو. moneammostafa@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (21) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :