إنَّ التذمر من التعليم الذي بات يملأ نفوس الطلبة، والملل الذي أضحى وأمسى يُغذِّي نفوس الكبار قبل الصغار، والفرحة الغامرة بالإجازات، والتغيب المتعمد قبل وبعد كل إجازة، كل ذلك تترجمه الرسائل السلبية للطلبة والمعلمين على حد سواء قبل بداية كل فصلٍ دراسي، وهذا ما قادني إلى التفكير في أسباب هذا الانفصام العلمي الذي بدأ يستشري في واقعنا التعليمي. التعليم العالمي استطاع أن يجذب طلابه إلى المدرسة، ويجعلهم يحلمون بها كل مساء، ويشتاقون إليها كل صباح، بما يوفره من بيئة تعليمية جاذبة، وأنظمة تعليمية ترقى بفكر الطالب إلى التفكير الإبداعي والتفكير الناقد، ونحن مازلنا نحل مشكلات الفصول المكدسة، والمدارس المستأجرة، والحمامات القذرة، وبرادة المياه غير الصالحة للشرب، والمقاصف التي لا ترقى للأنظمة الغذائية الصحيَّة، ومازال أبناؤنا يأخذون حصص الرياضة في الشوارع المجاورة للمدرسة تحت الشمس الحارقة، وما زال العامل البنغالي في البقالة المجاورة للمدرسة يبيعهم ساندوتش البيض المسلوق، والكبدة، والحلوى والبسكوتات المصبوغة، والمشروبات الغازية المضرة. فعلى الرغم من الدراسات والندوات والمؤتمرات العلمية، التي استنزفت ميزانيات التعليم العام والتعليم العالي، فما زال أبناؤنا يهربون من التعليم ويشعرون نحوه بالعداء. فنتائج تلك المؤتمرات وتوصياتها لم تستطع أن تقضي على هذا الجفاء التعليمي الذي يسكن نفوس أبنائنا، ولاشك أنَّ لهذا مردوده على المستقبل الاقتصادي والحراك التنموي للبلاد. ولعل السبب في فشل تلك الفعاليات العلاجية أنَّها لم تتجاوز حدود التنظير إلى الواقع العملي والفِعلي، أو أنَّ درجة تحركها تسير ببطء لا يتوافق مع درجة الحراك العلمي الذي يشهده العالم. فالفارق الزمني بيننا وبين التفوُّق العلمي العالمي يتجاوز المئة عام أو أكثر، بمعنى أنَّه يجب علينا أن نُضاعف من سرعة العمل بما لا يقل عن مئتي عام، وأن نضع خطط وبرامج التعليم وفق هذه السرعة المضاعفة، حتى نواكب العصر ونصبح مؤهلين للدخول في مضمار السباق العلمي العالمي، فإذا سِرنا بسرعة مئة عام، والعالم من حولنا في سباق محموم فإننا سنظل في المؤخرة ما لم نُدرك ضرورة مضاعفة الجهد، فما بالك وأنظمتنا التعليمية ما تزال تَحبُو لأنَّها لم تدرك بعد أنَّ عليها أن تترك التنظير والكلام إلى العمل الجاد والمضاعف. ولعل السبب الرئيس في تأخرنا، هو مهارتنا الفائقة في حفظ النظريات التعليمية العالمية، واجتهادنا في إرسال البعثات لمشارق الأرض ومغاربها للاطلاع عليها والإلمام بها، ثم نُدَّرسها ونُحفِّظها لطلابنا ونعطيهم الدرجات الكاملة عليها، وهم بدورهم ينقلون تلك النظريات لطلابهم ويكرِّمون من يحفظها، وهكذا دواليك استمرت أنظمتنا التعليمية في حفظ النظريات العلمية، حتى كَوَّنت أكبر جوقة تجيد الترديد بصوت مبحوح. فإذا لم نتوقف عن التغنِّي بالنظريات التعليمية العالمية، وإذا لم نتخط الندوات والمؤتمرات، ونحد من زخمها، ونوفر ميزانياتها الضخمة للواقع العملي، وإذا لم نستوعب قانون السرعة في السباق العلمي العالمي، فإنَّي أبشركم بأنَّ تعليمنا سيظل مكانك سر. d.najah-1375@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (49) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :