يُعد تعلم اللغة العامل الأساس في تبيان مدى اندماج كل وافد جديد في بلد الهجرة. ولا تختلف المعادلة في السويد، بل تُعتبر محورية بالنسبة إلى سكان المملكة الإسكندنافية الأصليين الذين وضعوها في استطلاع للرأي، نشر قبل عامين، في المرتبة الأولى لقياس درجة اندماج الأجانب. ووفق القانون السويدي، يمكن لكل لاجئ حصل على الإقامة ويبلغ من العمر بين 16 و65 سنة حضور دروس تعلّم اللغة أربع ساعات لخمسة أيام في الأسبوع وعلى مدار عامين كحدٍ أقصى. ويمنح في مقابل ذلك مبلغاً مالياً يتراوح بين 16 و32 يورو يومياً في ضوء المستوى الدراسي، وهو في الواقع معونة ما يعرف بـ «خطة الترسيخ» التي تهدف إلى دمج اللاجئ في مجتمعه الجديد. ويتضمّن تعلّم اللغة ثلاث مراحل تسمى «إس إف إي» و»غروند» و»ساس»، إذ تتطلّب بعض المهن العليا الحصول على شهادة «ساس» التي تعتبر شرطاً كذلك لمن يرغب في إكمال تعليمه الجامعي. ولأن اللغة السويدية تتبع اللغات الجرمانية الشمالية المعروفة بصعوبة نطق حروفها وقواعدها الفريدة، عدا عن الشكاوى المتكررة من الخلل في نظام برامج التعليم الحكومية التي تقدّم عبر البلديات، وجد اللاجئون أنفسهم أمام حاجز يزيد إحباطاتهم أكثر. ويقول نسيم (سوري، 29 سنة): «لا تتناسب مدارس اللغة مع ظروف كل لاجئ وكفاءته وخلفياته. وتضع في أحيانٍ كثيرة طلاباً من مستويات مختلفة في الصف ذاته بحجة عدم القدرة على فصل الطلاب بسبب نقص الكادر». ويضيف: «أدى النقص الكبير في المعلّمين المختصين بالبلديات إلى الاستعانة بأشخاص غير مؤهلين، منهم متقاعدون أو حتى مدرّسي رسم ورياضة بل وأساتذة في فنون الطبخ أحياناً، كما حصل معي شخصياً». وتؤكّد مريم (عراقية، 33 سنة) أن «شرط حضور دروس اللغة للانخراط في سوق العمل غير منطقي. فاللغة التي نتعلّمها لا تطبّق كما هي في الحياة اليومية. وهي أصعب من تلك المحكية في الشارع، ما يعني أننا لن نستخدمها في تعاملنا مع محيطنا لاحقاً». وتوضح أن البرنامج المفروض «غير مرن وروتيني ولا يراعي أوضاع كل شخص، إذ إنني مضطرة وزوجي إلى حضور دروس اللغة يومياً، وإلا فستقطتع المعونة المالية على رغم أنني أم لثلاثة أطفال صغار. ونتيجة أعباء الحياة في بلد جديد وانشغالي في تلبية مطالب أسرتي، نادراً ما أجد الوقت الكافي للتعلّم». وصدرت مواقف من الحكومة قبل شهور كشفت نيتها تعديل البرنامج لكن من دون اتخاذ خطوات جدية حتى الآن، ما تعزوه المعلّمة في مرحلة «إس إف إي» مولين يوهانسون إلى «البيروقراطية السويدية التي تخضع أي ملف لنقاش طويل قبل البت فيه». وتضيف: «من الطبيعي اعتبار العمل الوسيلة الأسهل للاندماج في شكل أسرع في المجتمع، لكن النظرة النمطية والعقبات الاجتماعية وأحياناً الاقتصادية تعني أن على المهاجر التحلّي بالصبر». وتشير مثلاً إلى أن «هناك نسبة مُعتبرة من اللاجئين الأميين الذين حصلوا على إقامة لكنهم لا يستطيعون كتابة اسمائهم بلغتهم الأم ناهيك عن تعلّم لغة صعبة كالسويدية. وبالتالي، لا يملك كل وافد جديد القدرة على التحدّث بالسويدية بطلاقة ولو حتى بعد عامين أو ثلاثة. وفي المقابل، لدينا أطباء ومهندسون يدرسون بطريقة المرحلة الابتدائية». أما ثائر (سوري، 22 سنة)، فيشير إلى أن نواقص كثيرة تشوب البرنامج، إذ يضع الجميع في سلة واحدة على رغم اختلاف أهدافهم من تعلّم اللغة. ويقول: «هناك من يريد إكمال تعليمه الأكاديمي وآخرون يسعون نحو لغة الشارع والعمل. وكذلك، يحرم طول مدة البرنامج الوافدين من الانخراط في سوق العمل، إذ يجبرهم على الانتهاء من مراحل معينة لقبولهم في وظائف محددة». ويقترح استحداث دورات لغة المهنة عبر نظام جديد يليه فترة تدريبية في مجال عمله، و «هكذا يستفيد هو والمجتمع ويحققان الغاية المطلوبة من الاندماج». ولا أدل على الثغرات التي يعاني منها نظام تعليم اللغة السويدية للأجانب، حقيقة أن كثراً من الحاصلين على الجنسية لا يتحدّثون اللغة، بما أن قانون الجنسية لا يطلب إجادتها، بينما يلجأ آخرون إلى العمل لدى أفراد من بلدهم الأهم، ما يؤدّي تدريجاً إلى نسيانهم السويدية أو عدم اهتمامهم بتعلّمها.
مشاركة :