فرديناند سيلين طبيب تحول إلى كاتب ليشتري منزلا بقلم: عمار المأمون

  • 2/17/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

فرديناند سيلين طبيب تحول إلى كاتب ليشتري منزلاعلى مر التاريخ هناك الكثير من المبدعين والأدباء الذين يصطفون إلى جانب السلطات القمعية، يروجون لخطابها ويشاركون حتى في الأفعال اللاأخلاقية لهذه التيارات السياسية من قتل وترويع، ولعل أشهرها النازية التي لا تزال تحيط بها الكثير من التهم، ورغم أنها أحرقت كتب العديد من الكتاب الألمان خاصة، إلا أن هناك كتابا انخرطوا معها في مشروعها السياسي، ولكن بعضهم كتب نصوصا مبهرة، ما يجعل القراء أمام جدل بين أفعال الكاتب وكتاباته الأدبية.العرب عمار المأمون [نُشر في 2018/02/17، العدد: 10903، ص(14)]سيلين كاتب استثنائي مدان دائما مازال الجدل المرتبط بالكاتب الفرنسي لويس فرديناند سيلين (1894-1961) قائما حتى اللحظة، فإلى جانب عبقريته الأدبيّة حسب وصف الكثيرين، إلا أن الأخير كان دائما متهما بمعاداة السامية، بل وبالتعاون مع النازيين أثناء احتلالهم لفرنسا عبر التبليغ عن اليهود كي يتم نقلهم إلى معسكرات التركيز، ولطالما أنكر سيلين هذه التهم، بالرغم من نصوصه التي يصرح فيها بمعاداته لليهود ككتابه مدرسة الجثث وغيره من النصوص التي حاول سحبها من السوق عام 1939، إلا أن التهم بكونه كان يبلغ عن اليهود لقتلهم مازالت معلقة حتى وقت قريب. مبدع عنصري في عدد من اللقاءات التي أجريت مع صاحب رحلة في أقاصي الليل كان يجيب عن سبب تركه لمهنته كطبيب وعمله بالكتابة أنه كان يريد أن يشتري منزلا، إذ كان يرى أن دفع الأجرة تبذير، وأن الكتابة ستعود عليه بمردود ماديّ يكفيه لشراء منزل، هذا الجواب الساخر مشابه لأجوبته حين يسأل عن علاقته بالنازية وهذا ما حسم مؤخرا إثر ظهور كتاب “سيلين، العرق، اليهودي” لكل من آنيك دورافور وبيير أندرية تاغوييف، فالكتاب الذي يتجاوز عدد صفحاته الألف، يعود لوثائق نشرت مؤخرا بعد وفاة سيلين بـ57 عاما تثبت تواصله مع قيادات النازية في فرنسا ودوره في التبليغ عن عدد من اليهود والتحريض ضدهم. كيف يمكن لنازيّ أن يكتب رائعة أدبيّة كـ”رحلة في أقاصي الليل”؟ هذا السؤال يتكرر دوما لدى من يعرف سيرة سيلين التاريخيّة ويطرحه مرة أخرى مؤلفا الكتاب الأخير، إذ أن البعض لا يصدق أنه يمكن لكاتب شديد الانتقاد للأنظمة السياسية أن يكون مؤيدا للنازيّة، لكن الوثائق التاريخيّة سواء المرتبطة به أو الصادرة عن النازية تثبت عكس ذلك، فحسب مقالات كتبها سيلين من الواضح أنه كان نازيا وعنصريا بيولوجيا، أي يؤمن بأن اليهود عرق لا بد من التعامل معه بحذر، وبين عامي 1937 و1941 كان له العديد من المقالات والسجالات المنشورة في الصحف والتي تثبت ذلك، وبالرغم من إنكاره تعاونه مع النازيين إلا أن الكتاب يكشف غير ذلك وخصوصا أنه كان يذكر بالاسم بعض الشخصيات اليهوديّة ويحرّض ضدها. عام 2015 أتيحت لأول مرة للعلن وثائق تعود للحقبة النازية في فرنسا حين كانت تحت الاحتلال، ومن ضمن هذه الوثائق الموجودة والمتاحة للعلن في الأرشيف الوطني لفرنسا، دفاتر محاضر تعود لعامي 1946 وبداية 1947 كان يستخدمها رئيس الشرطة الألمانية في باريس كيلوت كنوشن، والذي كان مسؤولا عن ترحيل يهود فرنسا إلى معسكرات الاعتقال.كتاب جديد عن حقيقة الأديب الفرنسي المثير للجدل وفي هذه الوثائق كان يدون أسماء المتعاونين مع النازيّة ومن ضمنهم اسم سيلين، بوصفه “كاتبا وعميلا ولاجئا في الدنمارك”، كون الأخير غادر فرنسا بعد أن وصلت القوات الأميركيّة إلى فرنسا عقب إنزال النورماندي عام 1944، فسيلين الذي كان خائفا على حياته بسبب مواقفه حينها، حُكم عليه في فرنسا بالسجن غيابيا عام 1950 بتهمة التخابر مع العدو، إلا أنه لم يسجن في فرنسا كونه سجن لعام ونصف العام في الدنمارك. الحقيقة التاريخية الكتاب يتتبع حياة سيلين بالاعتماد على الوثائق الرسميّة، بعيدا عن أسطورة عبقريته الأدبيّة، إذ يكشف عن حادثة قام بها سيلين حينما كان طبيبا عام 1940 إذ كان يسعى للعمل في أحد المراكز الطبيّة كنقيب للأطباء، إلا أن المنصب كان مشغولا من قبل طبيب باسم هوغارت، حينها قام سيلين بكتابة رسالة بخط يده لعمدة المدينة يطلب منه تسريح النقيب كونه يهوديا أجنبيا، وحينما لم ينفع الأمر، كتب رسالة ثانية، يؤكد فيها كثرة الأطباء اليهود في المنطقة، ويبدو أن الرسالة كانت فعالة، إذ تم طرد هوغارت وتعيين سيلين عوضا عنه، كما يكشف الكتاب أيضا عن بعض الشكوك المرتبطة بنشاط سيلين وتعامله مع الغوستابو وتقديمه الاستشارة للنازيين في ما يخص البروباغندا المعادية للساميّة. ويرفض فرنسوا جيبو أحد أهم مؤرخي حياة سيلين والمحامي المسؤول عن أعماله حاليا محتوى الكتاب، ويرى أنه ليس بدقيق تاريخيا، ويقول إن سيلين لم يسهم في قتل أي يهودي أو ترحيل أحد إلى معسكرات التركيز، كون عملية الإبلاغ عن يهودي لا تتم في الصحف أو الرسائل الشخصيّة، إذ لا بد من بلاغ رسمي يقدم لإدارة المخابرات المختصة وفق شكل محدد ورسميّ كي يتم ترحيل أحدهم ووصف من أبلغ عنه بالخائن والمتعاون، ويضيف أنه لا يوجد دليل أو وثيقة على قيام سيلين بذلك. ولا يمكن إنكار الدلائل الصارخة التي يحويها الكتاب، وهذا ما أثار سخط الكثيرين، وخصوصا أننا الآن أمام تساؤلات عن الطريقة التي علينا التعامل بها مع أعمال سيلين، فهل نحرق كتبه ونتجاهل قيمتها الأدبيّة؟ أم نحترم الأدب الذي أنتجه بالرغم من كراهيتنا لمواقفه وتصرفاته على الصعيد السياسي؟ حقيقة لا يوجد جواب واحد يمكن أن يكون حلا لهذه المشكلة، والتي لا ترتبط بسيلين فقط فالتاريخ مليء بأمثلة لكتاب ومثقفين مازال بعضهم حيا حتى الآن ونصوصهم متداولة بالرغم من مواقفهم المؤيدة لأنظمة قمعية ودكتاتوريّة، لكن يبقى السؤال معلقا: هل نستمر بقراءة سيلين أم لا؟

مشاركة :