معماري فرنسي يحول السينما في مخيمات اللجوء إلى نشاط اجتماعييصف البعض المخيمات بأنها مساحات خارج رعاية الدولة، هوامش مهملة متروكة لرحمة القانون الدولي الكيفي ومنظمات المجتمع المدني، التي مهما بذلت من جهود لتحسين ظروف الحياة فلن تجعل المخيم يستبدل الوطن، إلا أن هذا لا ينفي وجود بعض المبادرات الإنسانية والثقافية التي تسعى لمساعدة القاطنين في المخيمات وأماكن اللجوء المؤقتة لجعلها أكثر إنسانيّة وملائمة، مثل مبادرة المعماري الفرنسي فريدريك نامور بعرض أفلام في المخيمات.العرب عمار المأمون [نُشر في 2017/10/20، العدد: 10787، ص(16)]شاشات للسينما في مخيمات العراق قام المعماري الفرنسي فريدريك نامور مؤخرا بمبادرة سينمائية في مخيمات اللاجئين في كردستان العراق لخلق مناخ تثقيفي وترفيهي في ذات الوقت. عمل نامور لفترة طويلة كمهندس مختص في العمارة السينمائية في باريس، وبعد أن تقاعد أسس منظمة “شاشات السلام” المدنيّة بالتعاون مع المركز الوطني الفرنسي للسينما والرسوم المتحركة، وذلك لتوفير مناخ سينمائي لأولئك الذين لا تتاح لهم الفرصة كي يجلسوا في قاعات مكيفّة أمام شاشة واكتشاف عوالم السينما الساحرة، فنامور يرى أن هيتشكوك ينتصر للحكاية في السينما، في حين أنه يؤمن أن الإنسان/المتلقيّ هو الأهم في هذه الحكاية، ولا بد من كسر احتكار المدن لمكان العرض السينمائي ومساءلة الشروط المرتبطة بعمارته وتقنيات تلقي الفيلم. زار نامور مخيمات اللاجئين في العراق حول مدينة أربيل ليصدم بالوضع المأسوي للقاطنين فيها، إذ رأى الآلاف من الأشخاص من مختلف الديانات والجنسيات في مكان واحد، لكل منهم حكايته وسيرته وجراح يحملها على جسده أو في قلبه، كما لاحظ أنّ الكثير منهم لا يفعلون شيئا سوى انتظار الليل كي يناموا، ويقول ”هناك الكثير من المنظمات التي تهتم بشؤون اللاجئين وحاجاتهم الأساسية، لكن هل يكفي ذلك كي يستمروا في الحياة؟ أوقات الفراغ وفعل اللاشيء هما الأسوأ بالنسبة للإنسان”. يسعى نامور عبر “شاشات السلام” التي يترأسها إلى ملء أوقات الفراغ هذه عبر خلق نشاط ثقافي سينمائي للقاطنين في المخيمات، فكل ثلاثة أشهر وبمساعدة موظفين اثنين يتجه من باريس نحو ذات المخيم، هناك يجُهز مكان العرض المكون من معدات للصوت ومولد للكهرباء وجهاز الإسقاط، إلى جانب شاشة النفح التي تنتصب في الهواء الطلق، لتبدأ بعدها سلسلة العروض السينمائيّة التي تجمع كل قاطني المخيم."شاشات السلام" تبحث عن طريقة أو مكان مناسب لعرض الأفلام خلال الشتاء لأكبر عدد من المشاهدين، فطبيعة الطقس لا تسمح بالعرض في الهواء الطلق تنقسم جلسات العرض إلى نوعيتين؛ الأولى موجهة للجمهور من كل الأعمار وتغلب عليها الأفلام ذات الطابع العائلي والكوميدي وأحيانا تُعرض مباريات كرة القدم كدوري أبطال أوروبا، كما عُرض فيلم هنري الخامس بالتعاون مع المركز الثقافي البريطاني في الذكرى الـ400 لوفاة شكسبير. أما النوعية الأخرى فهي موجهة للنساء والأطفال وتحوي الأفلام الترفيهية وأفلام الكرتون والأفلام التي تعنى بقضايا المرأة، ويعقب نامور بقوله إن فيلم مستر بين هو أكثر الأفلام التي تم تكرار عرضها، كما تنال أفلام الترفيه الأميركية النصيب الأكبر من المشاهدين، بالإضافة إلى تأكيده أن شرط اختيار الأفلام هو أن لا تمس الجنس أو الدين أو السياسية، كما يجب أن تتوارى الترجمة العربيّة أو الدوبلاج العربي للأفلام المعروضة. مازالت “شاشات السلام” تبحث عن طريقة أو مكان مناسب لعرض الأفلام خلال الشتاء لأكبر عدد من المشاهدين، فطبيعة الطقس لا تسمح بالعرض في الهواء الطلق، لذلك وبمساعدة الكثير من المنظمات الثقافيّة الدوليّة تمكن نامور من إطلاق حملتين لجمع التبرعات من أجل السينما في مخيمات في العراق، ومنذ عام 2016 حين تأسيس الجمعية أقيم ما يقارب الـ137 جلسة للعرض وحضرها ما يقارب اثني عشر مشاهدا. لا تقتصر مسيرة نامور المهنية على شاشات السلام، فنشاطه خارج فرنسا يعود إلى عام 2004 حيث قام بالمشاركة في إعادة ترميم سينما “الأريانا” في كابول التي دمرتها الحرب، وذلك إيمانا منه بأهمية السينما كصرح ثقافي، فتلقي السينما ضمن شرط المشاهدة الجماعيّة يعتبر عنصرا فاعلا ضمن التركيب الاجتماعي والبناء الثقافي، ويجب أن يكون نشاطا يمارسه الجميع لا حكرا على فئة ما، إذ يرى أن الخروج بالشاشات من صالة العرض أشبه بالانفتاح الروحي، لتغدو السينما نشاطا تنويريّا ونقديّا، آخذا بعين الاعتبار الوظيفة الأولى التي نشأت على أساسها السينما وهي الترفيه والتسلية وخلق الدهشة.
مشاركة :