حتى أسئلة الامتحانات قد تتحول إلى نصوص شعرية بقلم: عمار المأمون

  • 2/10/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب المصري أحمد ندا هذا العام ديوانه الشعريّ الأول بعنوان “بألف ليّنة” عن دار المتوسط، وفيه يحاول ندا أن يلعب ويخرّب بنيان اللغة وأساليب التعبير، ساخرا من استخداماتها ومن القداسة التي تحيط بها، متهكما من الشعر وذات الشاعر نفسها، وكأنه يلعب أو يهزأ، لا فقط من اللغة بل أيضا من المؤسسات الثقافية والأيدولوجيّة التي تكرس أشكالا جماليّة وصيغا للتعبير تخلق وعيا زائفا بحقيقة العالم عبر الهيمنة اللغويّة، الذي أكّد أنه مستعد إما للمواجهة أو للعب مع محاوره وحذلقاته اللغويّة. اللعب الجاد ما إن نبدأ بقراءة الديوان حتى نتلمس ملامح مشكلة لغويّة لدى ندا ترتبط بالكتابة ذاتها، فهو يتهكم من تكوينات اللغة وأساليب نقل المعنى، وكأنه عالق ضمنها، ليبدو الشعر ذاته ليس إلا شكلا آخر لأسئلة امتحان أو وثيقة رسميّة، وكأن ندا يمارس سوء الاقتباس الأدائيّ ساخرا من الأصل. يعقب ندا بقوله إن الكتابة في معناها الأولي مواجهة مع مشكلة لغوية، فكلّ كاتب يبحث عن “لغته الخاصة” ولغتـ (ه) هذه ليست إلا واجهة لمشكلات لغوية. ويضيف “أتلمس في السؤال تصورا ما عن الشعر، وكأن الوقوف عند التقاليد الراسخة لكتابة قصيدة النثر صار واجبا إلزاميا على كل شاعر. قد تكون نصوصي كما تقول وثيقة، لكنها وثيقة تخصني، تعبر عن هواجسي بأدوات ارتضيت أن تكون مناسبة للكتابة الشعرية، وبالمناسبة استخدمت ‘أسئلة الامتحان‘ في كتابة أحد النصوص، لأن الشعر في واحد من تمثلاته هو تناص مع الحياة بكل تفاصيلها، كل ما فيها شعري، كل كتابة يمكن التناص معها، من اللوحات الإرشادية إلى النصوص المقدسة”. يتابع الشاعر “تقول ‘سوء الاقتباس‘ وأقول لك إن الفنون استطاعت أن تتمرد على ما هو ‘قيمي‘ متجاوزة مفاهيم الجيد والسيء، أليست الفنون المعاصرة في واحد من إنتاجاتها تمردا على هذه السلطة القيمية؟ لنقل مثلا إن مخرجا سينمائيا مثل كوينتين تارانتينو استطاع أن يفكك الرداءة بموروثها وحمولتها واستطاع أن ينتج منها قيمة جمالية جديدة، لذلك فإني سعيد بفكرة سوء الاقتباس وأعتبرها منجزا”. نقرأ في الديوان عن أحمدين اثنين، الأول هو الجسدي الآن وهنا، الذي يحاكم ويسخر من وجوده الثلاثينيّ، وأحمد آخر شعريّ يحضر عبر نصوص الآخرين، وكأن النص الذاتي هش يشوه القواعد ويمارس ألاعيب البلاغة ويسرق القصائد، فالشاعر يمحي ذاته و يمارس الغياب لغويّا، ويعقب على ذلك بقوله “إن هواجسه الشخصية كانت دوما مرتبطة بالتفكير في اللغة لا فقط التفكير باللغة، فاللغة هي التي تفتح لنا العالم، لأنها وحدها التي تعطينا إمكان الإقامة بالقرب من موجود منفتح من قبل، وأن نتوجه بالخطاب إلى الموجود بما هو موجود. وكل ما هو كائن لا يمكن أن يكون إلا في معبد اللغة”.الشعر تحد لسلطة الممارسات المهيمنة للغة، لكنه اليوم أصبح في كثير من تجاربه الحالية تمثلا لهذه السلطات يضيف ندا “في هذا المعبد تقيم الذات، لأنه هو الذي يتيح للوجود التعبير عن نفسه. فاللغة هي بيت الكائن كما يقول هايدغر. ذلك البيت لطالما أسرني على مستوى شكلاني أيضا، أصوات اللغة ورسمها وشكل تركيبها، إنها الأداة التي أرى أن جمالها منسي وراء دعوات هوياتية وبرغماتية. أعتبر نفسي كائنا لغويا بذلك المعنى، اللغة التي تخصني هي تلك التي تنشأ في المساحة بين فاعلتها الوجودية والمعرفية من ناحية، وألعابها الشكلية من ناحية أخرى. سمّه ألاعيب بلاغة، سمه مساءلة، سمه حتى محمود لو أردت، بالنسبة إلي أسميه لعبا جادا”. ويعقب الشاعر “تعرف؟ عادة أكره الجمل الحكيمة، والعبارات اللاذعة التي يرددها الناس، باستثناء عبارة واحدة لبورخيس ‘أكتب بجدية طفل يلهو‘، ذلك الطفل يتعامل مع ذاته باعتبارها واحدة من ألعابه، يحتفي بها، يسخر من جسدها، يصالحها، يحشرها بين حرفين بضّين، وهكذا”. الاحتفاء بالرداءة يبدو ندا في الديوان وكأنه لا يكتب الشعر، وكأنه يدرك رداءة ما يكتب، ليبدو الأمر أشبه برحلة بحث عن الشعر ذاته لا عن القصيدة، أو بتمارين لترويض المعنى، وتوجهنا بالسؤال لندا عن الرداءة الشعريّة والخطوط الفاصلة بين الابتذال وبين الشعر فيعقب بقوله إن النصوص الرديئة التي يذكرها كثيرا، هي عقوبة الذات لخيانة اللغة، ويعبر عنها كما يحب.زعزعة سلطة الشعر الجمالية ويضيف “أعجبتني جملة ‘تمارين لترويض المعنى‘ ولعلها العبارة الوحيدة التي تستحق التعليق في سؤالك، مرة أخرى أقول إن الرداءة هذه تناص ونقد. الموسيقار الروسي الشهير سترافنسكي كانت له تجربة نقد الموسيقى بالموسيقى، وهي التجربة التي بقيت في رأسي هاجسا ملحا، لم لا تكون في فنون الكتابة، خروجا على قواعد النقد المنهجية؟ كل قصيدة هي بحث عن الشعر، وكل كتابة للشعر هي بحث عنه ومحاولة لاستخلاصه من اتساع اللغة، هنا كان شاغلي شيئين اثنين: الشعر ونقده، الشعر وتقويضه”. يقول ندا إن الشعر إن وجد فهو تحدّ لسلطة الممارسات المهيمنة للغة، لكن الحقيقة أنه أصبح في الكثير من تجاربه الحالية تمثّلا لهذه السلطات، وإيغالا في التعبير عنها. ويضيف “الكثير من النصوص المكتوبة في قصيدة النثر الحالية، محشورة في معجم محدود، وتعبيرات ومجازات تكرر دون هوادة، وكأن الشعر لا يتحقق دون حضور هذه التعبيرات وذلك المعجم. أصبح الخروج عليه نوعا من المغامرة غير المحسوبة، أو يكون خروجا بغرض التكريس للخطاب المهيمن، لا مواجهته. اللغة الشعرية بالفعل ‘أزمة‘ لي ولغيري، كنت وبشكل واع تماما، أحب أن أخلص للعب حتى النهاية، وعيني على هذه التقاليد بغرض تسفيهها وإثارة قلقها، حتى وإن كانت النتيجة غياب القصيدة، أعتقد أن الشعر أوسع من حصره في هذه القوالب”.

مشاركة :