ربما أبدأ بشكري وتقدير للأستاذ محمد ابراهيم المطوع وزير شؤون مجلس الوزراء، بمملكة البحرين على متابعته الدؤوبة للصحف وما تنشره من مقالات وأعمدة وأخبار، ثم إذا أعجبه مقالاً يرسله للأصدقاء بين الفينة والأخرى، فكلنا ننتظر منه تعليقاته على قراءاته الجميلة، فهو يمثل طرازًا مميزاً من المثقفين العرب الحريصين على انتقاء كل ما هو مميز ويستحق القراءة. وقد أرسل لي مقالاً للكاتب الأردني أحمد الزعبي بعنوان «طائر يلخص أمة»، ومنه استلهمت مقالي هذا، ولعلي أعتقد أيضا أن أهمية مقال البطريق وهو الطائر البطل في قصة الزعبي هي الحديث عن ضعف العرب ومواقفهم حيال قضاياهم المصيرية وحروبهم الداخلية والأهلية التي لا تنتهي، فما أن تنتهي حربًا حتى تكون الأخرى قد بدأت رحاها تدور في الأفق. ربما يكون ما كتبه الزعبي قد نشره قبل فترة ولكن مضمون كلامه لا يزال أمراً حقيقياً وواقعاً نعيشه ولا ولن ينتهي في حياتنا كعرب، ولدي من الأمثلة والوقائع الكثير وسأشير إليها لاحقاً ممثلاً في القضية الفلسطينية. ولكني أبدأ بما كتبه الزعبي فقال: «أستطيع القول إنه أكثر مخلوق تائه في الكون - بعد المواطن العربي طبعاً - لا هو يمشي على اثنتين ولا يمشي على أربع، محتار بين البياض والسواد، اسمه طائر لكنه لا يطير، لا يستطيع العيش في الماء ولا البقاء في اليابسة، هو بين بين في كل شيء.. عن طائر البطريق أتحدث». ويواصل الزعبي: «تقول الطرفة: هل تعلم أن البطريق يعد من الطيور لكنه لا يطير، وبالرغم من أنه يعيش في المحيط المتجمد إلا أنه لا يحظى بالفرو، فيكاد يكون الكائن الوحيد في المحيط المتجمد الذي يمشي عارياً على الجليد، هذا الطائر المسكين إذا وقف على الشاطئ أكلته الفقمة، وإذا نزل في الماء أكله القرش، وإذا ضاع على الجليد أكله الدب، هذا المخلوق المنحوس ينقصه أي جنسية عربية حتى تكمل معه». يا له من تشبيه رائع يربط به الزعبي بين البطريق والعرب وأرى أنه يأتي في محله حقاً، فالبطريق هذا الطائر التائه بين لونيه وكونه طائرًا ولكنه لا يطير، لا يستطيع العيش في الماء ولا البقاء علي اليابسة، فهو تائه بالفعل، مثل العرب ولكنه يختلف عنهم في محل الجنسية فقط رغم الشبه الكبير بينهما. وهنا يستطرد الزعبي: «الأمة العربية كذلك لا هي في العالم الثالث ولا هي في العالم الثاني، غير قادرين على أن نكون قوة اقتصادية ولا نحن محسوبين كقوة سياسية، اسمنا دول لكننا لا نملك قراراتنا المستقلة، وبالرغم من أننا نعيش في منطقة صراعات ملتهبة إلا أننا لا نحظى بصناعة عسكرية ولا نملك السلاح النووي، إذا وقفنا على شاطئ النمو والوفرة الاقتصادية أكلتنا أمريكا، وإذا نزلنا في حروب إقليمية أكلتنا روسيا، وإذا ضعنا على جليد الخلافات العربية والحروب الأهلية أكلتنا إيران (كلما تسقط دولة تلتقطها إيران، مثل الضباع تفضل فريستها ميتة)، ومع ذلك إذا هربنا من الثلاثي المفترس ابتلعتنا (إسرائيل).. لذا كلما شاهدت طائر البطريق في الأفلام الوثائقية تنهدت وقلت له كم تشبهني يا صديق (قلبك أبيض) وظهرك متفحم من الحروب، جناحاك القصيران لا يسعفانك في التحليق، ولا يكفيانك للتجديف من الغرق.. فرص عيشك مرهونة بصراع الآخرين.. إن تصارعوا سلمت، وإن تصالحوا أُكلت». انتهت كلمات الزعبي اللاذعة والناقدة والتي شخص فيها حالنا كأمة عربية، تائهة، مشتتة، لا تفصل في قراراتها وإنما تترك لقوى أخرى الفصل فيها واتخاذ قرارات تتعلق بمستقبلنا وحياتنا. واستشهد هنا بآخر موقف أمريكي مهين للعرب ويتعلق بقضيتهم الرئيسية وهي القضية الفلسطينية، لأني أرى أنها ستظل قضيتنا الأولى رغم ما نمر به حالياً من حروب وأزمات. فقد كشفت المندوبة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قبل أسبوع تقريباً عن أن إدارة الرئيس دونالد ترامب تكاد تنتهي من صوغ اقتراحات للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، هذا في الوقت الذي أعلن فيه ترامب أن السفارة الأمريكية ستنقل إلى القدس في الذكرى السبعين لقيام إسرائيل وإن صح التعبير اغتصاب دولة فلسطين، وذلك في خطوة وصفتها تل أبيب بأنها «أفضل هدية والخطوة الأكثر إنصافاً». ولم تكتفِ هيلي بذلك، فزادت أن المفاوضين الأمريكيين، بقيادة صهر ترمب ومستشاره الرفيع لعملية السلام جاريد كوشنر، والمبعوث الأمريكي لعملية السلام جايسون جرينبلات، يواصلون الذهاب للمنطقة للعمل على تجاوز العقبات المختلفة ووضع النقاط على الحروف، وقالت: «الأهم من ذلك أنه يجب في النهاية على العرب والإسرائيليين قبول قتراح ترامب». والمفارقة هنا أن الدبلوماسية الأمريكية تأمر الفلسطينيين بقبول الاقتراح المرتقب الذي لا يعرفون ما هو حتى وقتنا الراهن، مع علمنا التام بأن الإسرائيليين بطبيعة الحال هم الذين يخططون ويصيغون أي اتفاقية قبل أن تفكر فيها وترضى عنها واشنطن. ويزيد الموقف صعوبة علينا نحن كعرب وفلسطينيين إذا قرأنا ما قالته نيكي هيلي ردا علي ما طالب به الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال اجتماع لمجلس الأمن بعقد مؤتمر سلام دولي للسلام في الشرق الأوسط بحلول منتصف العام الجاري، فقد ابتعدت الدبلوماسية الأمريكية عن مطلب الرئيس الفلسطيني تماماً، لتدافع عن قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. ليس هذا فقط، فنراها تحذر الفلسطينيين ممن أسمته بـ «المطالب المطلقة والخطابات النارية ونشر الكراهية والتحريض على العنف». فهل رأينا اكثر من ذلك تحيزاً وصفاقة بحق قضيتنا الأولى في الوطن العربي، فأمريكا وكما وصفها الكاتب الزعبي هي تأكلنا والتي تتحكم فينا وفي قراراتنا، تأمرنا فنطيع أوامرها وويلنا إذا رفضنا الانصياع لتعليماتها وتوجيهاتها، فترامب يقرر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ويعلن نقل سفارة بلاده إليها في ذكرى اغتصاب فلسطين، وما علينا سوى الموافقة على كلامه، وإذا رفضنا أو امتعضنا، فيكون تحذير نيكي هيلي جاهزاً أمامنا وأمام الفلسطينيين والذي أشرنا إليه «إياكم من المطالب المطلقة والخطابات النارية ونشر الكراهية والتحريض على العنف». وإذا كنا نحن كشعوب عربية قد اعتدنا مثل هذه الصفاقة الأمريكية، فماذا عسانا نرد على مزاعم نيكي هيلي في اتهامها الأمم المتحدة بالانحياز للعرب والوقوف دائماً ضد إسرائيل. وهذا ما قالته الدبلوماسية الأمريكية نصاً: «إن المشكلة هي أن الأمم المتحدة أثبتت مراراً وتكراراً أنها منظمة متحيزة بشكل صارخ عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، الأمر الذي جعل المشكلة أكثر صعوبة على حلها»، لتؤكد أن قرار بلادها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها لن يتغير. أعتقد أن هذا يكفي فالمثل الشعبي يقول «فينا ما يكفينا»، وأقصد الهموم فما أكثرها في عالمنا العربي التائه، المشتت، الذي يتلذذ بأزماته الكثيرة والمتعددة والتي لا تكاد واحدة تجد حلاً حتي نقع في عشرات غيرها. لن يكون الزعبي أول من هجا العرب ولا آخرهم، فقد سبقه كثيرون وسيلحق به المئات، فلدينا ما قاله المتنبي: «هل غاية الدين أن تحفوا شواربكم يا أمة ضحكت من جهلها الأمم»، ولم يقصر عالم الاجتماع والمؤرخ العراقي علي الوردي عندما اتهم العرب ومن بينهم العراقيون بالتأخر عن الحضارة الحديثة وتكاسلهم وذلك في كتاب «وعاظ السلاطين». ولم يقصر الوردي في حق العرب عندما قال: «الفقير إذا غمز لامرأة في الطريق أقاموا عليه الدنيا ولم يقعدوها، أما إذا اشترى الغني الجواري وأشبعهن غمزاً ولمزاً كان ذلك عليه حلالاً طيباً»، كذلك لم يخرج عن الواقع عندما قال: «إذا خرج طاغية عن تعاليم الدين قالوا عنه مجتهداً، ومن أخطأ في اجتهاده فله حسنة، أما إذا جاء الفقير برأي جديد، فقالوا عنه: إنه زنديق وأمروا بصلبه على جذوع النخل!». واختم هنا بأمنية أو سؤال وهو: متى ننتفض كعرب ونستيقظ من سباتنا؟ حتى لا نجعل الشاعر الكبير نزار قباني يشمت فينا ونرد على قصيدته الشهيرة «متى يعلنون وفاة العرب؟»، ونقول له: «لا لن نموت فنحن خلقنا لنبقى خير أمة أخرجت للناس..».
مشاركة :