كيف نكون «خير أمة أخرجت للناس»؟

  • 12/13/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يحرص القرآن الكريم على رفع الروح المعنوية للمسلمين، ويذكرهم دائماً بأنهم «الأمة الخاتمة»، التي أراد الخالق لها أن تكون «خير أمة»، مصداقاً لقول الحق سبحانه: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، وهذه الخيرية التي اختص الله بها الأمة الإسلامية لم تكن أبداً «عنصرية مقيتة»، كما يفهم بعض الجهلاء والمشككين في كتاب الله الخالد؛ بل هي خاصية عمل تميزها عن غيرها من الأمم إذا ما التزمت تلك الأمة بالمهام والواجبات الإيمانية والأخلاقية والحضارية التي كلفها الله بها.خيرية الأمة الإسلامية - كما يقول العالم الأزهري د. أحمد معبد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر- ليست منحة أو هبة إلهية تؤكد أن الخالق سبحانه قد فضل المسلمين على غيرهم من دون عمل وكفاح وإخلاص، فالله سبحانه وهو الخالق العادل لا يميز بعض خلقه على بعض تمييز ذات؛ لكن التمييز هنا تمييز عمل، فالمسلمون مميزون بما نصت عليه الآية وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، أي أنهم مميزون بما يعملون ويقدمون لهداية الناس وقيادتهم إلى أعمال الخير وصرفهم عن أعمال المنكر، وكل ذلك ينبع من إيمان عميق بالله ووحدانيته، وبما يؤدي إلى تعمير الأرض وإقامة العدل وتحقيق الخير للبشرية، وقد ألزم القرآن في كثير من نصوصه أمة الإسلام بذلك، وهي في دائرة الخيرية والتفضيل طالما التزمت بمنهج السماء، وحققت العدل، وواجهت كل الجرائم التي تنتهك حقوق الناس. حتى قيام الساعة حول معنى الآية الكريمة يقول د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الراحل في تفسيره الوسيط للقرآن الكريم: الله سبحانه وتعالى يخاطب المسلمين سواء الذين عاصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من يأتون بعدهم إلى أن تقوم الساعة.وقد بيّن الحق سبحانه الأسباب التي جعلت الأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس فقال: «تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله»، والمعروف: هو كل قول أو عمل حسنه الشرع، وأيدته العقول السليمة.. والمنكر عكسه.والمعنى: وجدتم خير أمة أخرجت للناس، لأنكم تأمرون بالمعروف أي بالقول أو الفعل الجميل المستحسن في الشرائع والعقول «وتنهون عن المنكر»، أي كل قول أو فعل قبيح تستنكره الشرائع ويأباه أهل الإيمان القويم، والعقل السليم.. و«تؤمنون بالله» أي تصدقون وتذعنون بأنه لا معبود بحق سواه، وتخلصون له العبادة والخضوع، وتطيعونه في كل ما أمركم به أو نهاكم عنه على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلّم. سياج الدين وهنا يتضح لنا أن خيرية الأمة الإسلامية منوطة بتحقيق أصلين أساسيين:أولهما: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنهما سياج الدين، ولا يمكن أن يتحقق بنيان أمة على الخير والفضيلة إلا بالقيام بهما، فهما من الأسباب التي استحق بنو إسرائيل اللعنة من أجل تركهما.وثانيهما: الإيمان بالله وبجميع ما أمر الله بالإيمان به.وذكر ابن كثير في تفسيره أكثر من عشرة أحاديث في فضل الأمة الإسلامية وعقب عليها قائلاً: «هذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، فمن اتصف من أبناء هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في هذا المدح»، كما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى من الناس دعة في حجة حجها فقرأ هذه الآية.. ثم قال: (من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها). أمة بناء وعمران يقول د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر: الخيرية التي اختص الله بها هذه الأمة تفرض عليها إلى جانب القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويسبقهما الإيمان القوي بالله أن تأخذ بأسباب النهضة وأساس العمران والبناء الذي ينشده الإسلام، فالقرآن يؤسس لأمة قوية قادرة على تعمير الأرض، فضلاً عن البراعة في العلوم والفنون والآداب والمهارات، ونشر محاسن الأخلاق فبهذه الصفات المكتسبة يتمايز الناس أفراداً وجماعات ويتفاضلون ويتسابقون على درجات سلم الخيرية.ويضيف: وخيرية الأمة الإسلامية ترتبط بما يشيعه أبناؤها من قيم التسامح والرحمة والعدل والرأفة والإحسان وغيرها من الخصائص والسمات الأخلاقية الفاضلة بين الناس، فضلاً عما يقوم به المسلمون من عمل إنساني وحضاري، وبقدر ما يكون العطاء تكون الأفضلية والخيرية، فالخالق عز وجل لا يميز إنساناً على آخر بلونه أو حسبه أو نسبه أو ثروته؛ لكن الأفضلية تكون لهؤلاء الذين «يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله»، ثم يأخذون بأسباب التقدم والتعمير، ويتحلون بالصفات والخصائص الإنسانية التي تجعل سلوكاتهم بين الناس محل احترام وتقدير الجميع. أخلاقيات الدعوة ويوضح د. محمود الصاوي، أستاذ الثقافة الإسلامية ووكيل كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر أن القيام بواجب الأمر بالمعروف الذي يحقق خيرية الأمة الإسلامية يتطلب أن يكون المسلم القائم بهذه المهمة العظيمة على وعي كامل بآداب وأخلاقيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لا يضل الطريق وتتحول المكاسب المنتظرة من وراء ذلك إلى خسائر.ويضيف: بفضل الالتزام بآداب وأخلاقيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتشرت رسالة الإسلام بسرعة فائقة في كل ربوع العالم؛ لأن الدعوة هنا تلتزم بما حدده القرآن الكريم من منهج واضح: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وعن طريق هذا المنهج الإلهي للدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر انتشرت قيم العدل والتسامح والرحمة وغيرها من القيم الإنسانية الرفيعة التي جاء بها ديننا العظيم، وهذه القيم هي التي تضبط سلوك الإنسان، وتحدد له إطار المباح والمحظور والمشروع وغير المشروع من السلوكات والتصرفات والمعاملات، وبهذه القيم الإنسانية انتشر الإسلام في ربوع العالم، ووجد طريقه إلى العقول والقلوب.ويوضح وكيل كلية الدعوة الإسلامية أن المسلم مطالب شرعاً بنشر دينه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط التي حددها العلماء، وأهمها أن يكون عالماً بالمعروف الذي يدعو إليه والمنكر الذي ينهى عنه، فالجهل هنا يؤدي إلى نتائج عكسية ولا يكفي حماس المسلم لدينه فقط؛ بل عليه أن يكون بصيراً بما يدعو إليه، وإلى هذه الأسس يجب أن نوجه هؤلاء الشباب الذين يحاولون إكراه الآخرين على الالتزام بتعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقياته. رسالة للعالمين وينتهي د. الصاوي إلى ضرورة التبصير بآداب وأخلاقيات الدعوة إلى دين الإسلام ومواجهة ما نراه من منكر، ويقول: القرآن يحمل كل الضوابط الأخلاقية المنظمة لعلاقات الناس والمؤدية إلى سعادتهم في الدنيا والآخرة، ومن حق المسلمين؛ بل من واجبهم نشر تعاليم القرآن وتعريف الناس من مسلمين وغيرهم بجوانب التسامح والرحمة فيه، خاصة أن نصوص قرآننا الذي هو دستور حياتنا تؤكد أن هذا الدين لم يأت مقصوراً على أرض بعينها، أو خاصاً بزمن معين لا يتعداه؛ بل هو رسالة ختمت كل ما سبقها من رسالات، وأن الله تعالى جعله ديناً للناس إلى يوم القيامة. ومن مظاهر التسامح والرحمة والإنسانية في هذا الدين أنه لا يعرف الإكراه، ولا يجبر أحداً على اعتناقه، فالدعوة إليه تقوم على الإقناع والحوار، فهي دعوة لا تعرف العنف، والمنهج النبوي في الدعوة الذي يقوم على الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالحسنى هو الذي يجب أن يسود في كل المواقف.والخلاصة أن مرتكزات الدعوة القرآنية التي تحقق خيرية الأمة الإسلامية تقوم على أسلوب الحكمة، وهي تفرض على كل داعية مخاطبة العقول بالأدلة العلمية المقنعة، وبالبراهين العقلية الساطعة، التي ترد على الشبهات بالحجج والبينات والحقائق، ومخاطبة الناس بما يفهمون، وما تقبله عقولهم، ومن الحكمة أن نأخذ الناس بالرفق فيما نأمرهم به وما ننهاهم عنه، وأن نأخذ بالمنهج النبوي الذي أمر به المسلمين في الدعوة والتعليم حينما قال صلى الله عليه وسلم، «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا».أيضاً.. تقوم دعوة القرآن على أسلوب الموعظة الحسنة، فالدعوة بالحكمة تخاطب العقول لتقنعها، والدعوة بالموعظة الحسنة تخاطب القلوب والعواطف فتثيرها وتحركها، وبما أن الإنسان ليس عقلاً فقط؛ بل هو عقل يدرك وقلب يحس ويشعر، فإن دعوة الإسلام تخاطب عقل الإنسان ومشاعره ووجدانه.

مشاركة :