الشارقة: محمدو لحبيب احتضنت الجامعة القاسمية في الشارقة، صباح أمس، ندوة فكرية تحت عنوان «قراءة تحليلية لكتاب (إني أدين)، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة»، حاضر فيها الشاعر حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، رئيس مجلس إدارة اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، والكاتب خالد بن ققة المستشار الإعلامي للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، بحضور الدكتور رشاد سالم مدير الجامعة، ولفيف من الأساتذة والعمداء والطلاب.بداية تحدث الصايغ عن رمزية وجوده في الجامعة القاسمية، في مناسبة قراءته التحليلية لكتاب «إني أدين»، مبيناً أن صاحب السمو حاكم الشارقة هو أبو الثقافة، ليس فقط في الإمارات، وإنما في العالم العربي، وأنشد تحية شعرية للشارقة وحاكمها، من خلال قصيدته «لشارقة بالعلم أعلام سؤدد»، يقول فيها:يسابقها لكنها تسبق الحلما وتنْحتُ من حرف الشروق سماً واسما وتسكن عنوانا إلى الشمس ظله مديد، فما أسنى المعاني وما أسمىوما أوفر الآلاء في قسماتها كأن لها من كل شاردة قسمالشارقة بنت الكرام مطالعي فدع عنك دعداً والغرامَ ودع سلمىودع عنك أطياف الغواني وقل لها هواك وشوق الشوق والروح والجسماوعاقر على طول المسافة منزلا ترفع حتى ضم أطرافها ضماكأن الذي بين العيون مقامها ولكنها لم تعتق اللب والعظمافطوقت الإنسان من كل جانب فكان لها حتما وكانت له حتما.ثم يقول في مقطع آخر:لشارقة بالعلم أعلام سؤدد وقد زادها سلطان من علمه علماضمير إمارات الوفاء ومنجبٌ نجيبٌ، ومهما قلتَ لم توفه سهماومهما ومهما ثم مهما ومثلها كثير ومهما قلتَ مهما تقلْ مهماوأدخلها في العصر من باب واثق وأدخلها بالعلم في غدها قِدْماثم قدم الصايغ ورقته التي كتبها وأعدها تحليلا لكتاب «إني أدين»، وجاءت تحت عنوان «الوعي الكتابي عند سلطان القاسمي، كتاب (إني أدين) أنموذجا»، مشيراً فيها إلى طريقة تناول سموه للمواضيع التي يكتب عنها بلغته الرشيقة القوية، قائلاً: «هنالك خيط أسلوبي مفعم بلغة رشيقة لكن قوية، مختزلة لكن دالة، تنتظم كتابات سموه في التاريخ والسيرة الذاتية وبقية فنون الإبداع من رواية وشعر ومسرح، وفي الوقت نفسه هناك التنوع بين الأعمال جميعا، وداخل العمل نفسه، كما لو كان المؤلف نجما يضيء فضاء المسرح ويستدرج المتلقي ناصبا له شباكه الذكية خارج أية إطالة أو إملال أو ملل».وفي معرض تحليله للعمل البحثي التوثيقي الوارد بين دفتي كتاب صاحب السمو «إني أدين» قال الصايغ: «نحن بصدد عمل شاهد لسلطان، يتمثل في وثيقته التاريخية المهمة الملهمة (إني أدين)، التي تناول فيها عنوان طرد المسلمين من إسبانيا قسريا بعد إخضاعهم لظروف قاهرة حتى لا نقول غير آدمية، وذلك إثر المرسوم الذي أصدره الملك فيليب الثالث في التاسع من إبريل/ نيسان 1609، والذي قرر بموجبه طرد أبناء المسلمين».وأضاف: «يمكن تقديم كتاب (إني أدين) أنموذجاً لما يراد من مفهوم الوعي الكتابي عند سلطان، منذ العنوان الصادم المكون من كلمتين، يتوجه سلطان من الذات إلى ذات الآخر، لقد درس القضية، وجمع الاستدلالات، وصاغ الحيثيات تماما كأي محقق أو محام ماهر، ثم قدم مرافعته الجامعة المانعة الماتعة، لكنه بعد ذلك يتجاوز دور المحامي إلى دور القاضي، رافعاً صوت الحقيقة، وكأنه مرآتها للآخر، خصوصاً الآخر الغربي. (إني أدين) هذا العنوان القوي الواثق سيقود كل عادل أو منصف من بني الإنسانية إلى تبني صوت الحق نفسه: إني أوافقك..، أنا أدين معك».وختم الصايغ ورقته بإبراز جملة من الرسائل التي أراد سموه أن تصل للمعنيين بها، وليسوا فقط هم من ظلموا المسلمين في إسبانيا، بل من بينهم كما بين الصايغ العرب والمسلمين فقال: «الرسالة موجهة إلى العرب والمسلمين، هذا كتاب تاريخكم فاقرأوه واحفظوا أبجديته غصناً غصناً وورقة ورقة، وهي موجهة في الوقت ذاته إلى الآخر الغربي، فهذه هي الحقيقة الدامغة بحوادثها ومآسيها وخلاصات خبراتها وتجاربها، فأين ضميركم، وهل من اعتذار يترتب على وعيكم بما كان وله علاقته الوطيدة بما هو كائن ويكون؟»في تعليقه وقراءته للكتاب قال خالد بن ققة: «إنها قراءة تثير قدراً من الأسئلة الإشكالية، فمن الواضح أن هذا النص ليس نصاً مكتوباً في إطار الترف الفكري، ويستدعي السؤال مباشرة من قارئه: ما الذي يريد سموه أن يوصله من خلال كتابه هذا؟»، ويجيب بن ققه: «في كتاب (إني أدين) يتبدى بشكل واضح صوت المثقف الذي يذكرنا بالتاريخ لتوظيفه لاستنهاض الذاكرة، ويلفت انتباهنا إلى أن التعايش مع الآخر ثقافياً يستصحب أيضاً الإحساس بحقوقنا والمطالبة بها والدفاع عنها ولا تعارض بين كل ذلك».وأكد بن ققة أن الكتاب يضم رسالة هامة مضمونها أن التعايش مع الآخر لا يمكن أن يتم إلا إذا كنت دوماً قوياً، معتبراً أن الكتاب إدانة لنا نحن العرب والمسلمين لأننا لو تمسكنا بذواتنا وكنا أقوياء متحدين لما حصل لنا ما حصل .وختم بن ققه مداخلته مؤكداً أن كتاب صاحب السمو حاكم الشارقة من أحسن الهدايا التي تقدم للضمير الجمعي العربي والإسلامي.في ختام الندوة ألقى الصايغ قصيدة أخرى تحت عنوان «سلطان» قال فيها:بلغت أرومتك السماء بمجدها فوصلتَ هاديها بلا حق عهدهاوهتفتَ: ها أنا أمة معدودة في جِدِها لا في مناقب جَدِهاوورثت أخلاق الملوك فزدتها شرفا إلى شرف الحجاز ونجدهاوعراقها وسوادها وبياضها والبيض من رايات أول وعدهاوعليِها الهادي وأجيال الهدى من سعدها ولسعدها في سعدهافي نهاية الندوة كرم الدكتور رشاد سالم الشاعر حبيب الصايغ والكاتب خالد بن ققه، مشيداً بحضور الصايغ وقراءته التحليلية، معتبراً أن ذلك مما يخدم رسالة الجامعة وأهدافها المعرفية. رسالة معرفية أشار الصايغ إلى الرسالة الأخرى التي يوجهها صاحب السمو حاكم الشارقة للشباب والطلاب، وهي رسالة معرفية بالدرجة الأولى، قائلاً: «بين هذا وذاك، هنالك رسالة سلطان التي يوجهها إلى المجتمع عامة، خصوصا الشباب والطلاب، الإخلاص للثقافة والمعرفة والكتابة والقراءة، مسألة الجذري والكلي والشامل وإن اعتنى بتدقيق التفاصيل، هذا النوع من الإخلاص لا يتحمل أنصاف الحلول، فإما أن تنذر له عمرك كله، أجمله وأعمره، أو تتركه أول ما يخالجك الشعور أنه ليس مخلوقا لك وأنك لست مخلوقا له». وعي إبداعي شدد الصايغ على الوعي الإبداعي في كتابة التاريخ لدى صاحب السمو حاكم الشارقة والذي تجلى في الكتاب فقال: «هذا الوعي الكتابي والإبداعي في كتابة التاريخ، في إعادة نبضه وإحيائه من جديد، تجعل التاريخ شيئا قريبا في متناول اليد والعقل والقلب معا، شيئا من المستقبل بقدر ماهو من الماضي».
مشاركة :