هي ذات المناسبة غدا والتي يحتفل فيها العالم بيوم المرأة، تنبري أقلامنا تضامناً وتعاطفاً ببعض الكلمات المنفصلة تماماً عن واقع تدفع فيه المرأة العربية إلى زوايا مظلمة من الحياة في المجتمعات العربية، جسدتها أعمال فنية وروايات وقصص لازالت تُروى عن مستوى التراتبية في العلاقات الاجتماعية لمكونات المجتمعات، حيث تقع المرأة في أسفل هذه التراتبية. في كل عام في الثامن من مارس/آذار نكتب ما يكفي من الكلمات الجميلة عن المرأة ودورها وكل هؤلاء اللواتي حفرن أسماءهن على جدران التاريخ العربي وثوراته الحديثة، لكن تلك الكلمات تنتهي بانتهاء المناسبة كما انتهى دور المرأة مع حصول الأوطان العربية على تحررها من الاستعمار، ولم يعد هناك رائدات يتم التغني بهن في نصف القرن الأخير منذ أن استولى العربي على الحكم فعاد ليمارس سلطته الذكورية في مجتمعات لم تخلع عن نفسها ثوب العصور الوسطى، رغم حداثة المدن والشوارع وواجهات المحلات التجارية، إلا أن حقيقة العربي مشدود أكثر نحو قرون قديمة. في الدول العربية وحسب الاحصائيات تبدو نسبة مشاركة المرأة العربية في الحياة العامة هي الأقل قياساً بالمجتمعات الأخرى، وتقف هذه النسبة عند 5.6% وهي نسبة متواضعة جداً لا تعكس الوزن التمثيلي للمرأة كنصف المجتمع. صحيح أن النسبة لم تصل حتى في أرقى المجتمعات الى 50%، ولكن بقيت المرأة العربية على هامش الحياة وهو أمر ربما يحتاج الى نقاش أوسع من الشعارات التي تقال في المناسبة أو كمقالات عابرة تملأ صفحات الصحف والمواقع الالكترونية. الحقيقة أن المرأة جزء من المجتمعات في الوطن العربي، وهي تعاني من أزمة مركبة، وتتمثل الأولى بأنها إمرأة أما الثانية فهي لسوء حظها أنها جزء من مجتمعات سياسية اقصائية، فمن حيث الأولى فإن المرأة هنا ورثت إرثاً ثقيلاً حدد مكانتها الاجتماعية ارتباطاً بعوامل ثقافية وراثية ارتدت ثوباً دينياً، ومن استمع مثلاً لشيوخ السعودية عندما كانوا يتبارون في اقناعنا شرعاً بعدم جواز قيادة المرأة للمركبة وكثير من الفتاوى التي لاحقتها بهدف التضييق عليها هذا قبل أن يتراجع هؤلاء الشيوخ بعد الحملة الأخيرة ضدهم لكنهم لم يكونوا خارج تراث العقل العربي القبلي. أما الثانية التي تفرض مكانة المرأة في هذه المجتمعات التي تميزت بالإقصاء وتعيش كل مكونات المجتمع وفئاته الاجتماعية لصالح نخبة سياسية محددة تحتكر السلطة ولا تترك متسعاً لغيرها للعمل في الحياة العامة، وهنا فإن ما تتعرض له المرأة هو جزء من تهميش باقي مكونات المجتمع كالشباب مثلاً الذين يتم دفعهم نحو هوامش المجتمعات، رغم كل الشعارات التي تدعوهم للعمل ومثل المرأة والشباب، فإذا كانت فصائل المعارضة في هذه المجتمعات هي فصائل يتم إبعادها عن الحياة العامة وهي التي تشتغل بها فلنا أن نتصور باقي الفئات ومنها المرأة التي تتعرض لإقصاء مزدوج. المرأة ومستواها جزء من بنية مجتمع وليس شأناً منفصلاً عن واقعه، وهنا تبدو المطالبات بأن تأخذ المرأة العربية مكانها الطبيعي بعيدة عن فهم هذه المجتمعات وقراءتها بدقة، لأن مجموعة البنى الفوقية والتحتية في غير صالحها تماماً، فمن ناحية الأولى يظهر أن مستوى الوعي العربي لم يتجاوز بعد مرحلة الطفولة قياساً بالحداثة وشروطها ومتطلباتها، والمسألة الثانية أن مستوى الاقتصاد العربي هو اقتصاد متواضع لم يطلب بعد قواه الاحتياطية لتثبت المرأة قدرتها على الانتاج كما حدث في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية، عندما كان الرجال يقاتلون على الجبهات كانت المرأة تدير المصانع، وعند عودة الرجال كانت المرأة قد أثبتت قدراتها ولا مجال لإعادتها للبيت. لذا ممكن القول أن الوعي ذلك الإرث الذي حدد مكانتها مبكراً وأطلق عليها ما يليق بهذا الوعي من تسميات مثل “الحرمة” من الحرام أو “الولية” من يحتاج الى ولي أمر باعتبارها قاصرا، كما قالت مبكرا الكاتبة المصرية نوال سعداوي، فالوعي الموروث والاقصاء تعاونا للتواطؤ على المرأة في مجتمعاتنا، لكن الحقيقة أن هذا التواطؤ ربما تجاوز المرأة الى باقي مكونات المجتمع التي لا تملك سطوة الدولة والأمن. لذا فإن الحديث عن المرأة خارج مكونات الدولة والمجتمع يبدو حديثاً سطحياً لا يعالج عمق أزمة المجتمعات العربية الحقيقية، فهنا في هذه المنطقة سار كل شيء مضطرباً في غير صالح شعوبها التي أصبحت تعيش الاغتراب في مجتمعاتها، وذلك الاغتراب الذي تدفع فاتورته الأكبر المرأة التي تحتفل بيومها سواء بشكل مباشر لأنها خارج سياق حركة المجتمع أو غير مباشر للرجل الذي ينعكس أيضاً عليها، وهنا تبدو المسألة بحاجة الى نقاش مختلف…!!!! Atallah.akram@hotmail.com
مشاركة :