أكرم عطا الله يكتب: العالم العربي بعد الأزمة..!!!

  • 4/23/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

من الصعب قراءة العالم العربي وفقاً للنظريات العلمية المتعارف عليها سواء السياسية أو نظريات علم الاجتماع التي نشأت في الغرب وبأجواء صناعية مدينية بعيدة الشبه عن المجتمعات العربية، لذا كان من السهل أن تبدأ التقديرات عما سيحصل بالعالم وكيف سيكون بعد انتهاء أزمة كورونا لأن المسار الهادي والمنظم الذي تسير عليه الدول يعطي بعض معالم التغيير.لكن العالم العربي يختلف تماماً وأحياناً تلعب البنية الاجتماعية أو الاقتصادية العربية دوراً مانعاً لأن تتشابه التغيرات مع مجتمعات أخرى وأحياناً قد تسرع تلك البنية المختلفة من العملية لكن مع اتفاق معظم الخبراء والمفكرون على أن العالم قادم على تغيرات كبيرة ومتعددة وحتى لو لم يتغير العالم العربي بنفس المسار إلا أنه سيتأثر تماماً أي اذا لم يكن التغيير مباشر بالقطع فانه سيكون غير مباشر.أكثر من سيناريو يمكن الاعتقاد بهما بتأثيرات الأزمة في الدول العربية أولها الأكثر تفاؤلاً هو أن الأزمة والتي لم تضرب المنطقة العربية بعنف إذ أن أعداد الاصابات والوفيات أقل من أوروبا والولايات المتحدة حيث سيكون التأثير محدود الأثر ولأن الاقتصاد العربي هو اقتصاد ناشيء وضعيف لن يتأثر كثيراً فالأزمة ضربت الاقتصاديات الكبرى مثل الشركات العملاقة وصناعة السيارات وكان تأثيرها أكبر على قطاعات الترفيه مثل السياحة والسفر ومستوى الرفاهية المحروم منها المواطن العربي بكل الظروف وبالتالي قد لا يلمس كثير من التغيير على مستوى الحياة أي أن الأزمة لن تترك آثار على المستوى السياسي أو تكون آثار محدودة يمكن امتصاصها.ولأن الدولة في الوطن العربي ليست مسئولة مسئولية كبيرة عن المواطن حيث انعدام الضمان الاجتماعي وفي هذا ما يحمل ببعده السياسي والنفسي ما يشبه اعفاء النظام السياسي من تدهور أو تراجع مستوى الفرد والحياة، هذا يكون واضحاً في الدول المسئولة عن دخل الفرد اذا ما عجزت الدولة عن الايفاء بالتزاماتها تجاهه أو دخله الشهري كضمان أو وظيفة أو تعويض في الأزمات.لكن السيناريو الصعب وهو ما يذهب اليه البعض باعتبار أن الاقتصاد العربي ضعيف ويقف على حافة الهاوية فمن الممكن أن يحدث انهيارات في بعض الدول نتاج تباطؤ عجلته وتعجز بعض الدول عن الايفاء بالحد الأدنى من التزاماتها كالرواتب والصحة وهنا قد يؤدي ذلك الى نوع من السخط والاحتجاجات ويفتح على موجة ثانية من الاضطراب في الاقليم سببها الجوع.بكل الظروف فان أزمة الوباء لم تترك متسعاً كبيراً للتفاؤل لأننا نشهد انهيارات اقتصاديات كبرى وصغرى أيضاً ليس هناك احصائيات نهائية بعدد الذين فقدوا وظائفهم سواء بشكل دائم أو مؤقت وعدد الشركات التي انهارت في العالم العربي لكن لا يمكن اغفال التراجع الذي يحدث حيث الارتباط النسبي بالاقتصاد الدولي وشركات الطيران وموظفيها والفنادق وبعض المصانع وغيره ويمكن الاشارة الى تدني أسعار النفط وهذا ليس مؤقتاً كما يشير تقرير مركز التقدم العربي للسياسات بلندن الذي اعتبر أن هناك تغيرات كبيرة على نمط الحياة في العالم واتجاهات التغيير نحو العمل من البيت والاهتمام بالبيئة وتقليل الانبعاثات كل هذا سيخفف الطلب على النفط على المدى البعيد.وإذا كان الأمر كذلك هذا يعني أن العالم العربي سيتأثر سواء في دول الخليج الذي يعتبر النفط عمود اقتصادها أو الدول الفقيرة الأخرى وهذا ربما يفتح على الأسئلة الكبرى دائمة الحضور عن بنية الدولة العربية سواء الفقيرة منها أو الغنية البنية السياسية وما أنتجته من بنى اقتصادية اجتماعية والمقارنة الدائمة بينها وبين الدول الأوروبية أو دول الرفاه والفرق الكبير باستثمار الانسان في دول الرفاه هذا الإنسان الذي تمكن من المشاركة السياسية والاقتصادية وكانت الدولة والرفاه هي نتاج عملية جماعية بدايتها الفرد والتعليم بينما تم تهميش الفرد في الدولة العربية حيث تكفلت مجموعة صغيرة أو قيادة حزب بالإشراف على الدولة دون غيرها لتنتج هذا القدر من الإفلاس.سواء الدول العربية الفقيرة منها أو الغنية تحت السؤال الكبير فالفقيرة أو الغنية بحاجة لإعادة هيكلة مؤسساتها والاهتمام بقطاعاتها وأولها الزراعية باعتبار أن التجربة السوداء التي تمر بها البشرية قد أعادت وضع الزراعة كأساس أولي للأمن القومي بمفهومه الغذائي والاستثمار بالأرض وبالإنسان كخطوط الدفاع الأمامية أمام كوارث الصحة والاقتصاد والبيئة وأيضاً فإن دول الخليج العربي التي يعتمد اقتصادها على السلعة الواحدة مدعوة لتنويع مصادر الدخل حيث الزراعة والصناعة كأعمدة مهمة في سياق عملية التطور البشري واستقرار المجتمعات.أظن أن هناك الكثير من المفكرين العرب لديهم ما يقولونه لإعادة هندسة الدول العربية ولكن هذا ربما يصطدم مع الفكر السياسي للتقاليد الحاكمة ليس أولها اعادة صياغة المجتمع وأولوياته بما يتعاكس مع كل ما بناه الحكم العربي والاستثمار بالفرد والتعليم والصحة وليس الأمن الذي استنزف القوى المحلية واقتصادها الى الدرجة التي كان عائقاً في بعض حالاته أمام التطور بل وأيضاً طبيعة الاستثمارات الخارجية التي كانت بعيداً عن الخبراء والمستشارين على نمط شراء أندية أوروبية وليس مصانع فيها أو أراضي أو جامعات.هي فرصة من المهم ألا تفوت في سياق أزمة أصابت البشرية بهزة عنيفة، يمكن للعرب الذين يمر عليهم الوباء بلا كوارث كبرى أن يتوقفوا أمام ما يحدث ويمكن أن تتحول من أزمة الى مدخل لإقلاع عالم لم يكن أمامه سوى صراعات سلطة وحكم بعيداً عن الاهتمام ببنية الدولة واقتصادها.. يمكن ذلك وخصوصا أن مناخ الدول العربية أكثر مناسبا للزراعة وللصناعة أيضا..!!!!

مشاركة :