سواء كنت تشغل منصبا قياديا في الوقت الحالي، أو ربما لاحقا، وبغض النظر عن المجال الذي تعمل فيه، يبقى التفكير في أمور القيادة بشكل جدي أمرا حيويا، كونه يؤثر في خياراتك وقراراتك وأدائك أيضا. قضيت خلال مسيرتي المهنية في التدريس والأبحاث معظم الوقت مع كبار التنفيذيين، التقيتهم خلال دورات تدريبية مثل برنامج إنسياد "الإدارة المتطورة". ولطالما لجأت خلال نقاشاتنا حول أمور القيادة، إلى شرح مسارات القيادة بصورة مبسطة مستعيرا مثال الغابة. تختلف مسارات القيادة عن بعضها بعضا قليلا. وبالعودة إلى تشبيه الغابة قد تكون تلك المسارات مفروشة بالصخر أو الرمل أو العشب أو قد تكون ممهدة. وقد تتعدد الطرق المؤدية إليها أو تتقاطع أو تتشعب. كما توجد مسارات سهلة وأخرى صعبة أو تؤدي إلى طريق مسدود في بعض الأحيان. يعطي مثال الغابة الذي استعرناه، أهم الأفكار الأساسية حول القيادة: فالقيادة رحلة، وليست وجهة. من غير الوارد أن نصل لمرحلة نخرج فيها بأفضل صورة لنا كشخص قيادي ناجح. ربما ينبغي أن نطمح إلى ذلك، ولكن يجب أن تحفزنا هذه الرؤية كون رحلتنا مستمرة. وهي ليست رحلة منفردة. فنحن نتخذ قرارات حول المسارات التي سيتبعها فريق العمل، ومؤسستنا، وأنفسنا. وقد تكون هناك قرارات حول فرص جديدة كمسار مهني جديد، أو بلد جديد للعمل فيه، أو شركة أو قطاع جديد. تضعنا القرارات التي نتخذها على مسار جديد في كل مرة. فأسلوب القيادة الذي نتبعه ومسيرتنا المهنية هي التي تتوقف فقط. وقد نواجه خلال رحلتنا بعض العوائق والتحديات غير المحسوبة، مثل تكنولوجيا جديدة أو نموذج عمل يغير القطاع بشكل جذري، وبالتالي يتغير المسار الذي نتبعه. أبعاد VUCA "التقلب وعدم اليقين، والتعقيد والغموض" من الضروري في القرن الـ21، الذي تنطوي فيه رحلة القيادة على عديد من التحديات، فهم مثل تلك الأفكار. وهي أبعد من أن نختصرها بمصطلح VUCA الذي يعبر عن حالة "التقلب وعدم اليقين، والتعقيد والغموض". ويجب أن نضيف إليه اختصارا جديدا Ds الذي يعكس البعد الأبعد لرحلة القيادة المتمثل في الابتكار والتنوع. تختصر رحلة القيادي اليوم بـD-VUCAD. ففي المقدمة يأتي الابتكار الذي يغير القطاع بشكل كبير سواء كان سببه تكنولوجيا، أو تغيرات اجتماعية، أو إعادة هيكلة القطاع، وما شابه ذلك، ومن ثم VUCA" التقلب وعدم اليقين والتعقيد والغموض"، وفي النهاية التنوع بما في ذلك الجنس، والثقافات، والأجيال. ستشهد رحلة القيادة في عالم D-VUCAD تغيرات في المسارات تستدعينا لاستكشافها. توصلت خلال بحثي حول تطوير المهارات القيادية إلى نتائج مهمة، كون عديد من القادة لا يفكرون بعمق ووعي في المسارات الجديدة التي يتخذونها عندما يقومون بتغييرات قيادية أو مهنية. ويعيدون استخدام المهارات والقدرات والأساليب القديمة ذاتها، حتى عندما لا تتطابق مع معطيات الوضع الجديد. لنأخذ على سبيل المثال جون ليتل "اسم مستعار"، يعمل مسؤولا تنفيذيا كبيرا عملت معه خلال إحدى الدورات. كان جون قائدا استثنائيا في حالات الأزمات. ولطالما نجح في مناسبات عدة في قيادة فريق الأزمات في شركته، ونجح أسلوبه في القيادة في مواجهة مثل تلك الحالات. اتسم جون بكونه شخصا واضحا ودقيقا ونشيطا، ويوجه فريقه نحو تقديم حلول. أهمية إطار العمل تمت في نهاية المطاف ترقية جون لقيادة قسم مسؤول عن العمليات في بلد آخر. وكان ذلك بمنزلة فرصة كبيرة له للنمو والاستقرار. أدخلته هذه النقلة في طريق مختلف كليا، لكنه لم يدرك ذلك. أخبرني جون خلال حديثنا أنه كان يشعر بالرضا حيال نفسه في ذلك الوقت، فقد حصل للتو على ترقية كبيرة بناء على إنجازاته. لكن مع عدم وجود أزمات في الأفق، بدأ باختلاق بعضها. واصل جون اتباع أسلوبه المعتاد في القيادة الذي كان سببا في نجاحاته السابقة. تلقى بعد مضي 12 شهرا آراء فريق العمل التي وصفته بأنه شخص يتدخل في أصغر التفاصيل، ودكتاتور سلطوي لا يستمع لأحد أو يطلب مشورته أو حتى يلهمه. فأسلوبه القديم لم يتناسب مع وضعه الجديد. تقبل جون آراء الآخرين وغير أسلوبه. وامتلك لأول مرة فهما عميقا عن القيادة الفاعلة مفاده: إطار العمل له أهمية خاصة خلال رحلة القيادة. أصبح جون عندها أكثر إدراكا لنفسه وللآخرين ولإطار العمل والغرض من القيادة. القادة الذين يملكون إدراكا ورؤية ثاقبة يعون نقاط قوتهم وموهبتهم، وكذلك نقاط ضعفهم في إطار معين. ويدركون أيضا الأمور التي من شأنها أن تحفزهم أو تعوق مسيرتهم. ويضعون بناء عليه أهدافا وأولويات تضمن لهم العمل وفق البرنامج الذي وضعوه بأنفسهم. وبالتالي يعيدون تقييم أدائهم في ضوء الأوضاع الراهنة وما ستؤول إليه مستقبلا. من ثم يظهرون التزاما للقيام بتغييرات محورية في ضوء الدعم الذي يتلقونه، وبحسب آراء الآخرين وإطار العمل. وقد يواجهون أسئلة صعبة مثل: "هل أنا الشخص المناسب لقيادة هذا المسار؟" و"لماذا تصرفت على هذا النحو عند اختياري لهذا المسار؟"... يتبع.author: إيان سي وودواردImage:
مشاركة :