أحاديث الشيخ عيسى بن راشد سريعة الذوبان وخفيفة الظل، لذلك لا تجد صعوبة كبيرة في تسللها إلى المشاعر. بالأمس انتشر له مقطع فيديو صغير يتحدث فيه عن ظاهرة وإن بدت للبعض عادية، إلا أنها حقيقة باتت مؤثرة في مجتمعاتنا، خاصة مع التغيير الديموغرافي الكبير، والذي نتج عنه اختلال ثقافي رهيب، أصبح يهدد توازنات كثيرة في حياتنا الاجتماعية خلال السنوات الماضية. عيسى بن راشد تحدث في أقل من دقيقة عن ظاهرة الشُعراء الذين باتوا يخرجون علينا من كل حدب وصوب، بلسان معوج وعقال مائل على طرف الرأس، حتى تخاله للتو قد خرج من الصحراء، وفي الأخير تجده ليس من أهل البلد أصلا. طبعا ليس عيبا ألا تكون من أهل البلد، لكن العيب أن تكون مزيَّفا، وأن تقبل بأن تكون كذلك فقط للوصول والحصول! البعض أصبح يغيِّر اسمه ويختلق لقبا جديدا له بل ويعمُد إلى تسمية أبنائه أسماء معينة؛ فقط حتى يبدو بأنه «بدوي» و«قبَلي»، ظنا منه بأنها لزوم الذوبان والانصهار والترقي! الشخصيات المزيَّفة ظاهرة اُبتليت بها مجتمعاتنا ليس في مجال الشعر فقط، ففي معارض الكتاب باتت تباع الروايات ممهورة بالروائي فلان الفلاني، وعندما تبحث في سيرته، تجده لم يتخرج من الثانوية، كما تجد روايته عبارة عن خواطر «واتس آب» مجمعة، لكن للأسف مع الخلط البائن والتزوير في الشخصيات والمسميات بات كل شيء جائزا. تزوير الشخصيات والمسميات لم يعد يؤثر على سمعة أصحابها فقط، ولكنها باتت تقدح في الهويات الوطنية، التي تحوَّلت مع مرور الوقت إلى هجين، كما باتت أداة تدمير للذوق العام. مشكلة مجتمعاتنا أنها شكَّلت بيئات مشجعة على بروز تلك الفطريات. حتى في مجال الكتابة الصحفية، أصبح على من يريد الوصول مثلا، أن يتقن فن المدح والتطبيل والنفاق والتخوين، سائرا على المثل: «مع الخيل يا شقرا»، لا يُحد حبره ضمير ولا مبدأ. اليوم مع اليمين وغدا مع الشمال، يميل حيث تميل المنافع والمصالح والأهواء. البعض تجده غائبا عن الوعي المجتمعي، ولكن مع قرب توزيع المناصب يظهر مرة واحدة كأمهر المنظِّرين، ثم يعود ويختفي، وقس على ذلك! برودكاست: ما أجمل الإنسان حينما يكون على سليقته وطبيعته، لا تتغير مبادئه ولا أخلاقه ولا مَيلانه! أكثر الناس احتراما، هو من يُنزِل نفسه المنزلة التي تليق بها. من يحترم نفسه ويقدرها، تجده أكثر احتراما للآخرين. كن كما أنت، وستلقى ما تستحقه.
مشاركة :