أكرم عطا الله يكتب: تفجير المصالحة

  • 3/14/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

آخر ما كان ينقص الفلسطينيين هو تفجير موكب رئيس الوزراء القادم الى غزة بعد طول غياب، وهكذا يتكرر المشهد بشكل أو بآخر كما قال شاعرهم الكبير حين تدخل الملهاة بالمأساة، فكل الأشياء تداخلت ولم يبق لهم سوى انتظار جودو ليخرجهم من هذا الذي تورطوا فيه، وكلما تقدموا خطوة يعودون للوراء عشر خطوات، أو أن هناك من يلعب بهم بهذا الاستخفاف دون أن يكون لديهم قدرة على التقدم. من سيقنع رئيس الوزراء بالعودة لغزة بعد ذلك؟.. ومن سيقنع أصغر مسئول في السلطة بزيارة غزة؟.. فالحدث كبير والردود الاعلامية كانت تصب الزيت على نار مستعرة أصلاً يحاول الجميع اطفاؤها لكن الأحداث المأساوية دوماً أكثر قدرة على التعبير عن ذاتها، وغزة حبلى بتلك الأحداث لا تنتجبها سوى بالتوائم. من الذي فعلها؟ سؤال كبير بحجم الجريمة التي فاقت محاولة اغتيال رئيس الوزراء لتحاول اغتيال المصالحة، وإن لم تتمكن الجريمة من اغتيالها فقد أصابتها اصابات بالغة الخطورة، وسط صدمة الجميع من هذا الفعل المدمر لكل المحاولات الفاشلة في تحقيقها، والإجابة على السؤال هي اجابة صعبة، فالاتهام يوجه في اللحظة الأولى للمستفيد من تفجير المصالحة، والمستفيدون هنا كثيرون بعضهم ظاهر وأولهم الاحتلال وكثيرون أيضاً منهم يعملون بكل جهدهم لعرقلتها، فالاتهام موزع لأطراف عديدة والحقيقة أحياناً تبدو مؤلمة وجارحة لأن بيننا من لا يريد مصالحة. الأمور بعد التفجير ستأخذ منحى مختلفًا، فالرئيس قطع زيارته عائدًا من عمان للوقوف على تداعيات الحدث، ورئيس الوزراء غادر مسرعًا ومعه مدير المخابرات العامة، وستدخل الملفات التي كانت مؤجلة حيز التنفيذ بعد الحادث الذي سيسرع بفتحها، وهي مسألة السيطرة الحقيقية على غزة وليس فقط تمكين الوزراء والوزارات، وتلك مسألة كان يتم طرحها على خجل، لكن الآن سيتم وضع ملفها على الطاولة وربما من أراد تفجير المصالحة لا يعرف أنه قدم خدمة كبيرة لها، حيث يضع أطرافها وجهًا لوجه أمام حقيقة الملفات المستعصية. لكن المراقب للحالة لا يرى الأمر بهذه البساطة، عندما ندرك أن الاسرائيلي دائم التربص ومن السذاجة أن نعتقد أنه سيسمح للمصالحة أن تمر أو يسمح لأطرافها أن تتقدم دون أن يهييء ما يكفي من المناخات المدمرة لها، والتي تدفع بالأطراف باتجاه الافتراق لأن عودة السلطة الى غزة يعني قلب الطاولة أمام مشروع ليس وليد اللحظة أو السنوات العشر الأخيرة، بل أصبح منذ الثمانينات أحد أهم مرتكزات الأمن القومي الاسرائيلي القائم على فصل غزة، وهنا فإن المصالحة تشكل مساسًا بهذا المشروع الذي تم وضع ما يكفي من الامكانيات لنجاحه ورعايته ومتابعته. لذا فإن الاشارة لإسرائيل كمتهم سواء مباشر أو غير مباشر هو اتهام منطقي، وأحيانًا يتم البحث عن الأدوات التنفيذية وربما تتقاطع مع اسرائيل تقاطعًا غير مباشر، وقد تكون المصالح مختلفة، وبكل الظروف لقد أصاب التفجير المصالحة إصابة مباشرة ولكن ربما في هذا ما يعطيها دفعة قوية إن أدرك الفلسطينيون عمق الأزمة، وقد يدفعها لمواجهة الواقع بعيدًا عن الخجل وبعيدًا عن المجاملات وبعيدًا عن الشعارات والتمنيات التي غطت مساحة كبيرة من وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، وتكثفت في الأشهر الأخيرة. ولكن أسوأ ما في التفجير هو سيل الاتهامات الذي بدأ قبل التحقيق بالحادث، فكل طرف بدأ يلقي برغباته واسقاطاته وحساباته الصغيرة بدلاً من أن يكون الحادث دافعًا للوقوف أمام واقع يغرق في التفتت، بل أن ردود الفعل الأولية تعكس احتراف الفلسطينيين في صناعة الانقسام ورسوبهم في صناعة التوافق، كأنهم لا يعرفون الهدف الاسرائيلي من غزة والاتجاه الذي يدفع إليه. واذا كان المشروع الاسرائيلي يتلخص بابتلاع الضفة الغربية وفصل غزة فماذا على الفلسطينيين أن يفعلوا؟.. والسؤال بشكل أكثر تبسيطًا: هل العقل الفلسطيني القائم يسير متوازيًا مع المشروع الاسرائيلي أم معاكسًا له؟ هل نجحنا باستعادة غزة لغلاف السلطة لنقطع الطريق على الفكر السياسي الاسرائيلي أم أن النقاش العقيم الذي يدور في تفاصيل المصالحة ينسجم مع الإدارة الإسرائيلية وليس مع الإرادة الفلسطينية التي تتجسد بالرغبة الوطنية باتمام المصالحة؟ المسألة هنا ليست شعارات تحمل طابع الحرص والنوايا الحسنة بقدر ما هي حالة فعل تتجسد على الأرض يوميًا، فالمصالحة ملغمة ولا تنتظر تفجير موكب رئيس الوزراء، ولدينا من العبوات في طريقها ما يكفي لسلسلة انفجارات دون أن نسارع بتفكيكها، لأن الفعل بطيء والخبرة منعدمة والإرادة مشلولة. الانفجار الذي حصل للموكب خطير، ولكن يمكن أن يشكل دافعًا اذا أراد الفلسطينيون فهل سيفعلونها؟ مشكوك في ذلك ارتباطاً بالتجربة..!!!!   Atallah.akram@hotmail.com

مشاركة :