ينتظر آلاف التونسيين عودة السياح إلى بلدهم بعد أن خسر الكثير منهم مورد رزقه جراء الضربات الإرهابية، ومثّل رفع الحظر على السفر إلى تونس خطوة إيجابية نحو بوادر تحسن الاوضاع خلال هذا الصيف. يحضّر الشاب التونسي جوزيف سمير غشام قطع البيتزا الطازجة والكوكتيلات الشهية في مطعم معروف بمدينة سوندسفال السويدية. ولا يغفل جوزيف سمير عن إلتقاط صور الحياة الليلية في المدينة وتنزيلها على صفحاته على مواقع التواصل الإجتماعي. ويتلقى الشاب الذي قدم إلى السويد قبل سنتين، الرسائل من معارف له في تونس يشتغل أغلبهم في قطاع السياحة. وتدور المحادثات حول إمكانية بعث مشاريع سياحية جديدة خاصة بعد بوادر تحسن الوضع الأمني بالبلاد.ويروي جوزيف سمير غشام بتشنج قصة فشل مشروعه الذي استثمر فيه مدخرات سنوات من العمل الشاق والجاد. يقول الشاب التونسي إن أحلام نجاح مشروعه السياحي في تونس بعد الهجمات الإرهابية التي شهدتها تونس في صيف 2015 تبخرت كلياً. وأسس جوزيف سمير غشام، وهو شاب من مدينة سوسة الساحلية (وسط شرقي البلاد)، مشروعاً يتمثل في ملهى ليلي يجلب السياح الراغبين في "سهرات نوعية تتناسب مع أذواقهم الموسيقية على شاكلة ملاهي جزيرة إيبيزا في إسبانيا"، كما يقول في حوار مع DW عربية. كما قضى الشاب برفقة شركائه شهوراً عديدة للتحضير لاستقبال زائري مدينة سوسة من البريطانيين والألمان والجنسيات الاخرى. ملهى من دون سياح.. يستذكر جوزيف تلك الأيام قائلاً: "دمرت الضربة الإرهابية المشروع الذي استثمرنا فيها آلاف اليوروهات ورغم محاولاتنا الاستمرار في العمل خلال صيف 2016 يقول جوزيف سمير والفخر يبدو على محياه إن مشروعه "خلق نحو 35 موطن شغل كما تعاقد مع العديد من المرشدين السياحيين لجلب عدد كبير من السياح القاطنين بالنزل المتاخمة للملهى الليلي الذي يتواجد على بعد نصف كيلومتر من نزل أمبريال مرحبا في مرسى القنطاوي"، وهو ميناء ترفيهي ومرفأ لليخوت السياحية الفاخرة بالمدينة. في 26 حزيران/ يونيو 2015 قام المسلح سيف الدين الرزقي التابع لتنظيم "داعش" الإرهابي بقتل 38 سائحاً أجنبياً، من بينهم 30 بريطانياً، على شاطئ فندق امبريال مرحبا. وكان هذا الهجوم الإرهابي الدموي ضربة موجعة للسياحة التونسية، حيث تدهورت صورة تونس كوجهة سياحية آمنة وهجر السياح شواطئها الذهبية، وخاصة بعد العديد من التقارير الإعلامية حول تخاذل الأمن في حماية السياح خلال الهجوم الإرهابي وحظر السفر إلى تونس الذي أقرته دول كالمملكة المتحدة على مواطنيها. يستذكر جوزيف تلك الأيام قائلاً: "دمرت الضربة الإرهابية المشروع الذي استثمرنا فيها آلاف اليوروهات ورغم محاولاتنا الاستمرار في العمل خلال صيف 2016، إلا أن المشروع فشل وخسر جميع العاملين به شغلهم وترك بعضنا البلد على أمل إيجاد فرص عمل جديدة. ولا يستبعد الشاب إمكانية الاستثمار مجدداً في مشاريع سياحية في بلده الأم تونس رغم الصعوبات والمشاكل التي يعرفها البلد بصفة عامة والقطاع بصفة خاصة، ويضيف بالقول: نحن كأصحاب حانات وملاه ليلية في بلدان مسلمة نحتاج لحماية أمنية خاصة ويجب أيضاً على القطاع أن يطور نفسه وخدماته فالأزمة ليست فقط ناتجة عن الوضع الأمني بل أيضاً عن تردي الخدمات واستفحال الفساد في القطاع السياحي". وتشير الإحصائيات الرسمية لوزارة السياحة التونسية إلى تراجع إيرادات السياحة التونسية بنسبة 35.1 بالمائة، وقدرت نسبة تراجع عدد الوافدين بنحو 25.2 بالمائة بعد هجومي سوسة ومتحف باردو الإرهابيين. ويُعتبر القطاع السياحي في تونس المصدر الثاني الرئيسي من العملات الأجنبية للبلاد بعد الصناعات التصديرية وتوفر السياحة في تونس نحو 96 ألف فرصة عمل في مجال السياحة وأدت الأزمة السياحية المتفاقمة إلى فقدان 21000 فرصة عمل مرتبطة بمجال السياحة، حسب تقرير نشره المرصد التونسي للاقتصاد في 2017. .. ومطار من دون وافدين فريد: لن انسى ذلك اليوم الذي علمنا فيه بالحادث ورأينا الهلع والخوف في أعين السياح الذين هرعوا إلى المطار للرحيل في أسرع وقت. يجلس فريد الأجنف في مقهى يعج بالعاطلين عن العمل بمدينة النفيضة التي تبعد عدة كيلومترات عن مدينة سوسة. يترشف الشاب الأربعيني القهوة في انتظار فرص الشغل الشحيحة بالمنطقة. ويعيش فريد منذ سنتين حالة من الإحباط والاكتئاب الناتج عن البطالة التامة فهو يحاول جاهداً إيجاد عمل بعد أن فقد موطن شغله كعامل بمطار النفيضة الدولي، المشغل الرسمي للكثير من الشباب في بلدته. يروي فريد كيف تغيرت حياته بعد الحادثة الإرهابية في سوسة: لن انسى ذلك اليوم الذي علمنا فيه بالحادث ورأينا الهلع والخوف في أعين السياح الذين هرعوا إلى المطار للرحيل في أسرع وقت. وعمل فريد لسنوات في مطار النفيضة كمتعاقد موسمي وانتظر بفارغ الصبر اقتراب موعد تثبيته بالوظيفة، إلا أن الهجوم الإرهابي المسلّح على سياح فندق الامبريال أدى إلى تعليق شركات الطيران العالمية رحلاتها التي كانت شبه يومية. يقول لنا الشاب بنبرة حزينة: ذهب السياح بلا عودة وحلّت لعنة القفار بالمكان الذي كان يعج بالسياح والوافدين وخسرت شغلي وكل أمل في العمل هنالك بصفة دائمة. ويرن هاتف فريد ليعلمه صديقه بأن رحلات العملاق الأوروبي توماس كوك عادت بشكل تدريجي إلى المطار وأن عدداً من العاملين الذي تم تسريحهم سيعودون إلى العمل بشكل تدريجي. ويعود الفضل في رجوع توماس كوك ووكالات سياحية أخرى إلى رفع بريطانيا للحظر الذي أقرته في 2015 بعد أن قالت السلطات البريطانية إن الوضع الأمني تحسن في تونس، مما أدى إلى ارتفاع الحجوزات وخاصة من قبل شركتي تيو وتوماس كوك". تونس وجهة آمنة ولم يمر خبر عودة السياح البريطانيين إلى تونس مرور الكرام، ففي العاصمة البريطانية لندن يجلس مهدي الباهي أمام حاسوبه لمشاركة هذا الخبر السار مع شبكاته ومعارفه. ويقوم الباهي، وهو مدون وناشط تونسي، منذ ثلاث سنوات بحملات لرفع الحظر على السفر إلى تونس ودعم انتقالها الديمقراطي الهش عبر دعم السياحة فيها. وقام الشاب الذي يشتغل في مجال الأعمال في العاصمة البريطانية بالتظاهر أمام البرلمان وأمام مقر وكالات السفر من أجل تسليط الضوء على أهمية مساعدة تونس ودعمها كوجهة سياحية جذابة. يقول الباهي في حوار مع DW عربية إنه حاول أن يثبت "للحكومة البريطانية والرأي العام البريطاني أن تونس آمنة بالقدر الكافي وأن الإرهاب آفة ضاربة في كل مكان، فحتى بريطانيا نفسها شهدت عمليات إرهابية أيضاً". الناشط والمدون مهدي الباهي ووصلت أولى رحلات متعّهد الرحلات البريطاني "توماس كوك" في 13 شباط/ فبراير 2018 إلى مطار النفيضة الدولي وعلى متنها 220 سائحاً بريطانياً، مما يجعلها أول شركة سياحة بريطانية كبرى تستأنف عملياتها منذ الضربة الإرهابية في حزيران/ يونيو 2015. وقالت الشركة البريطانية في بيان لها إنها ستأمن ثلاث رحلات في الأسبوع عبر مطار النفيضة - الحمامات الدولي وستشهد نسقاً تصاعدياً لتصل إلى 10 رحلات في الأسبوع ابتداء من أيار/ مايو القادم. وكانت وزيرة السياحة التونسية سلمى اللومي في افتتاح السوق الدولية للسياحة بالعاصمة تونس ننتظر استقبال حوالي 8 ملايين سائح هذه السنة، مقابل 7 ملايين سائح وفروا عملة صعبة بقيمة 2.8 مليون دينار (946 ألف يورو) في موسم 2017". ويأمل فريد والآلاف من التونسيين الذي يلاحقهم شبح البطالة في عودة السياح وانتعاش الموسم الصيفي القادم، فالوضع الذي تعيشه تونس من غلاء معيشة وتراجع قيمة العملة المحلية، لا يسمح بالمزيد من التدهور الاقتصادي والاجتماعي دون القطاع السياحي. أسماء العبيدي
مشاركة :