على مستوى الأمن القومي أعتقد أن حادثة الدالوة يجب أن تكون خطا فاصلا في تاريخ المملكة بين قبل وبعد، وإن كان عموما ردود فعل الشعب السعودي ضد هذه الحادثة رائعة ومثيرة للإعجاب، لكننا أيضا لا نستطيع أن نترك الأمور فقط للنوايا الطيبة والانفعالات الآنية ذات المفعول المؤقت الذي يزول ويتلاشى مع الوقت، مع بقاء الحواضن والفضاءات الفكرية التي أنتجت مثل تلك الحادثة نشطة ومحتدمة.. لأنني كما أسلفت بات الأمر يتعلق بالأمن الوطني وأشباح الفتنة تلوح في الأفق. ومن هنا لابد أن يكون على رأس قائمة أولويات مشروعنا الوطني ضد الإرهاب سن تشريعات وقوانين تجرم خطاب العنف والعصبية وتدرج مرتكبه تحت طائلة القانون. وجميعنا يعرف بأنه يزع بالسلطان مالايزع بالقرآن، فمشروعنا الوطني ضد الإرهاب لابد أن يبلور تصورا جمعيا مستقى من النخب الفكرية والعلمية والدينية مدعوما بإرادة قطعية من القرار السياسي، وتحويله لخطة عمل تسعى إلى مناهضة هذا الفكر وتطويقه.. مع التأكيد على انعكاساته السلبية على وحدة واستقرار الوطن. بعد موقف هيئة كبار العلماء من حادثة الدالوة، لابد أن يشعر جميع من يحمل هذا الفكر بالصغار والمهانة والاستنقاص أمام متانة اللحمة الوطنية، حتى لو كان هناك لدى معتنقي هذا الفكر نصوص من كهنة ووعاظ يسوغون له هذا الأمر ويزينونه له. لابد أن تتم (أبلسة) حاملي فكر التطرف الطائفي حتى يصبح حامله طريدا مدحورا خارج جنان المواطنة، لأنه بفكره المتطرف إنما يقامر بأمن واستقرار شعب بكامله. في الولايات المتحدة إلى الآن مازالت جماعة (الكو كلوكس كلان) التي سبق أن اضطهدت السود وأحرقت منازلهم موجودة ولها أتباعها، ولكنها تظل جماعة محاصرة بالقوانين الصارمة وبالاحتقار والنفي من قبل جميع النخب العاقلة المتوازنة، حتى رأينا في النهاية رجلا أسود يعتلي سدة الحكم هناك، على حين كان من الممكن أن تتحول الولايات المتحدة إلى ساحة حروب أهلية دموية، ولكنهم تيقنوا أن مواجهة العنصرية ودحرها وتطويقها هي مطلب وجودي يتعلق بمستقبل مجتمعاتهم وأمنهم الوطني. فالقوانين والتشريعات الصارمة التي تدين فكر التطرف، وعملية الرفض والنفي والتحقير من النخب ضد الغوغاء والدهماء، مدعومة، بموجات متصلة من الحملات الإستراتيجية المنظمة التي تتم عبر كل المنابر المتاحة، من الممكن أن تسهم في تطهير الوعي الجمعي من دنس الطائفية والعنصرية ولو بعد أجيال.. المهم أن تتوقف محاضن هذا الفكر. طبعا الأمر ليس بهذا اليسر، وحربنا ضد الإرهاب ستتطلب أجيالا طويلة، والقادم خلف المنعطف.. غامض ومخيف، والفكر العنصري الطائفي لابد أن يرتبط بكل ما هو وضيع وهمجي وبدائي، ولابد من حصار مروجيه وتخطيئهم وسوقهم تحت طائلة القانون إلى المحاكم. لابد أن تحرص النخب في الوطن أن تقوم بواجبها الوطني ضد هذا الفكر الملغم، بلا كلل أو إحساس بالملل والعبثية.. لأنه حتما الرحلة ستكون طويلة ومكلفة. لمراسلة الكاتب: oalkhamis@alriyadh.net
مشاركة :